Image

فئة ترفل في نعيم الثروة وأخرى تطحنها الأسعار "ملابس العيد" تغتال فرحة الأطفال وتقهر الكبار

فرحة العيد تتجسد بفرحة الأطفال وإدخال البهجة إلى نوفسهم بشراء الملابس والالعاب والهدايا، والعيدية.
لكن هل بات شيء من ذلك موجودا في ظل ما نعيشه من أوضاع؟ الإجابة تأتي من حجم المعاناة التي يعيشها المواطن اليمني سواء في المدن المحررة أو التي تقع تحت سيطرة المليشيات الحوثية؛ حيث تواصل أسعار السلع وتدهور سعر العملة وتوقف صرف الرواتب وتوقف الحياة العملية فتكها بالأهالي والأسر، خاصة محدودي الدخل.
ترتبط فرحة العيد ومعاني العيد لدى الأطفال بالعديد من الطقوس والتجهيزات، لاسيما شراء الملابس، التي تعتبر أول مظاهر العيد بالنسبة لهم، فضلا عن الألعاب وزيارة الأهل والحدائق والملاهي والتنزه. 
اليوم، يخاف رب الأسرة من "الحديث" امام أطفاله عن ذلك، بسبب عدم قدرته على توفير بسط ما يتمناه طفله بالحصول على الملابس البسيطة،  ليكونوا في أبهى حلة بهذا اليوم المنتظر.
 
زحمة تسوق وقلة شراء 
من خلال التجول في أسواق عدة بالعاصمة المؤقتة عدن، لاحظنا الزحمة التي تشهدها مناطق تواجد محلات الملابس، من قبل المتسوقين منذ بداية العشر الأواخر من رمضان، ولاحظنا عزوفهم وعدم قدرتهم على الشراء للملابس خاصة ملابس الاطفال، نتيجة ارتفاع أسعارها بشكل لا يمكن وصفه أو تصديقه، مع غياب أي معالجة أو رقابة من قبل الجهات الرسمية.
تردي الأوضاع المعيشية والغلاء الفاحش وتأثيرات الفساد المستشري في أروقة الفصائل الحاكمة منذ سنوات، انعكس بشكل كبير خلال العامين الماضيين، على وضع الأهالي والسكان في المناطق المحررة أكثر منها في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، رغم جعجعة التصريحات واللقاءات التي تتحدث عن وضع حلول للقضايا التي تمس المعيشة اليومية لحياة البشر.
أصبح الأهل، وعلى رأسهم رب الأسرة، غير قادرين على رسم البسمة على شفاه أطفالهم في مثل هكذا مناسبات. حسرة يعيشها الأهالي والعائلات التي فقدت القدرة على توفير متطلبات الحياة، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت بها عناصر وفئات وجماعات مسلحة، وقلبت حياة الناس رأسا على عقب، وتربعت على عرش الثروة والسلطة والفساد.
باختصار، مظاهر فرحة عيد الفطر هذا العام ستغيب عن العديد من المنازل والأسر، كما غابت فرحة الشهر الفضيل، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وحاليا الملابس ومتطلبات العيد.
 
أرقام عيدة 
وفي جولة بسيطة في شوارع ومحلات الملابس في مدينة كريتر بالعاصمة المؤقتة عدن، سجلنا بعض المشاهد العيدية البائسة، نتيجة أسعار الملابس المعروضة والتي تعود معظمها لسنوات ماضية، لكن سعرها يتناسب مع الزمان الحالي.
إذا كان لديك خمسة اطفال، فإنك تحتاج إلى 600 ألف ريال لتوفير أبسط متطلبات العيد من ملابس وأحذية فقط، هذا ما قاله احد المتسوقين، مضيفا: من اين تستطيع توفير هذا المبلغ إذا كنت موظفا وراتبك لا يتجاوز 80 ألف ريال؟ ما عليك إلا أن تنحرف عن المسار وتبحث عن مصادر دخل غير مشروعة، أو تكون سارقا أو مسؤولا أو زعيم ميليشيات. كلمات موجعة؛ لكنه الواقع المعاش!
احد المتسوقين قال: "قيمة شميز غير ماركة، ومعوز لشخص واحد فقط، قيمتهما تتراوح ما بين 70 إلى 100 ألف ريال، أما ملابس الأطفال خاصة الفتيات فلا تصدق، فستان طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات بمبلغ 40 ألف ريال".
وبسؤالنا لأحد باعة الملابس في احد المحلات بكريتر عن سعر بنطلون جينز لطفل يبلغ من العمر 12 عاما، نوعية متوسطة، أجاب بـ 24 ألفا، والجرم "تي شيرت"، بـ 17 ألفا. وبحسبة بسيطة: في حال لديك خمسة أطفال تحتاج إلى مبلغ 600 الف ريال لتوفير بدلة عيد واحدة مع الأحذية والملابس الداخلية.
 
الواقع يغيب
ما يحدث في الواقع المعاش في المناطق المحررة والذي يكابده ويتكبده المواطن البسيط، يغيب تماما عن المسؤولين أو المفترض يهم أن يكونوا مسؤولين عن هؤلاء المقهورين والمغبونين وغير القادرين على النظر إلى اعين اطفالهم في مثل هكذا أيام.
وفي هذا الخصوص، يبرر التجار بأن ارتفاع الأسعار جاء كنتيجة طبيعية لانهيار العملة المحلية امام العملات الأجنبية، وعدم وجود معالجات من قبل الجهات المختصة التي اكتفت بتصوير والتصريحات واللقاءات دون فرض حلول على أرض الواقع بالنسبة للتاجر او المستهلك.
"كلام واقعي"؛ فغياب الجهات المعنية في مراقبة الاسعار وتحديدها ومعاقبة من يخالفها، مع توفير العملة الصعبة للتجار بأسعار كي يتمكنوا من استيراد السلع والملابس وبيعها بأسعار مناسبة للمستهلك، تغيب تماما، فانعكس ذلك على السوق كما هو حاصل اليوم.
حال الكثير من سكان عدن الجملة ازداد سوءًا نتيجة الارتفاع الجنوني لأسعار الملابس بالمعارض والأسواق، وحتى لدى باعة الارصفة، إذ تشهد ارتفاعًا مستمرًا قد يكون على مدار الساعة، مع اقترب العيد.
 
الملاهي والمتنزهات 
إذا حاول المواطن الهروب من أزمة اسعار المبلاس مع أطفاله وأسرته نحو الملاهي والمتنزهات، سينصدم أيضا بحاجز وعقبة الأسعار، فقيمة تذكرة واحدة في ملاهي فان سيتي بعدن هذه الليالي التي تسبق العيد تصل إلى 1000 ريال، فيما قيمة تذكرة العاب مثل السيارات تصل إلى 2500 في الجولة الواحدة.
أما أيام العيد فترتفع تلك الارقام إلى الضعف تماما. وبحسبة بسيطة: إذا كان لديك خمسة إطفال تحتاج إلى 100 الف ريال باليوم الوحد كي يحصلوا على لعبة واحدة لكل واحد من ألعاب الحديقة، لكن الرواتب متوقفة ولم تصرف بمواعيدها وان صرفت لا تكفي!
 
في الأخير، يبدو أن المواطن المسكين سيظل يكابد ويعاني في سبيل توفير أقل المتطلبات مع كل مناسبة دينية أو عيدية، لتحقيق ابسط الاماني والاحلام لدى أطفاله وأسرته، لكن عبارة "العيد عيد العافية" ستسيطر على المشهد هذا العام، كما حصل العام الماضي، فيما يتنعم أطفال المسؤولين وعائلاتهم في متنزهات شواطئ دول سياحية من الدرجة الأولى، الامر الذي يزيد من تنامي حجم الفرقة بين الطبقتين من "حقد وغبن وقهر"، خاصة إذا كان معظم من يتنعم بثروات البلاد لا يملكون من رصيد علمي أو سياسي أو نضالي شيئا، سوى أن لديهم القدرة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي!