الإسلام .. والعلمانية ..!!
بدايةً .......
العلمانية مفهوم غربي ، ويعني فصل الدين عن الدولة ، وجاءت مطالبة المجتمعات الأوربية المسيحية بالعلمانية نتيجةً للتدخل الكبير والسافر للكنيسة في شئون الحكم ، ومحاربتها للعلم والعلماء ، فكان من الطبيعي أن يثور المجتمع الأوربي المسيحي ضد الكنيسة وتدخلها الكبير جداً في شئون حياتهم ، لدرجة التسلط والاستعباد ، وبالفعل نجح الأوربيون في ذلك ، وبعد تحررهم من قيود كهنوت الكنيسة وتسلطها واستبدادها ، دخلت أوربا في مرحلة نهضتها العلمية والحضارية التي تعيشها اليوم ..!!
لكن ........
نحن في العالم العربي والإسلامي ، هل نحن في حاجة الى المطالبة بالعلمانية ..؟؟ هل نحن في العالم العربي والإسلامي ، بحاجة الى العلمانية ، لكي تمنع رجال الدين والكهنة من التدخل في شئون الحكم ...؟؟؟ في حقيقة الأمر لسنا في حاجة إلى ذلك ، لأن منهجنا الاسلامي الوسطي ليس فيه من حيث المبدأ رجال دين ولا كهنة ، وليس فيه وسطاء بين الله تعالى وبين الناس ، كما في الدين المسيحي ، فالعلاقة بين الله تعالى والإنسان في الاسلام علاقة مباشرة ، ليس فيها وسطاء ولا رجال دين ولا كهنة ، ولا صكوك غفران ، ولا مفاتيح جنة ، ولا شيء من هذه الخرافات والأساطير ، التي أنتجها الفكر البشري الكهنوتي ، ليجعل منها قيوداً لاستعباد الناس ، واستغفالهم ، واستغلالهم ، قال تعالى:- (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )) ..!!
وهل ..........
نحن في العالم العربي والإسلامي ، بحاجة للعلمانية لكي تمنحنا حرية العقيدة ..؟ في حقيقة الأمر لسنا في حاجة إلى ذلك ، لأن منهجنا الاسلامي يُحرِّم تحريما قاطعا إجبار أي انسان على ترك دينه ، وإكراهه على اعتناق دين آخر . قال تعالى :- (( لا إكراه في الدين )) .. (( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) .. (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) .. كما دعا منهجنا الاسلامي ، الى ضرورة احترام شعائر ومقدسات الآخرين .. قال تعالى :- (( لكم دينكم ولي دين )) .. وهل هناك من حرية دينية أكثر من هذه الحرية الدينية ، التي جاء بها المنهج الاسلامي الوسطي ، كما أنه جعل طريقة نشر الدعوة الى الاسلام طريقة واحدة فقط غاية في الحضارية وبعيدة كل البعد عن أساليب الإكراه ، قال تعالى (( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) ..!!
وهل .........
نحن في العالم العربي والإسلامي ، في حاجة الى العلمانية لكي تمنحنا حق طلب العلم وحرية البحث والفكر ....؟؟؟ في حقيقة الأمر لسنا في حاجة إلى ذلك ، لأن منهجنا الاسلامي ، لم يكتفي بمنح الانسان حق طلب العلم ، وحرية البحث والتفكر ، بل جعل من كل ذلك فريضة وواجب ديني . قال تعالى :- (( إقرأ باسم ربك الذي خلق )) .. أمر واضح وصريح بوجوب القراءة وطلب العلم . وقال تعالى (( قل انظروا ماذا في السموات والارض )) .. أمر واضح وصريح بوجوب البحث والتفكر ، وكذلك كرّم المنهج الاسلامي العلماء ورفع من شأنهم . قال تعالى :- (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) .. (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) ..!!
وهكذا في كل الأمور نجد أن المنهج الاسلامي الوسطي ، قد منح الانسان كل حقوقه وحرياته ، وبالتالي فنحن في العالم الاسلامي لسنا في حاجة ، إلى العلمانية ، كل ما نحتاجه اليوم هو العودة للمنهج الاسلامي الوسطي وتنقيته من كل الشوائب والاجتهادات والأفكار البشرية والخرافات والأساطير التي علقت به والمخالفه لتشريعاته وأحكامه الربانية ، ومراجعة كل التفسيرات والتأويلات السابقة ، التي كانت مُعبِّرة عن رغبات وأهواء السلاطين والحكام في كل زمان ، وتسببت في انحراف التشريعات الاسلامية عن مساراتها الصحيحة ، فكانت سبباً في تشويه الكثير من المعالم الانسانية والحضارية ، التي جاءت بها التشريعات الاسلامية . كما أن إغلاق باب الاجتهاد عند بعض الفرق والمذاهب الاسلامية كان له آثار سلبية على مسيرة الحضارة الإسلامية كون ذلك يتعارض تماماً مع ديناميكية الدين الإسلامي القائمة على ضرورة تفعيل العقل ووجوب التفكر والتدبر والنظر لمواجهة متغيرات الحياة ..!!
وهذا الأمر يتطلب عمل مراجعات فكرية لكل الاجتهادات والأفكار الدينية البشرية السابقة ، طبعا المتعلقة بحياة الناس ومعاملاتهم المتغيرة بتغير الزمان والمكان والأحوال والظروف ، في أجواء من الحرية والاستقلالية والموضوعية والحيادية ، بعيدا أن أي تدخلات أو ضغوط سياسية أو سلطوية . أما بالنسبة للتشريعات المتعلقة بالغيبيات والإيمان بالله فلا مجال فيها للاجتهاد ، أو التفسير ، أو التأويل ، لأنها خارجة عن قدرات العقل البشري ، وكل ما علينا هو الايمان بها كما جاءت في القرآن الكريم ..!!
عندها سوف ندرك ونتيقن أن الخلل والعجز ، الذي أصاب حياة المسلمين بالقحط والجفاف والتخلف ، ليس من التشريعات الاسلامية ، ولكنه نتيجة طبيعية لعدم التمييز والخلط بين الوحي الإلهي المقدس وبين الاجتهادات والتفسيرات البشرية غير المقدسة ، وعندما يتمكن المسلمون من وضع حد فاصل بين المقدس وغير المقدس ، بين الملزم وغير الملزم ، بين الوحي الإلهي والفكر البشري ، سوف يجدوا أنفسهم أمام منهج رباني عظيم وخالد ، هو الأكثر قدرة على تحقيق السعادة والصلاح لهم في الدنيا والآخرة ، وأكثر قدرة على تحقيق الإنسجام بين العلم والدين وبين نظام الحكم والدين ، وسيجدون أنه أكثر شمولية من العلمانية وغيرها من الأفكار والمفاهيم البشرية ..!!