الفكر الاستبدادي والمعاناة البشرية

07:55 2022/06/19

كان ومازال وسيظل الفكر الاستبدادي البشري هو المصدر الرئيسي والأول لكل ما عانته سابقاٌ وتعانيه حاضراٌ وستعانيه مستقبلاٌ البشرية، من الظلم والقمع والبطش والتنكيل والاستعباد والحروب والصراعات والدمار والخراب والعنف والاضطهاد والعذاب، لأن هذا الفكر هو عبارة عن نزعة شيطانية تحمل في طياتها كل صور السلبية والعدوانية والأنانية والتكبر والغرور والقسوة. 
وهذا الفكر قديم قدم ظهور الإنسان الأول على الأرض، فما لبث أبو البشرية آدم عليه السلام إلا فترة يسيرة بعد أن استقر به المقام على الأرض، حتى بدات بذور هذا الفكر تتبلور وتظهر في أحد أبنائه، والذي لم يتردد في ممارسة فكره الاستبدادي على أخيه، ليصل به الحال إلى قتله، لترسم تلك الجريمة المروعة ملامح تاريخ بشري مأساوي وكارثي ، نتيجة هيمنة ذلك الفكر السلبي والعدواني على أغلب صفحاته وتفاصيله.
 
ومع مرور الأيام ونتيجةً لتوسع المجتمعات البشرية، ظهرت الحاجة لوجود سلطة تقوم بتوفير الأمن والحماية لها، وتقوم بوضع قوانين تنظم حياة أفرادها وتمنع كل الصور الاستبداد الفردي. ولكن ما لبث أن ظهر الفكر الاستبدادي السياسي عند القائمين على تلك السلطة، ليمارسوا العديد من صور الاستبداد السياسي ضد المواطنين، وليمنحوا أنفسهم الكثير من الامتيازات والسلطات التي تخولهم لقمع وإخضاع كل أفراد المجتمع. وبدلاً من أن تكون السلطة وسيله لضبط الاستبداد والظلم بين أفراد المجتمع، تحولت إلى سلطات تمارس القمع والاستبداد والظلم والبطش ضد كل من يعارض أو ينازع قادتها، وليتحول الاستبداد الفردي إلى استبداد سياسي جماعي مدعوم بالسلطة والقوة، لتعيش البشرية مراحل تاريخية أكثر استبدادية تتجرع فيها كل صور المعاناة والمآسي والقمع والاستبداد، نتيجة هيمنة الفكر الاستبدادي على حكامها. 
ومع مرور الأيام، تطور هذا الفكر وتطورت وسائله وألياته وأساليبه، وتعاظمت أطماع الحكام نحو الهيمنة والتوسع على حساب الدول الأخرى ، ليصبح استبدادا عابرا للحدود، ولتبدأ فصول مراحل تاريخية أكثر عدوانية ودموية، ليتسع نطاق ومجال المعاناة البشرية نتيجة الممارسات الاستبدادية والعدوانية التي كان يمارسها المنتصر ضد المهزوم، وليمنح نفسه الخق في استعباد الرجال وسبي النساء ونهب الأموال كغنائم حرب. وقد وصل هذا الفكر ذروته عندما فكر بعض القادة والحكام في السيطرة على العالم مدفوعاً بما يمتلكه من قوة وثروة، وهو ما أوصل البشرية لخوض حروب عالمية كانت كلفتها البشرية والمادية باهضة جداً، لتصل المعاناة البشرية إلى ذروتها ولتصل الخسائر البشرية إلى أرقام فلكية، وهو ما دفع البشرية إلى إنشاء منظمة عالمية هدفها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وحل الخلافات والنزاعات بين الدول بالطرق السلمية ومحاربة الاستبداد السياسي العابر للحدود.
ورغم المساعي الملموسة في هذا الجانب، إلا أن الفكر الاستبدادي كان وما يزال يعمل على إعاقة عملها وإفشاله. فقد دفع بالمنتصرين في الحرب العالمية الثانية إلى منح أنفسهم حق النقض الفيتو، ليمارسوا بذلك الحق كل صور الاستبداد ضد الدول الأخرى بما يتوافق مع مصالحهم وأطماعهم، وليقوضوا به الكثير من الآمال التي كانت معقودة على هذه المنظمة.
والفكر الاستبدادي ليس مقصورا على السلطات والدول، بل إن له حضورا قويا على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي. فالفرد الذي يمتلك فائضاً من القوة أو المال أو الجاه أو النفوذ لا يتردد في استغلاله لممارسة الاستبداد ضد الآخرين. فكم من الظلم والتظالم بين أفراد الأسرة الواحدة وبين أفراد المجتمع الواحد، وذلك نتيجة الفكر الاستبدادي الذي يسيطر على البعض منهم. بل إن البعض لا يحلو له العيش إلا إذا مارس الاستبداد والظلم والقمع ضد الأخرين، والبعض الآخر لا يطيب له العيش إلا إذا كانت الحياة عبارة عن معركة محتدمة وصراع متواصل مع الآخرين. بل إن البعض لا يتوقف عن صناعة المشاكل والصراعات مع الآخرين، وذلك نتيجة سيطرة الفكر الاستبدادي على أفكاره وتصرفاته. وكذلك الحال بالنسبة لبعض القائمين على السلطة في الدول، تراهم لا يتوقفون عن صناعة الخلافات مع الدول الأخرى، ولا يتوقفون عن إثارة الحروب والصراعات بين جماعاتها وأحزابها، ولا يترددون في دعمها وتغذيتها لتستمر أطول فترة ممكنة. كما أن هذا الفكر يدفع بالعديد منهم إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى بهدف السيطرة والهيمنة على قرارها واستبداد شعوبها. وما يحدث في الوطن العربي عموماٌ واليمن خصوصاً من تدخلات خارجية سلبية أنمودج.
 ونتيجة ذلك الفكر لن تتوقف معاناة ومآسي البشرية للأسف الشديد، وكل ما نستطيع قوله: حسبنا الله ونعم الوكيل.