قراءة في الاستراتيجية الأمريكية الأخيرة 2022
تأخر الرئيس الأمريكي بايدن وماطل في تسليم استراتيجية الأمن القومي إلى الكونجرس. وطال انتظارها منهم. حيث يشترط القانون الأمريكي أن يقدم الرؤساء الاستراتيجية في بداية العهد لكن إدارة بايدن فشلت في تلبية هذا الطلب منذ سنتين واكتفت حينها بتقديم ورقة مؤقتة، معللة ذلك بسب ضخامة المتغيرات العالمية التي تستدعي التمهل لكنها أصدرتها منذ أيام.
أشارت الاستراتيجية الجديدة إلى أن العالم وصل إلى مفترق طرق وسيكون العقد القادم حاسما في المنافسة بين بكين وواشنطن لتحديد طبيعة النظام الدولي الجديد، وبحسب الاستراتيجية تسعى الصين لإعادة صياغة قواعده.
تتكون الاستراتيجية من وثيقة من 48 صفحة فسرت التعاطي الاستراتيجي الأمريكي تجاه العالم في الفترة المقبلة.
أين نحن..
ربما ما يعنينا والسؤال المهم لنا: ماذا عن الشرق الأوسط واليمن وإيران؟
تناولت “الوثيقة” منطقة “الشرق الأوسط” دون إسهاب تم التركيز على الملف الإيراني، وأسلوب معالجة أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار، عبر استخدام الدبلوماسية الهادئة وربما يأتي الملف اليمني ضمن هذه الرؤية السياسية الدبلوماسية التي أشارت إليها الوثيقة دون تفصيل للدول إلا أنها أشارت إلى مخاطر وتهديدات إيران لواشنطن وحلفائها وربطت ذلك بدعمها “اتفاقات أبراهام” بين “إسرائيل” والدول العربية، وكررت دعمها لحل الدولتين بوصفه أساسا لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي مؤكدة الالتزام الصارم بأمن إسرائيل، مع التأكيد على عدم وجود حل عسكري لأزمات المنطقة.
تشكل وثيقة الأمن القومي الأميركي، بصورة عامة، الخطوط العريضة للرؤية الاستراتيجية الأميركية في مرحلة معينة وزمن محدد، وهي تتبدل وفق تبدل الظروف والأخطار والتحديات العالمية. وهنا نحاول تتبع أهم القضايا والخطوط التي وردت فيها..
الخطوط العريضة في الاستراتيجية الأمريكية 2022 كالتالي:
أولاً: مفتتح الوثيقة
تحدث بايدن في افتتاحية الوثيقة عن الحاجة العالمية إلى القيادة الأمريكية وأنها لا تزال ضامنة وملحة وتواجه تحدياً مصدره الصين، فهي الدولة الوحيدة والوحيدة فقط التي يمكن أن تعمل لإعادة تشكيل النظام الدولي عبر القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، كما أشارت للدور الروسي الخطر الذي يمكن احتواؤه. حيث وصفت روسيا أنها تهديد فوري للنظام الدولي. ولذلك يجب كبح جماحها.
وأضاف، نحن في خضم منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي، ولن نترك مستقبلنا عرضة لأهواء أولئك الذين لا يشاركوننا رؤيتنا لعالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن.
ثانياً:
سوف تعمل أمريكا في تعزيز الشراكات مع الدول التي تحترم قواعد النظام الدولي مع تأكيد ضرورة تمكين هذه الدول من الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.
ثالثاً:
لن تسمح أمريكا للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط للخطر، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب.
رابعاً:
احتواء التجاوزات الروسية ومواجهة نفوذها على الدول المجاورة لها. ويأتي فى هذا الإطار حرب روسيا أوكرانيا، بالإضافة إلى تدخلاتها العسكرية فى الشأن السوري، على حد وصف الوثيقة.
خامساً:
التركيز على خفض التصعيد في الشرق الأوسط والقيام بمراجعة نقدية لسياسات الانخراط السابق في الشرق الأوسط مع التأكيد أن السياسات السابقة كانت تستند إلى "إيمان غير واقعي بالقوة وبتغيير الأنظمة لتحقيق نتائج مستدامة وهو ما ثبت عدم صلاحيته..
سادساً:
اعتماد الدبلوماسية خيارا أوليا، حيث ستعمل أمريكا على معالجة منسوب التوترات وإنهاء الصراعات حيثما أمكن ذلك بالدبلوماسية والحوار..
سابعاً:
التكامل الإقليمي هو الطريق الجديد لبناء شراكات سياسية واقتصادية وأمنية مع شركاء الولايات المتحدة.
ثامناً:
حقوق الإنسان تشهد انتهاكات كبيرة من دول متعددة لذا سوف يتم دعم كل الأنشطة التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان وتؤكد الاستراتيجية أهمية فضح الأساليب الصينية للتعامل غير الإنسانى مع الإيجور، وحقوق الإنسان لسكان التبت. ودعم الديمقراطية فى هونج كونج وتؤكد واشنطن ضرورة الوقوف أمام محاولات بكين إضعاف الاستقلالية والديمقراطية التى تتمتع بها هونج كونج ومنع الصين من ضم تايوان.
استنتاجات..
أولاً، يمكن القول إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة رسمت خارطة طريق جديدة فى عصر صراع عالمي يتجه إلى أربعة اقطاب على اقل تقدير منها امريكا. وتصدر الصين مستقبلا لهكذا نظام دولي جديد، الذي ستعمل واشنطن على عرقلته او تأخيره متى امكنها فعل ذلك.
ثانياً، تضمنت الاستراتيجية مجمل توجهات امريكا من خلال الواقعية السياسية وسعيها إقامة شراكات عسكرية واقتصادية مع حلفائها، لمواجهة خصومها، تحديدا روسيا والصين.
رابعاً، تضمنت الاستراتيجية إعادة مراجعة سياساتها القديمة عموما والشرق الاوسط خصوصا حيث ستركز أمريكا على الدبلوماسية بدلاً من الحروب وتخفيض تواجد قواتها تباعا وسيرتبط فقط بحجم التهديد.
خامساً، رغم ان الاستراتيجية ركزت على تحديث الجيش الأمريكي إلا أنها انتقدت اعتماد السياسة الخارجية الأمريكية على استخدام القوة العسكرية التي تتمحور حول الجيش وتستند على إيمان غير واقعي بالقوة، إلا أن الأمر قد يتغير فيما يخص حماية حرية الملاحة في الممرات المائية الإقليمية..
سادساً، رغم التأكيد على دعم إسرائيل لم تشر الاستراتيجية إلى السعودية، التي كانت شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة. واكتفت بدعم مسار السلام في الشرق الأوسط وحماية الممرات..
سابعاً، كرست الاستراتيجية الجديدة إطارا جوهريا ومرتكزا اساسيا ورد في الوثيقة مفاده نصا "حتى بعد الغزو الروسي لاوكرانيا فان الصين وحدها تمثل التحدي الأكبر لامريكا والأكثر أهمية للنظام العالمي الجديد"..
ثامناً، حرصت الوثيقة على بث روح التفاؤل وتحسين صورة أمريكا ونظامها الديمقراطي مقابل الأنظمة الاستبدادية القادمة حد وصف الوثيقة. ورغم هذا الوصف تركت الباب مفتوحا للمنافسة والعمل مع الصين عندما يكون هناك مصلحة أمريكية ومن موقع الثقة والقوة، بحسب الوثيقة لتقليل المخاطر.
تاسعاً وختاماً، من خلال الوثيقة يبدو هامشية الملف اليمني وحصره ببعد أمني كما هو معروف منذ سنوت ويتلخص في أمن طرق الملاحة ومكافحة الإرهاب دون اكتراث بتفاصيله حيث يبدو الملف نقطة بسيطة في سطر الشرق الأوسط الذي هو الآخر فقد الكثير من الاهتمام، إذ أصبح منطقة مصالح تقليدية وليس مجال نفوذ ومجالا حيويا وفقا لما هو مخطوط في الاستراتيجة الأمريكية القديمة..