فقه الكراهية

03:25 2022/04/10

الإسلام دين الحب والعشق والجمال وليس دين البغض والكراهية، وهذا هو ما علمنا إياه النبى الحبيب، الذى كان يتآلف مع كل الكون، فيرفق بالضعيف، ويكلم الطير، ويحادث جذع النخل، ويتحاور مع حجر أحد.

لم يعلمنا النبى الكراهية وعلمنا التواضع، حتى وهو فى زهوة انتصاره ودخوله فاتحاً، طأطأ رأسه وقال للسيدة: هونى عليك فإن أمى كانت تأكل القديد بمكة. وعلمنا احترام الآخر، حتى وهو بين أتباعه ممكّناً يصلى فى مسجده ويصلى بجواره نصارى نجران بصلاتهم.

لم يعلمنا النبى الكراهية وعلمنا العفو عند المقدرة، ففى اللحظة نفسها التى يقدر فيها على من جاء رافعاً السيف عليه يعفو ويصفح. وعلمنا ألا نفقد إنسانيتنا، وهو يدمع ويبكى على ابنه إبراهيم.

لم يعلمنا النبى الكراهية، بل علمنا كيف يحترم جاره الذى يؤذيه، بل الاحترام فى أقصى درجاته حين وقف لجنازة يهودى.

لم يعلمنا النبى الكراهية، بل علمنا الدعوة لعصمة الدماء، مهما كانت المغريات، حين قال إن ابنى هذا يعصم الله به طائفتين من المؤمنين. فمن أين جاء الإخوان بفقه الكراهية والبغض والشتيمة وأن الوطن حفنة تراب لا قيمة لها، والنبى يقول لولا أن قومى أخرجونى منك ما خرجت؟!.

من أين جاءوا بالشماتة والسخرية والاستهزاء والكذب والخيانة، والنبى حرّم الكذب وجعله من الكبائر، وحرم السخرية والفتنة.

من أين جاءوا بأن الجماعة خير من الوطن، وأن التعالى والاستعلاء ضرورة الدعوة، وأن مجتمع الإيمان هو الإخوان وأن الباقين هم أهل الجاهلية؟!.

من أين جاءوا بأنه لو تم تدمير الوطن خير لهم من بقائه وهم لا يحكمونه ولا يتسلطون عليه بحجة أنه ليس إسلامياً؟!.

إنهم جاءوا بذلك كله من فقه التوتر والكراهية وفتاوى التشنج، ثم أقحموا أنفسهم فى تفاصيل حياتنا، من مأكل ومشرب وملبس إلى قضايا المجتمع الكبرى، حتى إنهم أدخلونا فى هلع وضجيج وفوضى وتناحر وكله باسم الإسلام.

لقد خلطوا الأوراق واستأثروا بالمجتمع، بعيداً عن النظام العام لمفهوم الدولة، بهدف إعادة تشكيل مجتمعنا وفقاً لأجنداتهم، وكله أيضاً باسم الإسلام، ووفق فقه الكراهية.

لذا فمخطئ من يظن أن الإخوان يثورون لما يحدث فى الدولة من أجل الدولة، ويطالبون بحقوقها والمحافظة على أرضها لحبهم فيها، أو لرغبتهم فى وجود إصلاح اقتصادى وسياسى يعلو بطبقاتها الاجتماعية من الفقر إلى الرخاء، فعقيدتهم عبر الزمن أنهم يتوارون وينافقون، يتحالفون ثم يغدرون، يتفقون ثم لا يوفون، يقولون ودائماً يكذبون.

إن أخوة الفكرة عندهم مقدمة على أخوة الدم والوطن، وتبرير العنف جائز فى مبدأ «الغاية التى تبرر الوسيلة»، لذا فهم يكرهوننا ويؤججون نار الحقد والفتنة بيننا، ويلوثون قلوبنا ومسامعنا بنار غضبهم.

إنهم أصحاب فقه الكراهية، المتوترون الفاسدون المرضى بالانتقام وحب السلطة والنفوذ والمال باسم الإسلام، رغم أنه دين الحبّ، الذى يسعى لتحقيقه فى الحياة وبين الناس أجمعين.. حبّ الله، وحب الحق، وحبّ الخير، وحبّ الإنسان، فمن حبّ الله يبدأ الحبّ فى الإسلام، قال تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونى يُحْبِبْكُمُ الله»، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «والّذى نفسى بيده لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم» متفق عليه.

 

* نقلا عن "الوطن"