التوظيف السياسي والعقائدي السلبي ليوم عاشوراء

01:13 2022/08/10

التاريخ البشري حافل بالكثير من المواقف والقصص والأحداث الإيجابية والسلبية، وحافل بالكثير الكثير من صور الصراع المستمر بين الخير والشر، وكلها قد طويت في صفحات كتبه ومجلداته الكثيرة، كمادة فكرية وبحثية ومنهجية ودراسية وتعليمية تزود الإنسان بالكثير من العظات والعبر والدروس في شتى مجالات الحياة. كما أن التاريخ هو أداة الربط والتواصل بين أجيال البشر المتلاحقة، فبفضل التاريخ انتقلت الخبرات والابتكارات والأفكار والانجازات العلمية والمعرفية من جيل إلى جيل في سلسلة متواصلة، وكان لكل حضارة بشرية دور واضح في مسيرة التطور الحضاري البشري، فالتطورات الحضارية الكبيرة التي تعيشها البشرية اليوم لم تأت من فراغ وليست وليدة الصدفة، بل هي ثمار جهود بشرية كبيرة متواصلة عبر التاريخ البشري الطويل.
 وأي تخلف أو تراجع حضاري لأمة أو شعب ما في أي زمان أو مكان ، هو نتاج التعاطي السلبي مع الأحداث والمواقف التاريخية، كالتوقف عند حدث أو موقف تاريخي سلبي حدث في مرحلة تاريخية سابقة، وإعطائه هالة من التضخيم والاهتمام المبالغ فيه، لتنتقل سلبية ذلك الحدث من جيل إلى جيل، ولتتحمل الأجيال اللاحقة أوزار أخطاء وتجاوزات وانتهاكات سابقة لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد. وهكذا تصرفات تساهم في توسيع الشرخ والخلافات بين أبناء الأمة الواحدة، والحكمة تجاه هكذا أحداث سلبية سابقة في التاريخ هو العمل على إيجاد الحلول والأفكار التي تضمن عدم تكرارها، وليس التوقف عندها واستدعاءها في كل عام لإثارة المزيد من الخلافات وصناعة المزيد من الأحقاد بين أبناء الأمة، وكأن الزمن والتاريخ البشري قد توقف عند ذلك الحدث.
والشاهد من ذلك أن ما حدث يوم عاشوراء من أحداث مأساوية وسلبية بين القيادات العربية والتي أدت إلى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه قد ترتب عليها إحداث حالة من الإنقسام والخلاف بين العرب بحكم أنهم كانوا قادة وخلفاء الأمة الاسلامية. وللأسف لم يتمكن العرب من تجاوز ذلك الحدث السلبي حتى اليوم، ولم يتمكنوا من ردم هوة ذلك الخلاف، وذلك بسبب التوظيف السياسي والعقائدي السلبي لذلك الحدث من أطراف خارجية معادية للعرب؛ وهو ما ساهم بشكل كبير في توسع هوة الخلاف، وقد ترتب على ذلك فقدان العرب لأهم عوامل قوتهم وفي مقدمتها وحدة الصف وواحدية.العقيدة، حيث قامت الأطراف غير العربية (التيار الفارسي الشيعي المتشدد) بتوظيف ذلك الموقف توظيفاً سياسياً وعقائدياً. ففي الجانب السياسي تمكن هذا التيار من إحداث حالة من الانقسام والصراع والخلاف داخل المعسكر العربي. وفي الجانب العقائدي تمكن من تقسيم الإسلام إلى مذاهب وطوائف وفرق مختلفة ومتباينة ومتنافرة. كل ذلك تحت شعار (يا لثارات الحسين). ولن أبالغ إذا قلت بأنه لم يتم في التاريخ البشري توظيف واستغلال سياسي وعقائدي لحادثة قتل كما حصل في حادثة استشهاد الإمام الحسين. وللأسف لا يزال ذلك التوظيف السلبي ساري المفعول حتى اليوم رغم مرور أكثر من 1400 سنة على وقوع ذلك الحدث.
كل تلك المكاسب السياسية والقيادية والعسكرية التي حققها التيار الفارسي الشيعي المتشدد  من توظيفه السياسي والعقائدي السلبي لذلك الحدث المأساوي، هو ما يجعل أنصاره يداومون هم ومن انساق خلفهم من العرب على تضخيم ذلك الحدث تحت شعار مظلومية آل البيت؛ وهو ما يجعلهم يستمرون في استدعاء تلك المظلومية سنوياً. فبتلك المظلومية استطاعوا أن يجعلوا المسلم عدواً لأخيه المسلم، وبتلك المظلومية أضعفوا شوكة العرب ومزقوا صفهم، وبتلك المظلومية فرقوا المسلمين مذاهب وشيعا وطوائف يكره بعضها بعضا ويعادي بعصها بعضاً، وبتلك المظلوميه تسيدوا وهيمنوا وأذاقوا العرب كل صنوف الويل والعذاب، وبتلك المظلومية سفكوا دماء العرب وأعملوا السيف في رقابهم وانتقموا منهم شر انتقام. لذلك لن أبالغ إذا قلت بأن يوم حادثة استشهاد الامام الحسين هو بالنسبة للتيار الفارسي الشيعي المتشدد يوم عيد، فما حدث فيه من حالة انشقاق وانقسام وخلاف داخل المعسكر العربي قد سهل عليهم الكثير من المهام وحقق لهم الكثير من الطموحات. فلم يكن هناك من سبيل أمامهم سوى العمل على توقيف التاريخ العربي والاسلامي عند تلك الحادثة المأساوية.
وللأسف الشديد ورغم كل الشواهد التاريخية والسياسية والعقائدية التي تؤكد توظيف التيار الفارسي الشيعي المتشدد ليوم عاشوراء توظيفاً سياسياً وعقائدياً سلبياً، إلا أن العديد من العرب والمسلمين لا يزالون ينساقون خلف هذا التيار بدافع العاطفة أو المصلحة أو الجهل أو التعصب، غير مدركين أنهم مجرد وقود يستخدمهم هذا التيار  لإذكاء نار الخلاف والصراع داخل البيت العربي والاسلامي، فما هي الفائدة المرجوه من الإحياء السنوي لهكذا حدث تاريخي مأساوي، وماذا يعود على الاسلام والعرب من هكذا ممارسات. وهل إحياء هذه الذكرى يساهم في توحيد ولم شمل الصف العربي الاسلامي أم يساهم في صناعة المزيد من الفرقة والشتات ، وهل يساهم في ردم هوة الخلاف بينهم أم يزيد في تعميقها وتوسيعها؟ نعم. هي ذكرى مؤلمة، لكن ليس من حق أي طرف أن يستغلها ويوظفها توظيفاً سياسياً وعقائدياً سلبياً، وليس من حق أي جهة كانت أن تستغلها لتأجيج نار الخلاف والعداوة بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة، فكم هم العرب والمسلمين في حاجة اليوم لكل ما يساهم في توحيد صفهم وتجاوز خلافاتهم ولم شملهم، وليس العكس.