الجوع بصنعاء حقيقي
09:56 2022/03/20
لا أخرج من بيتي إلا نادرا وعند الضرورة القصوى، بسبب سوء الأحوال وتعطل الحياة وانقطاع المرتبات وتسليع الخدمات الضرورية، والمضاربة بالسلع الأساسية من قبل تجار الحروب.
بالأمس، أتى لي للبيت صديق عزيز، رجل أعمال، أصر أن يعزمني غداء بالمطعم. خرجت بعد الظهر، وجدت بالشارع القريب من بيتي جاري الأقرب، موظفا بمؤسسة المياه، وجها شاحبا أغبر اقترب مني متلعثما، وقال لي بحرج: والله يا قاضي أنني وأسرتي بدون صبوح للآن، ما بش معنا بالبيت ما نأكل!
لم يكن في جيبي حتى فلس واحد أواسيه. قلت له: والله ما معي ريال ادي لك! خيرة الله!
ومشيت، اتصلت للبيت، قلت لهم: خرجوا لهم غداء من غدانا الحاصل. بعدها بقليل وجدت على الرصيف أحد الجيران المفقرين مستلقيا أشعث أغبر. شكا لي من سوء الحال، وأنه جائع ومريض لا يمتلك قيمة العلاج لزوجته، وكان منتظر أواسيه بشيء، فاعتذرت له.
مشيت للشارع الرئيسي، ركبت مع صديقي فوق سيارته، وانطلقنا إلى المطعم الكبير الفاخر، دخلنا المطعم وهو مزدحم بشكل غير مألوف. قلت له: هل نحن بصنعاء؟ من يشاهد هذا المطعم المزدحم بالزبائن سيظن أننا بمدينة أخرى، سكانها ميسورو الحال مترفون! من أين لهولاء الناس المال بظروف الجدبة والقحط والحرب؟!
في صنعاء تعيش أمتان: أمة، وهي الأغلبية، جائعة معدمة لا تجد قوت يومها، وأمة أقلية تحتكر السلطة والثروة، تعيش بتخمة وبحبوحة وترف وبذخ فاحش.
تغدينا وغادرنا، دخلنا بوفية نشرب الشاي. صادفنا صديقا عزيزا يعمل مدرسا بسلك التربية والتعليم، طلب سندويشات وشايا. قلنا له: هل لازلت بدون غداء للان؟! قال: نعم. والله ما في بيتي ما أقتات أنا وأسرتي.
كان وجها شاحبا تعلوه غبرة الجوع. تمزقت نياط قلبي، وشعرت بتأنيب ضمير كيف أشبع بتخمة عزومة صديقي والناس جياع!
ولكني شعرت براحة ضمير لأن جيبي مفلس ولا يوجد لدي ما أدخره ببيتي، ولا أمنع عن السائل والمحروم شيئاً، أعيش بتقشف وأقتات الخبز الحافي مثل ملايين اليمنيين اليوم.
وبمثل هكذا أوضاع، بات الضغط يزداد وينذر بالانفجار. ثورة جياع ستندلع حتما.
نقلا من صفحة الكاتب بالفيس بوك