الاستغلال السلبي أو الإيجابي لفائض القوة

06:17 2022/09/12

يمكن للباحث السياسي التعرف على نوعية النظام السياسي عن طريق دراسته لكيفية استخدام النظام لفائض القوة الذي يمتلك. فالأنظمة التي تستخدم فائض القوة لديها استخدام سلبي لقمع شعوبها واستعبادها وإذلالها ومصادرة حقوقها وحرياتها وإجبارها على دفع المزيد من الجبايات والضرائب، هي حتماً أنظمة سياسية قمعية واستبدادية ودكتاتورية. والأنظمة التي تستخدم فائض القوة لديها استخداما إيجابيا لتوفير المزيد من الرخاء الاقتصادي لمواطنيها، ولحماية الحقوق والحريات ولتخفيف الأعباء المالية على كاهل شعوبها، هي حتماً أنظمة سياسية مدنية وديمقراطية وتقدمية وإنسانية. 
كما أن فائض القوة هو المقياس الحقيقي الذي يظهر النوايا الحقيقية لأي نظام سياسي تجاه الآخرين، وهو أهم مؤشر يمكن الاعتماد عليه لمعرفة أهداف وغايات الأنظمة السياسية تجاه محيطها الإقليمي ومجتمعها الدولي. وللأسف الشديد الغالبية العظمى للأنظمة السياسية البشرية. وبحسب الأحداث التاريخية، بمجرد حصولها على فائض قوة لا تتردد في استخدامه لغرض التوسع والهيمنة والتدخل السلبي في شؤون الدول الأخرى، والعمل على تهديد المحيط الإقليمي وتهديد الأمن والسلم الدوليين، ليتحول فائض القوة ذاك إلى شر مستطير تتحمل البشرية نتائجه السلبية وإفرازاته الكارثية مادياً ومعنوياً. 
وما يحدث على مستوى الدول يحدث على المستوى الأسري والفردي، فبإمكان الباحث الاجتماعي معرفة نوعية وحقيقة الأفراد بمجرد امتلاكهم لفائض من القوة أو المال أو النفوذ. فهناك أسر وأفراد بمجرد امتلاكهم لفائض قوة سرعان ما يستخدمونه استخداماً سلبياً وعدوانياً ضد الآخرين، فلا يترددون في الاعتداء على حقوق وممتلكات الآخرين بدوافع الطمع والجشع وحب الذات وحب التملك والتوسع والسيطرة، ولو على حساب حقوق وممتلكات الآخرين. وبذلك، فإن فائض القوة قد ينزع من بعض الناس إنسانيتهم وتدينهم ويصنع منهم ظلمة ومردة ومعتدين وحتى قتلة، لا يردعهم دين ولا أخلاق ولا أعراف. وفي هذه المواقف تتجلى حقيقة الناس وتظهر نواياهم الحقيقية. وهناك قليل من الناس الذين يمتلكون فائض قوة ويستخدمونه استخداما إيجابيا. وهؤلاء هم الحكماء والصالحون الذين روضوا أنفسهم على التواضع والانتصار للحق، سواء كان لهم أو عليهم، فلا يغريهم فائض القوة على الانتصار لأنفسهم وأهوائهم ونزواتهم على حساب سلب ونهب حقوق وممتلكات الآخرين وممارسة الظلم والتعسف ضدهم. 
واستخدام فائض القوة والمال والنفوذ استغلالا سلبيا هو سلوك بشري سائد منذ القدم وحتى اليوم. والمجاملة والنفاق والتملق والاصطفاف مع من يمتلك فائض القوة والنفوذ والمال أيضاً سلوك بشري سائد في كل المجتمعات البشرية وإن كان بنسب متفاوتة، سواء كان على حق أو على باطل، بدواعي الخوف أوالمصلحة أو التعصب. وهكذا سلوكيات بشرية سلبية هي من تشجع على تفشي وتوسع دائرة الظلم والتظالم بين البشر على كل المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية والحكومية والدولية، وهو ما ينطبق مع المثل الشعبي اليمني (مع القوي يا عون الله)، والذي يتعارض مع الشرع والعقل والمنطق، وإن كان يتطابق مع واقع الحياة ومواقف البشر المادية والنفعية، والتي تتوقف على حسابات المصالح والربح والخسارة والخوف والتعصب وغيرها.