Image

المدارس الأهلية في حضرموت تجارة لن تبور!

عندما تدق الساعة السابعة من كل صباح، يتهيأ الطلاب للذهاب إلى مدارسهم، وتعج الطرقات والشوارع بالحافلات المدرسية التي لا تختلف عن غيرها من حافلات الأجرة العامة؛ فقط بوجود تلاميذ يلبسون ثياباً زاهية ملونة، وكل بحسب مدرسته، فهذا أحمر وذاك أخضر وآخر رمادي.
 
ريماس و ريتاج تلميذتان في إحدى المدارس الأهلية بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت جنوب اليمن، لا يتوفر في المنطقة التي تعيشان بها في الديس أية مدارس حكومية بالقرب من مسكنهما، مما اضطر والدتهما لإلحاقهما بمدرسة "أهلية" ذات رسوم عالية ولكنها لا تختلف عن المدارس الحكومية من حيث جودة التعليم أو المناهج. ما يميزها فقط هو أن الطالب يدفع ليدرس!
 
والدة ريماس وريتاج وغيرها الكثير من أولياء أمور الطلبة المنتسبين للمدارس الخاصة، تختلف نظرتهم من حيث تقييم العملية التعليمية في المدارس الخاصة، فالبعض يؤكد أن مدارس  أبنائهم تحظى بشعبية وقبول بين المواطنين نظراً لتقديمهم نموذجا مغايرا للعملية التربوية والتعليمية.
 
وبالرغم من ارتفاع رسوم الدراسة بالمدارس الأهلية، إلا إن هناك إقبالا متزايدا على المدارس الأهلية مما زاد من انتشارها في الرقعة الجغرافية لحضرموت واليمن بشكل عام، مع توقف التوسع في البنى التحتية للمدارس الحكومية التي تشهد في مجملها اكتظاظاً غير مسبوق بسبب تداعيات الحرب.
 
 
التعليم في اليمن
 
بلغ حجم  الإنفاق العام على التعليم من (89.6) مليار ريال في عام 2000 إلى (286) مليار ريال في عام 2010، بحسب المركز الوطني للمعلومات، واستهدف في الأساس إحداث نقلة نوعية لقطاع التعليم سواء من خلال التوسع في المنشآت التعليمية والتربوية أو تطوير وتحديث مناهج التعليم وإدارة العملية التعليمية ذاتها أو تعزيز القدرات التدريبية المهنية للمدرسين. 
 
إلا أنه عند مقارنة نسبة أهمية الإنفاق على التعليم من إجمالي الإنفاق العام، نجد إن نسبة الإنفاق على التعليم من إجمالي الإنفاق العام قد ارتفعت من (13.95%)  في العام 2005 إلى (14.09%) في العام 2010.
 
 ووصل عدد المدارس الأساسية  الحكومية والخاصة إلى (15,326) مدرسة في العام الدراسي 2009/2010  منها (3509) مدرسة مشتركة (أساسي + ثانوي). ووصل عدد المدرسين في المدارس الأساسية الحكومية والخاصة، وكذلك المدارس المشتركة (أساسي +ثانوي)  194673 مدرسا ومدرسة لنفس العام الدراسي 2009/2010.
 
 
المعاهد العليا والكليات النوعية الخاصة  
 
تبين الإحصائيات وجود (227) مركزاً ومعهداً نوعياً تابعاً للقطاع الخاص تم منحهمطا التراخيص من الوزارة؛ حيث تنامى القبول بالمعاهد الصحية وكلية المجتمع الأهلية من (733) طالباً، الإناث منهم (90) طالبة بواقع (11.6%) عام 2002/2003، ليصل إلى (1449) طالباً، الإناث منهم (243) مثلن نسبة (16.8%) عام 2003/2004. وهذه الزيادة في القبول عكست زيادة في الالتحاق ليرتفعوا من (1352) للجنسين، الإناث منهم (159) في العام 2002/2003، ليصلوا إلى (2493) طالباً منهم (427) من الإناث في العام 2003/2004.
أما معاهد وكليات العلوم الشرعية فقد شهدت تراجعاً في أعداد الملتحقين من (3884) طالباً وطالبة، منهم (542) من الإناث في العام 2002/2003 إلى(1256) طالباً وطالبةً، منهم (257) من الإناث في العام 2003/2004.
ولم يقدم المركز معلومات عن حجم الإنفاق والتوسع في التعليم بعد الأزمة اليمنية في 2011.
 
 
التعليم الأهلي في حضرموت
 
عمل موقع المنتصف على الحصول على إحصائية تجميعية للرياض والمدارس الأهلية في حضرموت  من مكتب التربية والتعليم بالمحافظة.
وبحسب الإحصائية، فإن عدد المدارس الأهلية في ساحل حضرموت بحسب المرحلة التعليمية هو (4) رياض أطفال و(39) تمهيدي و(62) أساسي و(22) ثانوي و(9) مشترك.
وتنص المادة (12) من قانون تنظيم مؤسسات التعليم الأهلية والخاصة رقم (11) لسنة 1999 على أنه يشترط لمنح ترخيص إنشاء مؤسسات تعليمية أهلية أو خاصة ما يلي: 
أولاً أن تتقدم الجهة الراغبة بالإنشاء بطلب إلى المنطقة/ المديرية التعليمية التي ستنشأ المؤسسة فيها.
 
ثانياً تقديم مشروع متكامل وشامل يوضح بشكل تفصيلي (دراسة الجدوى)
 
ثالثاً ألا يتعارض المشروع مع عقيدتنا الإسلامية والثوابت الوطنية والأسس العامة والخاصة المحددة في قانون التربية والتعليم والسياسة التعليمية للبلد.
 
رابعاً أن يتوافق نظامه التعليمي (المؤسسة التعليمية الأهلية والخاصة) مع النظام التعليمي الرسمي  إلا إذا اتضح ما يلي: 
 
أن المشروع يخدم أهدافاً تربوية من شأنها أن تساعد على تحسين دور التعليم أو التجديد في أساليب الإدارة المدرسية وتستخدم من الوسائل الطرق  التربوية ما يثري التجربة الوطنية في هذا المجال.
 
أن يترتب على خفض مدة الدراسة خفض كلفة التعليم دون الإضرار بالمستوى التعليمي العام أو مستوى التحصيل العلمي في المراحل المختلفة. ويشترط في هذه الحالة أن يخضع لفترة تجريبية تحددها الوزارة وتسمح لها بدراسة التجربة واستخلاص نتائجها وأن يتعهد مقدم الطلب بألا يتدنى مستوى الطلاب خلال كل سنة من المدة التجريبية عن المعدل لمستوى الطلاب في المدارس المناظرة لها.
أن تكون انعكاسات التجربة إيجابية على النظام التعليمي العام وتحسين كفاءته الداخلية بمعالجة أي جوانب فيها.
 
المدارس الأهلية في حضرموت 
 
نظراً للنمو السكاني المتزايد، واتساع حجم أنشطة المجتمع، تطورت اتجاهات العمل التنموي، فشهد قطاع التعليم اهتماماً كبيراً انطلاقاً من قاعدة أن التعليم هو أساس التطور والنهوض لأي مجتمع من المجتمعات.
 
تشكل المدارس الأهلية حالياً حجر الزاوية في تغطية ما لم يتمكن التعليم العام من تغطيته، ويقيمها الدكتور صالح عرم، وهو مدير سابق لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمحافظة، بالشكلية في بعض منها؛ حيث لا اهتمام بجوهر العملية التعليمية، بل هناك إرضاء لأولياء الأمور على حساب العملية التعليمية ذاتها.
 
يقول الدكتور: "بعد الوحدة عام 1990 شهدت محافظة حضرموت افتتاح اول مدرسة أهلية، ومن الشروط التعليمية الأكاديمية أن تكون المناهج الدراسية هي نفس المناهج الحكومية، وأن يكون المبنى المدرسي موافقا للشروط  الصحية والتربوية ومزاولة النشاط التربوي، أما بالنسبة للدوام المدرسي فقد أعطينا للمدارس الخاصة حرية إطالة مدة الدوام دون تقليصها وكذلك أعطي لهم حرية اختيار الزي المدرسي". 
 
ويشدد عرم على ضرورة وجود رقابة على المدارس الأهلية؛ حيث لا بد من وجود معايير للإنشاء حتى لا تبقى على الساحة التعليمية سوى المدارس ذات الجودة التعليمية والتربوية.
وعن "النمذجة" اللاحقة للمدارس الأهلية، يقول الدكتور صالح عرم: "إلحاق تسمية نموذجية بالمدارس الأهلية يفترض أن يقوم وفق أسس ومعايير".
 
وقد لا تتحقق "النموذجية" في التعليم الأهلي في ظل "تنافسية" أقل، فأعداد التلاميذ في المدارس الأهلية غالباً ما تكون أقل مقارنة بالمدارس الحكومية، وهو أحد الفروقات الجلية بين المدارس الأهلية والحكومية.
ولذلك، قد يأتي تلاميذ من مدارس حكومية أكثر تفوقاً من تلاميذ المدارس الأهلية، وهو ما يفتح باباً للتساؤل حول جدوى دفع رسوم عالية في مدارس أهلية لا تختلف مخرجاتها عن مخرجات التعليم الحكومي المجاني!
 
ويقول المسؤول المختص بالتعليم الخاص والأهلي في مكتب التربية والتعليم بمحافظة حضرموت، باضاوي، أن أبرز المخالفات لقوانين الإنشاء في المدارس الأهلية هي أن المباني جلها لا ينطبق عليه شروط المبنى المدرسي، فأغلب المدارس الأهلية تقوم باستئجار (عمائر) سكنية لا توجد بها أية مساحات وملاعب لممارسة الأنشطة الرياضية
وهي من العيوب التي يُغض الطرف عنها، بحسب باضاوي، إذ انهم يحق لهم استئجار العمائر السكنية كمبنى للدراسة بشرط أن يتضمن ساحة للطابور الصباحي.
 
يقول باضاوي معلقاً على موضوع المبنى المدرسي: "المستثمرون يريدون مساحات لبناء مدارس عليها بساحات للطابور وملاعب، ولكن الدولة غير قادرة على توفير تلك المساحات لهم. حتى المدارس الحكومية في مدينة المكلا خاصة، لا يوجد بها ملاعب سوى ثانوية ابن شهاب، وذلك لازدحام المكلا وضيقها، هناك مدارس أهلية محدودة وجدت مساحة واشترتها وبنت عليها مبنى مدرسيا، منها مدارس الفلاح ومدرسة حضرموت العالمية".
 
وعن الترخيص للمدارس يواصل المختص الحديث قائلاً: "لا يتم الترخيص لأي مدرسة أهلية حتى يخرج مختص (مهندس) للوقوف على المبنى وتحديد مدى صلاحيته".
وحينما سألنا المختص باضاوي عن الفرق بين المدارس الحكومية والمدارس الأهلية، فاجأنا بقوله ضاحكاً: " الفرق أن هذه -ويقصد الأهلية- تأخذ فلوس والحكومية ما تأخذ فلوس". وأردف قائلاً: "هي خففت العبء فقط علينا في المدارس الحكومية ، وإلا لا توجد أية امتيازات خاصة بالمدارس الأهلية أو بطلبتها تختلف عن المدارس الحكومية، بل إن هناك مدارس حكومية هي أفضل في مخرجاتها التعليمية من المدارس الأهلية".
 
وبعد اعترافه بأن التعليم الأهلي في حضرموت، بل ربما في اليمن كاملاً ينحو نحو التجارة والاستثمار، سألناه عن لاحقة (النموذجية) التي تطلقها بعض المدارس الأهلية على نفسها، فقال: "نحن نعيب على المدارس التي تستخدم كلمة (النموذجية) في تسميتها ونطلب منها شطبها، صفة مدارس ... (النموذجية)  أو (الحديثة) صفة تعطى من الوزارة، وليس كل من افتتح مدرسة أهلية أطلق على نفسه صفة النموذجية أو الحديثة. لا تحصل المدرسة الأهلية على هذا اللقب إلا بعد خروج لجنة تقييمية من وزارة التربية والتعليم".
وحول تساؤلنا عن سبب اتجاه الناس نحو التعليم الأهلي الأهلية على الرغم من عدم وجود أية فوارق في العملية التعليمية والتربوي، يقول ضاوي ان الازدحام هو السبب، ويردف مكملاً حديثه: "هو واحد من أهم أسباب تسجيل أولياء الأمور لأبنائهم في المدارس الأهلية، فالصف الذي يحتوي 15 طالباً أو 25 على أعلى تقدير ليس كالفصل الذي يحتوي 80 طالباً وهو المتاح في المدارس الحكومية، كما أنه في المدارس الأهلية يجد مقعداً لأنه يدفع نقوداً، والآخر يدرس مجانا. وين ما بغوا حطوه! بل إن المعلمين في الحكومة من ذوي الخبرة أفضل من معلمي المدارس الأهلية".
 
وفي دردشة مع إحدى المعلمات السابقات في إحدى المدارس الأهلية  تقول (أ. ع): "عملت في إحدى المدارس الأهلية قبل سنتين تقريباً وكانت المدرسة قد افتتحت حديثاً، وفي كل اجتماع كانت المشرفة على قسم البنات وهي زوجة لمدير المدرسة تحثنا على تسهيل الامتحانات للطلبة وتحديد الاختبار له وتسهيل كل العراقيل للطالب حتى يحرز الدرجة النهائية دون جهد منه يذكر". 
وتضيف قائلة: " طبعاً من حق الطالب.. بفلوسه!".
وهو الأمر الذي يضع تساؤلات حول جدية بعض المدارس الأهلية في الاهتمام بنتائج ومخرجات العملية التعليمية والتربوية في المدرسة ذات العلاقة دون التعامل مع التعليم كتجارة واستثمار!
 
وعن المناهج واشتراطها مناهج محددة، يقول باضاوي إن المناهج حسب رغبة المالك، ولكن لا بد من عرضها وتوضيح إفادة بذلك لمكتب التربية والتعليم لرفعها للوزارة حتى توافق عليها. ومثال على ذلك، مدارس حضرموت العالمية؛ حيث تعتمد منهجاً بريطانياً. لكنها ملزمة بتدريس 4 مواد من منهج الحكومة وهي القرآن والإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات. غير أن  أغلب المدارس هنا تدرس منهج الحكومة مضافاً إليه مادة اللغة الإنجليزية والكمبيوتر فقط".
وتظهر في المدارس الأهلية إشكالية أخرى؛ حيث إن الطلبة يتم تدريسهم اللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي إن لم يكن من التمهيدي أو الروضة، ثم عند وصوله الصف الأول المتوسط (سابع) يصطدم بواقع جديد وهو أن المدرسة تدرس منهج الحكومة وهو ما يعني أن يدرس منهج اللغة الانجليزية الخاص بالحكومة، والمنهج الحكومي يبدأ بتدريس اللغة الإنجليزية للطلبة في أول متوسط (سابع) مما يعني أن 6 سنوات من تعليم اللغة الإنجليزية لطالب المدرسة الأهلية تذهب هباء حيث يتم مساواته وتدريسه اللغة الإنجليزية في الصف السابع من الصفر!
 
 تتحدث المعلمة سعيدة بن غوث عن تجربة الـ14 عاماً في التدريس بالمدارس الأهلية بعد تقاعدها من عملها الحكومي واصفة المعلمين في تلك المدارس بالإلتزام وتأدية الحصص بإتقان.
وقالت إنه لا فرق بين المناهج في المدارس الأهلية وبين مناهج المدارس الحكومية، فقط بزيادة اللغة الإنجليزية ومادة الحاسوب.
وتصف بن غوث الطلبة المنتسبين للمدارس الأهلية بالـ"متفرعنين" والـ"ممنوع حد يكلمهم، لأنهم يدفعون نقوداً نظير تعلمهم في تلك المدارس!
وقالت: "كان المدير في كل اجتماع يقول: رغبوا ولا تنفروا"؛ في إشارة إلى عدم التشديد على الطلبة في العملية التعليمية والانضباط التربوي!
 
أما أروى بن الشيخ أبوبكر فتصف مدرسة أبنائها بالممتازة، فعلى الرغم من رسومها المرتفعة والتي تصل إلى 98000 ريال يمني للفرد الواحد وهي تدرس اثنين من أبنائها في تلك المدرسة، ولا تفرق كثيراً عن أي مدرسة حكومية في أية مزايا، سوى دفعها لمبلغ يقارب الـ200 ألف ريال يمني في السنة، إلا أنها تصرّ على أن في المدارس الأهلية اهتماما لا يتوفر في المدارس الحكومية والتي قد جربتها من قبل.