الزعيم الذي نهض بأحلام الوطن

03:34 2022/07/16

17 يوليو 1978، ليس حدثا عابرا في تاريخ اليمن الحديث، وإنما هو بمثابة انبلاج فجر وعهد جديد، وانطلاق بلد نحو ذرى المجد بعد سنين من ضعف الاستقرار السياسي في قمة الحكم، وعجز النخب التي حكمت عن إنتاج رؤية حقيقية للبلاد تفضي إلى بناء ركائز الدولة الحديثة، وتجسيد رؤية قائد وزعيم كبير بحجم الرئيس الصالح الذي أحب اليمن بإرادة لا تلين أمام الصعاب، حتى أنجز مشروعه الوطني والتحديثي بعد عقود من الخوف والضياع والتشظي.  
 
في يوليو، كانت اليمن على موعد مع التاريخ الذي نسج خيوط فجرها البهي زعيم مسكون بهموم وطنه يمتلئ بالثقة والإيمان بقدرات رجال ونساء اليمن في رؤية قطار بلدهم يسير على سكة البناء والعمران، في التعليم والصحة وتأمين حياة الفرد ومعاشه وكرامته. 
 
إذا أردت ان تصف عهد الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح بكلمات بسيطة، فهو عقود من الشموخ والكرامة والأمل. من كان في عهده الميمون يتخيل أن يستقيظ صباحا أول الشهر ولا يحصل على راتبه ويذهب ابنه للمدرسة ماشيا مطمئنا على مستقبله؟!
 
من كان يظن بأن سنوات علي صالح ستنقضي يوما ويرى هذا الظلام الدامس وغياب الحياة كليا، وسط شعارات قادمة من دياجير الظلام وظلام الجهل والتخلف؟! 
 
صحيح، لم نكن نعيش في بحبوحة، ولكننا كنا نحيا الاكتفاء والقدرة على التصور والنجاح في ملفات التنمية.  كانت اليمن في حكمه بلدا مهابا ودولة فاعلة في الإقليم والمنطقة. في كل محافظة جامعة أو كليات تعمل وفق مناهج التعليم والتفكير العلمي الحر. تخرج شباب قادرون على العمل والإنتاج، لا يخرج منها قناديل وأموات في محارق ومهالك الحوثي وجماعته السلالية والمناطقية.
 
في يوليو، اشترك كل أبناء اليمن في حكم بلدهم ورسم خطوط رؤيته وطموحاته. في يوليو، انطلق الأمل بالعمل على إعادة وحدة اليمن وعزه  ولحمته. في يوليو، كان الشعب يقطف ثمار التنمية، والموارد تنفق على التعليم والصحة والطرقات وتاهيل كوادر الدولة، وتمكين المواطن من وظيفة أو فرصة عمل. 
 
لقد أضاع الذين انقلبوا وغدروا وخانوا العهد الفرص التي وفرها علي عبدالله صالح في حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة، فعبثوا بمقدرات الوطن.  
خلال عهد الرئيس الصالح، تمكن هذا الزعيم الكبير من نزع صواعق الخلاف  مع خصومه، وقرب الجميع إلى مركز صنع القرار بدون سلالية او عرقية أو مناطقية.  
ماذا كان ينقص اليمن من ضروريات الحياة لكي نفرط بعصر من أبهى عصور اليمن؟!
 
سلام على أعوام العز والبهاء والسلام التي كنت فيها قائدا وشاهدا على بروز أجيال من شباب وشابات الوطن، علت همتهم لتعانق سنا المجد في وطن كنا نفخر به ونفاخر العالم بأننا ننتمي لوطن لا يقبل بكبريائه وطموحه إلا أن يعانق الشهب. 
 
يوم قرر المقدم علي عبد الله صالح، في ١٧ يوليو عام ١٩٧٨، أن يتسنم مهام القيادة، ظن كثير بأنه لن يكون سوى رقم في عدد الرؤساء الذين اغتيلوا أو هجروا أو نفوا عن اليمن. ولكن إرادة وعزيمة الرجل ورؤيته وطموحه في بناء بلاد مستقرة وآمنة، كانت أكبر من تصورات الآخرين.
علي عبدالله صالح.. نفتقدك ونفتقد أيامك أيها الكبير الذي تساميت عن الأحقاد والصغائر، وكيف لا تكون كذلك؟! ألم يقل عنترة العبسي: (لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب)؟ 
نعم، كنت كريما وباذخا في الطيبة والتسامح ومحبة شعبك الذي لن ينسى ابدا فجر يوليو، فجر الكرامة والمنجزات العظيمة. 
 
نعم، تحققت في عهدك عديد المنجزات الكبيرة، وفي مقدمتها إعادة تحقيق الوحدة الوطنية، والاستقلال في القرار السياسي اليمني، وبناء جيش وطني قوي، وانتهاج الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وإفساح المجال لنشاط منظمات المجتمع المدني. وجميعها مبادئ وقيم الحكم الرشيد والاهتمام بحقوق الإنسان. 
 
كما شهد عهد الرئيس الصالح عديد المنجزات، أبرزها إجراء إصلاحات إدارية ومؤسسية، والتحول نحو اللامركزية الإدارية بتوسيع صلاحيات السلطة المحلية. 
وفي مجال التنمية، آلاف المشاريع الخدمية واستخراج الموارد النفطية والغازية وتنويع مصادر الطاقة والدخل القومي للدولة. وبذلت جهود كبيرة لتهيئة المناخات المناسبة للاستثمار. 
كان عهده قائما على الشراكة مع القوى الوطنية واعتماد نهج الحوار والتوافق الوطني للتغلب على التحديات.
 
هذه كلها كانت ثمار وحصاد رؤيتك وثورتك وعزيمتك وشجاعتك؛ فماذا جلب لنا الذين تسلقوا الجدار خلسة سوى تدمير كل شيء وتحطيم بلد كان يتقدم ويتطور رغم الصعاب والتحديات؟!
 
فيما يخص العلاقات الدولية، كان اليمن قد قطع أشواطا كبيرة في الدبلوماسية، ونسج اتصالات مبهرة على مستوى القنوات الحكومية وعلى مستوى الحزب الحاكم آنذاك.
وعلى ضوء ذلك، يمكن استرجاع الزيارات التي كان يقوم بها الرئيس الصالح، والثمار التي جنتها اليمن وجعلت منها واحدة من أبرز الدول الفاعلة في السياسات الدولية والمؤتمرات ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للقارات، وغيرها من الاتفاقيات المشتركة واتخاذ القرارات.
فيما يخص القضايا العربية والهم العربي الواحد، كانت القضية الفلسطينية والوحدة العربية أولويتين أخذتا مكانهما من الاهتمام القائم على المصداقية والضرورة.
 
لقد فقدنا كثيرا من البريق الذي كان قد صُنع في هذا البلد؛ حيث تراجعت الثوابت والقيم وتصدر المشهد أصحاب المشاريع الصغيرة والحسابات الضيقة التي اججت مشهد الصراع الذي أوصل البلد إلى حافة الهاوية.
اليوم، وبعد أكثر من عقد من الزمن، تم تدمير البنية التحتية، لتصل إلى نقطة مخيفة، بل مرعبة على كافة المستويات. وأصبح أغلب اليمنيين تحت خط الفقر يعيشون الفاقة والجوع و الحاجه، بينما
عدد ضئيل يتمتعون بالثروة والسلطة، في ظل قمع واستبداد وانعدام الأمن والاستقرار. وبات السلام هو جل ما يتمناه وبنشده اليمنيون في ظل وطن جريح يفتقد إلى الحرية والكرامة والسيادة. 
 
ذكرى يوليو مثل الضياء الذي أنار العتمة، كان يوليو مثل ابتسام الوليد، حمل لليمن طموحا وهمة ومنجزا لا يستطيع أحد محوها من سجل التاريخ المجيد لليمن.
الرحمة والخلود للقائد العظيم الرئيس الشهيد المناظل الزعيم/ علي عبدالله صالح وكافة شهداء الذين ضحوا بأرواحهم الزكية من اجل وطنهم و شعبهم ونظامهم الجمهوري