ذكرى وحدث .. يرويها الطالب سنة أولى كلية حربية

10:02 2022/05/21

في يوم الثلاثاء 22 مايو 1990،
كأي يوم من أيام الكلية تم تنفيذ البرنامج اليومي المعتاد من نوبة  الصحيان في الوقت المحدد والصلاة ثم تنفيذ الحصة الرياضية وطابور الجمع الصباحي وتناول وجبة الصبوح 
ثم توجهنا الى قاعة المحاضرات، واستمرينا في الدراسة حتى الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم أي قبل الانتهاء المعتاد بساعة؛ حيث فوجئنا وعلى غير عادة بجرس الجمع الإجباري والضروري مع النداء في إذاعة الكلية بإخلاء قاعات المحاضرات والتوجه إلى الميدان بالخطوة السريعة.
نفذنا الأوامر وجمعنا الطابور، ونحن نحمل ملازم الدراسة في أيدينا 
ونحن في دهشة ولا نعلم ما الذي يحصل.
بعد أن جمعنا الطابور، أُعطيت لنا التوجيهات بالذهاب الى العنابر لطرح ما بأيدينا من ملازم دراسية وارتداء بدلات العرض الرسمية مع التشريفات التابعة لها، من الكارديونات والباجات والعوده إلى الميدان.
وكانت التوجيهات أن يتم ذلك في أقصر وقت. اندهشنا وتساءلنا ما الذي يحصل. فلو كان الغرض منحنا إجازة مفاجئة لتم الامر بلبس ملابس الإجازة وليس ملابس العرض والتشريفات.
نفذنا الأوامر بسرعة، ولا نعلم ما الذي يجري. وجمعنا إلى أماكن الاستعداد للجمع، ونحن نهمس لبعضنا البعض. وكل منا يأمل أن يجد تفسيرا لما يجري من أي زميل له.
وفوجئنا بوجود الموسيقى قد جمعت أرض الطابور ونافخ البورزان يتوشح بورزانه، وشرع بأطلاق الصوت الآمر لنا بالدخول إلى ميدان الجمع الرئيسي.
دخلنا إلى ميدان الجمع، واعتلى مدير الكلية الحربية، سارية العلم. وقال لنا بصوت عال ومتحشرج: اليوم تحقق حلم اليمنيين الذي طال انتظاره وتم اعلان الوحدة اليمنية من عدن الحبيبة.
وقبل قليل تم رفع علمها بالقصر الجمهوري في عدن. وها قد جمعناكم الآن من أجل تبديل العلم السابق بالعلم الجمهوري الوحدوي الجديد.
صعقنا جميعاً من هول ما سمعنا، لأنه لم يكن لدينا خبر مسبق بذلك، ولكننا وجدنا تفسيرا لما كان يدور في أذهاننا من تساؤل.
حينها، بدأت مراسيم رفع العلم؛ حيث اصطف ثلة من الزملاء من السنة النهائية، وتم تدريبهم في نفس الوقت على غرار تسليم وتسلم العلم من الدفعة المتخرجة للدفعة المتقدمة،
وبكل جدارة واقتدار. ونفدوا التعليمات بكل حرفية وبإتقان منقطع النظير،
ثم قام كبير المعلمين بإنزال العلم القديم، والبورزان يعزف عزف نزول العلم المعتاد كما يعزف أثناء طابور الهتاف، وقام بنزع العلم وتعطيفه وتقبيله وتسليمه إلى مدير الكلية الحربية
والذي قام بتسليمه إلى أحد الضباط المتواجدبن بجانب سارية العلم.
 ثم بدأت مراسيم رفع العلم الجمهوري الوحدوي الجديد؛ حيث تقدم حامل العلم والموسيقى تعزف عزف الخطوات الإحدى عشر البطيئة والمليئة بالشجن، إلى أن وصل إلى أمام سارية العلم، حيث قام مدير الكلية باستلام العلم الجديد وتقبيله وتسليمه لكبير معلمين الكلية، والذي أخذه وقبله، ولم يتمالك نفسه وذرفت عيناه بالدمع أمامنا جميعاً. ثم قام بفتح العلم وربطه في الحبل إيذاناً برفعه، فعزف عازف البورزان عزف طلوع العلم والثبات مع الصمت والذهول يخيم علينا، وأعيننا تذرف الدموع وهي تشاهد ذلك المنظر 
وأرواحنا مشرئبة ورؤوسنا مرتفعة وترتفع أكثر مع طلوع العلم، حتى وصل إلى مكانه.
بعد ذلك عزفت الموسيقى العسكرية النشيد الوطني الجديد 
رددي ايتها الدنيا نشيدي 
حتى اكتمل العزف. 
بعدها نادى علينا كبير معلمين
 الكلية الحربية بنداء تحية العلم، وقال لأول مرة: تحيا الجمهورية اليمنية، فرددنا بعده ثلاث مرات: تحيا الجمهورية اليمنية، ونحن نتلعثم بها.
لأننا كنا متعودين على النداء القديم 
"تحيا الجمهورية العربية اليمنية".
ما إن فرغنا من المراسيم إذا بنا وبغير شعور، كل منا يعانق زميله الذي بجانبه ونحن نردد لبعضنا البعض: تحيا الجمهورية اليمنية.
ولم يكن حينها قد أعطي لنا الحرية بالتحرك أو الانصراف.
وقتها لم يتمالك نفسه قائد الطابور من هول ما رآه، وحتى إنه لم يستطيع حينها أن يعطينا أمر الانصراف المعتاد بعد كل طابور لأن عينيه كانتا تذرفان الدموع وأدار وجهه حرجاً لكي لا نراه وانصرف. وتركنا لنكمل تهانينا لبعضنا البعض في وسط الميدان في مشهد مهول. وانتهى ذلك المشهد في ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت.