تأثير الحرب على التعليم ودور المنظمات في التوعية

12:15 2022/02/24

تؤكد أدبيات ودراسات وبحوث الإقتصاد على أن التعليم هو حجر الأساس وهو محور التنمية، وأن نجاح أي عملية تنموية وثقافية يعتمد في الأساس على نجاح النظام التعليمي في أي مجتمع.
والتعليم مفتاح التقدم وأداة النهضة ومصدر القوة في المجتمعات؛ فالنظام التعليمي -من مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز بحث- هو المحرك الإستراتيجي والمحوري والأساسي في عملية التنمية المستدامة.
وفي اليمن الحبيب، تسبب أولاً الصراع والأزمة السياسية في بداية العام 2011 والحرب القائمة بعد ذلك في تدهور المنظومة التعليمية.
من خلال هذه المقالة، والتي تعد ورقة، بحثية سنحاول الإجابة على التساؤل التالي:
ما مدى تأثير الحرب على العملية التعليمية في الجمهورية اليمنية؟
وللإجابة على هذا التساؤل سنوضح آثار الحرب المباشرة وغير المباشرة في العملية التعليمية بالجمهورية اليمنية.
 
أولاً: الآثار المباشرة
1- توقف العديد من المدارس: وهذا التوقف كان بسبب تحويل المدارس إلى ثكنات للمليشيات المسلحة، وتضرر العديد من المدارس بسبب القصف الجوي بشكل كامل أو جزئي، فيما بعض المدارس استخدمت كمساكن للنازحين. كما تعرضت مراكز تعليمية للنهب والمصادرة، بالإضافة إلى توقف مدارس من القيام بالعملية التعليمية بسبب وجودها في حدود التماس بين المقاومة الوطنية ومليشيا الحوثي.
تقدر مجموعة التعليم بأن 4.7 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات تعليمية، منهم 3.7 مليون طفل بحاجة ماسة للتعليم، وهذا العدد يشمل حوالي مليونيْ طفل خارج المدارس.
فضلاً عن إغلاق مراكز لمحو الأمية وتعليم الكبار، وتعرض المراكز التعليمية للنهب والمصادرة، وهو ما يقود إلى تقويض قطاع التعليم؛ حيث تؤكد البيانات أن ما يقدر بنحو 2500 مدرسة غير صالحة للاستخدام بسبب الحرب، منها 256 مدرسة دمرت تدميرا كلياً بسبب الغارات الجوية، و1520 مدرسة تعرضت لأضرار جزئية، و167 مدرسة تأوي النازحين داخلياً، و23 مدرسة لا تزال تحتلها المليشيات الحوثية. 
كما تم الإبلاغ عن أكثر من 762 اعتداء على مؤسسات تعليمية من قبل المليشيات، تم التحقق من 426 حالة.
 
2- توقف المرتبات: أدى توقف المرتبات إلى توقف بعض المعلمين عن التدريس، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي، ونزوحهم إلى الريف والبحث عن مصادر دخل أخرى يستطيعون من خلالها إعالة أسرهم.
منذ العام 2016، توقف صرف المرتبات للمعلمين وللكوادر التربوية، ما جعلهم يواجهون ظروفاً سيئة، نظراً للانعكاسات المالية والنفسية لعدم الحصول على الرواتب وغياب فرص العمل، وتدهور الحافز المعنوي للمعلميين. مما أثر على استقرار الأسرة. 
 
3- هجرة المعلمين والأكاديميين: بسبب ظروف الحرب وتوقف المرتبات، هاجر أغلبية المدرسين والأكاديمين ذوي الكفاءات العلمية والخبرات العالية إلى دول الخليج ودول أجنبية للعمل في الجامعات والمستشفيات والمراكز الطبية. 
 
4- الحالات النفسية والتي تسببت في مشاكل أسرية: أكثر من 200 مدرس ومعلم أصيبوا بحالات نفسية أثرت على أسرهم، وفاقمت من حالات طلاق بسبب الظروف المعيشية الصعبة وانقطاع المرتبات وعدم استطاعتهم مواجهة متطلبات الحياة المعيشية.
 
5- الإحلال الوظيفي: قامت مليشيا الحوثي في المحافظات التي تسيطر عليها بعملية استبدال معلمين موالين لهم من خارج البيت التربوي، الأمر الذي أدى إلى إضعاف العملية التعليمية.
 
6- تحويل بعض المدارس إلى وحدات إنتاج حشد طائفي لعقول طلاب اليمن ممن لازالوا في سن الطفولة، واستغلال قلة الرقابة الأسرية نتيجة البحث عن لقمة العيش  في ظل الوضع الراهن.
 
ثانياً: الآثار غير المباشرة
وهي الآثار الأكثر خطورة، والتي نسميها بالقنبلة الموقوتة، والتي ستؤثر على الطلاب في الحاضر والمستقبل، وهي عملية تغيير المناهج الدراسية في كل المراحل بدءاً من المرحلة الأساسية حتى الوصول إلى الجامعة.
لم تكتف مليشيا الحوثي بتدمير وتفجير مئات المدارس والزج بآلاف الأطفال في حروبها ضد الشعب اليمني وحرمانهم من التعليم، بل سعت لتسميم عقول أبنائنا الطلاب والطالبات وتفخيخ المناهج الدراسية بخرافاتهم الطائفية وفكرهم السلالي.
إن تغيير المناهج الدراسية خطوة في غاية الخطورة تهدد النسيج الاجتماعي ومسخه من هويته الوطنية والعربية، وبهذا تسعى المليشيا إلى تلويث عقول أبنائنا الطلاب بفيروس الطائفية والكراهية والأفكار المستوردة. بالإضافة إلى خلق جيل في المستقبل مشوه وعدائي يعتنق الفكر الطائفي والمذهبي، مؤمن بحق الولاية، وسيفتعل الكثير من المشاكل في المجتمع اليمني وسيحول اليمن إلى بؤرة صراع طائفي لا نهاية له، كما سيصل هذا التأثير إلى المحيط الإقليمي.
وبسبب الحروب وسيطرة مليشيات الحوثي على بعض المحافظات، قامت بتغيير المناهج الدراسية مستهدفة المراحل الأساسية الأولى والتغيير في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية.
تم تحريف وتزييف وتغيير أكثر من 386 موضعاً من مناهج الدراسة الابتدائية، وتركزت التغييرات على مناهج الصفوف الأساسية من الصف الأول إلى الصف السادس.
شملت التغييرات إضافة دروس أو حذف دروس في المنهج السابق، وأحياناً يكون التغيير في عنوان الدرس نفسه.
 
الهدف من هذه التغيرات
- تغيير ثقافة الطلاب اليمنيين من خلال تمرير مبادئ الثورة الخمينية، وهذا ما كان واضحاً من خلال التغييرات في مناهج مقررات اللغة العربية والتربية الاسلامية والتاريخ.
- تغيير ثقافي وديمغرافي يهدف في الأساس إلى تجهيل الشعب اليمني وانتزاعه من محيطه العربي.
- تشويه التاريخ اليمني والثورة اليمنية ضد الامامة في العام 1962، وطمس الحقائق التاريخية انتقاماً من ثورة 26 سبتمبر ومن الثوار.
- تغيير المسميات والمصطلحات الثقافية والتاريخية وغرس مناهج وثقافة بديلة يسمونها الثقافة القرآنية، وتزييف الحقائق التاريخية وتشويه تاريخ الأمة.
- تمزيق النسيج الإجتماعي من خلال الفرز الطائفي والتمييز بين الناس، سادة وعبيداً، وعدم تقبل الآخر، وتكريس مواضيع الحقد والتحريض والعداء بين عامة الناس.
- تغيير أفكار جيل جديد وحرف البيئة التعليمية باعتقادات خارج سياق التاريخ والعقيدة والهوية الوطنية السائدة على اليمن منذ عقود طويلة.
- تحريف المواضيع الدينية وتكريسها في اتجاه عقائدي وكره وعداء؛ وهو ما قد يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي بالنسبة للمجتمع على كافة المستويات.
 
دور المجتمع المدني
تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً في خدمة الشعوب، وتساهم في حل العديد من المشاكل وترفع مستوى الوعي لدى الكثير من فئات المجتمع على مختلف طوائفه.
إلا أن دورها الذي تقوم به خلال الحروب والصراعات يفوق في الأهمية والتأثير في مجالات مختلفة؛ حيث تعد منظمات المجتمع المدني سفينة النجاة، لاسيما عند غياب مؤسسات الدولة. ومما لا شك فيه أن المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية، تشكل قوة رئيسية في حماية التعليم وحقوق الأطفال والنساء والمشردين؛ حيث انعكست التأثيرات السلبية للحرب التي تمر بها اليمن بشكل كبير على كافة شرائح المجتمع، خاصة صغار السن والنساء، بحكم ما رافقها من تغيرات سيئة طالت البنية التعليمية والاجتماعية والتاريخية والثقافية والاقتصادية.
كما يجب وضع أطر عملية في الحد من الزيادة في الفاقد التعليمي التعلمي، وتقديمها للمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية لمواجهة تلك التأثيرات.
بالإضافة إلى عمل أبحاث وندوات وحلقات نقاشية حول حجم الفاقد التعليمي، وما سببته الحرب، ورصدها وإيصالها للجهات المعنية للحد من الثأثير الحالي والمستقبلي.