دافَع الإصلاح عن عوامل الهزيمة واتهم هادي وناصر قبل صالح وأحمد

05:30 2021/01/12

لا ندري لماذا يصر الإصلاحيون على التلفيق والتدليس في قضية مضى عليها قرابة عقد من الزمن، الصواب أن تترك للتاريخ والمؤرخين، ولا ينبغي أن تضحى مجالاً للكيد السياسي الذي يسم عقولهم ونفوسهم بسماته، بينما يرحِّلون القضايا الأساسية إلى هامش اهتماماتهم.
 
ولا يدرك القوم أنهم يقيمون أهدافهم على ادعاءات هم الذين ادعوها، وكانوا يوجهونها إلى الرئيس هادي ووزير الدفاع محمد ناصر أحمد طوال أيام العام 2013 والذي تلاه، بينما كانت قيادات إصلاحية مثل أمين العكيمي، وهاشم الذارحي وغيرهما يستعطفون الرئيس السابق علي عبد الله صالح لكي يقف إلى جانبهم ضد الحوثيين، بعد أن أصبحت يداه من الجيش صفراً.. ويتجاهل القوم حقيقة يعرفونها حق المعرفة، وهي أن حكاية تحالف الحوثي- صالح، لم تظهر في الإعلام الإصلاحي قبل ذلك، بل ظهرت أولاً في إعلام الشرعية بعد تدخل التحالف العربي في مارس 2015..
 
هل علينا تذكير القوم بالبيانات والتصريحات التي نسبوا فيها تهماً شتى للدولة، والجيش، والرئيس هادي، ووزير الدفاع محمد ناصر أحمد، بالتواطؤ مع الحوثيين لتمكينهم من السيطرة على صنعاء؟ إن الدولة تخذلنا.. إن الرئيس هادي الذي يجب عليه أمر الجيش القيام بواجبه، يكلف لجنة يترأسها وزير الدفاع تقوم بدور الوسيط مع المسلحين الحوثيين.. لقد قتل المسلحون الحوثيون العميد القشيبي قائد اللواء 310 في عمران واستولوا على المعسكر، ونهبوا ممتلكاته بما في ذلك أسلحة الدولة، فيرد الرئيس هادي على ذلك بزيارة للمدينة، ولم يكتف بذلك بل خطب من هناك قائلا إن عمران قد عادت إلى حضن الدولة والجمهورية.. إن هذا يسقط شرعية الرئيس هادي! وقالوا أيضا إن الرئيس هادي اختار هذا الوقت لزيارة المملكة العربية السعودية، بينما وزير الدفاع محمد ناصر أحمد توجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وما وجودهما خارج البلاد في وقت واحد، وفي هذا التوقيت الزمني إلا حلقة من حلقات المخطط الأمريكي لإسقاط الإسلام السياسي.
 
ورداً على تلك الاتهامات اكتفى اللواء محمد ناصر أحمد وزير الدفاع بالقول: إن الجيش يحب أن يبقى محايداً، وأن ننأى به عن الصراعات السياسية والحزبية، لأن ما يحدث هو صراع مسلح بين جماعتين سياسيتين، وستظل الدولة بمنأى عن هذا الصراع.. وقال أيضاً: إن الجيش مؤسسة وطنية محايدة لن يتم الزج بها في هذا الصراع، لا مع هذه ولا ضد تلك.. ورد الإصلاح على كلامه بالقول: لقد كان من واجبات الرئيس هادي إيقاف هذا الوزير عن العمل وإحالته للتحقيق القانوني ومعاقبته على الأقوال التي صدرت منه، ولكن الرئيس هادي لا يقوم بواجبه.. والأرجح أن وزير الدفاع كان يعبر عن موقف قيادته العليا من الحرب الدائرة حينها، إذ كان الرئيس هادي يرى أن الحرب تتم بين مسلحي حزب الإصلاح وقبيلة حاشد من جهة، والجماعة الحوثية من جهة ثانية، وأن الدولة ليست معنية بهذه الحرب، لذلك يتعين إبقاء الجيش على حالة الحياد.
 
لقد لمح وزير الدفاع الحالي المقدشي -في حديث لمحرر موقع المصدر أنلاين، الموالي لحزب الاصلاح- إلى موقف وزير الدفاع محمد ناصر، لكنه لم يشر مطلقاً إلى الرئيس هادي رغم أن حزب الإصلاح كان يضع الاثنين في دائرة الاتهام.. قال المقدشي إن بعض الخلافات أثرت على المعركة- مع الحوثيين يقصد- وكان هناك في البدايات من يعتبرها معركة لا تهم الجيش، ويصوّرها حرباً بين القبائل والحوثيين، وفي عمران كانوا يقولون هي معركة بين حزب الإصلاح والحوثيين، وهكذا تمكن الحوثي وابتلع البلد.. يضيف المقدشي: كانوا يصورون لوزير الدفاع أو يصور لنفسه وللآخرين(يلمح بكلمة الآخرين هذه، إلى الرئيس هادي) أن هذه حرب بين أحزاب، فقلت له: إذا كنت تظن أنها حرب بين الإصلاح والحوثي فنحن قوات مسلحة وعلينا أن نحمي الحوثي ونحمي الإصلاح ونمنع هذه الحرب، لكن لا يجب أن ننتظر بينما الجيش يقتل.. ونحن نورد هذا للاستشهاد أن موضوع الاتهام في ذلك الوقت، ليس صالح، ولا الحرس الجمهوري، بل الرئيس هادي ووزير الدفاع أحمد ناصر أحمد، والجيش والدولة.
 
ودائماً يقوّي الإصلاحيون ادعاءاتهم بتصريحات من هنا وهنا، يقولها أشخاص لهم كل يوم شأن، ويغيرون مواقفهم وفاقاً لحالاتهم النفسية في الرضا والغضب، فهم مثلاً يعتمدون على عبارات قالها اللواء محسن خصروف قبل أن يقيله الرئيس هادي من رئاسة دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع بسبب اتهاماته للتحالف العربي، ومن هذه العبارات قوله إن الجماعة الحوثية لم تكن لتتمكن من اجتياح صنعاء لولا الحرس الجمهوري الذي تواطأ معها بإيعاز من الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونجله أحمد.. أما بعد عامين فسيكون لخصروف كلام مختلف، وهو أن الكفة العسكرية في صنعاء، وإن كانت تميل لصالح المسلحين الحوثيين العقائديين، فإن قوة عسكرية عالية التدريب هي قوات الحرس الجمهوري التي تدين بالولاء للعميد أحمد علي عبدالله صالح، بإمكانها القضاء على ميليشيا الحوثي، وإنهاء سيطرة الحوثيين على صنعاء! وهذا مجرد مثال لتناقضات خصروفية كثيرة، ففي سبتمبر 2017 يجزم أن قوات الحرس الجمهوري الموالية لنجل الرئيس السابق قادرة على إنهاء سيطرة الحوثيين على صنعاء، بينما قبل ذلك كان يقول إن هذه القوات قد انتهت في سبتمبر 2014 بعد أن سلمت كل شيء للحوثيين! من مثل هذه المنابع ينهل الإصلاحيون، أما وجهة النظر المخالفة فلا تعنيهم، وليس من المهم عندهم أن ينسب السفير السابق الدكتور مصطفى أحمد نعمان إلى أصدقاء أفادوه أن الرئيس صالح طلب من بعض مقربيه تحذير الرئيس هادي من السماح للحوثيين بتجاوز عمران، وأن هادي كان غير مقتنع بالتحذيرات وأشعرهم بالاطمئنان تجاه تحركات الحوثيين في اتجاه العاصمة والمدى الذي يمكن أن يصلوا إليه.. ولا يعني الإصلاحيين أيضاً قول إمامهم يحيى رسام ما دام يخلو من كيد للرئيس السابق والحرس، فبعد ثلاثة أيام من سيطرة الحوثيين على صنعاء، وبعد يومين من توقيع حزب الإصلاح على اتفاق الشراكة تحدث يحيى رسام، أحد مؤسسي حزب الإصلاح لقناة الجزيرة من مقر إقامته في المملكة المتحدة، وكان مما قاله إن وزير الداخلية عبد القادر محمد قحطان الذي ينتمي إلى حزب الإصلاح قال للجنود لا تقاتلوا إخوانكم الحوثيين، واعتبروهم أصدقاء.. وبرر رسام: أنا أعتقد أن الوزير فعل هذا حقناً للدماء، وكان من بين أولئك الجنود حراس مقر رئاسة الوزراء، الإذاعة، رئاسة الوزراء، والوزارات.. كما زعم رسام أن صنعاء لم تسقط بل سلمت للحوثيين تسليماً، لأن الرئيس هادي ظل يرسل اللجان الرئاسية للتفاوض معهم أثناء ما كانوا يحتلون المحافظات، ويقتلون رجال الجيش ويزحفون نحو صنعاء.
 
يغفل الإصلاحيون قرارات إعادة هيكلة الجيش عند تفسيرهم للهزيمة، بينما تلك الهيكلة لم تكن مدروسة ولا علمية بإجماع المذاهب الأربعة.. كان هدفها إزاحة قيادات بأعيانها وانتهى الأمر، وكان أسوأ نتائجها أنها شتت الجيش وأضعفته، ومع ذلك أظهر الإصلاحيون حماسهم القوي لها حتى قبل أن تبدأ: (لنعمل جميعاً على إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، بهدف بناء جيش يحمي الوطن، وأمن يحمي المواطن)، كما قال محمد اليدومي أوائل عام 2012 في كلمته عبر قناة سهيل.. وكان المأخذ الوحيد عليها من حزب الإصلاح أنها لم تنصف الثورة وثوار فبراير.. إذ عندما أصدر الرئيس هادي أولى قرارات إعادة الهيكلة في أبريل 2012 عبَّر محمد قحطان عضو الهيئة العليا للإصلاح عن خيبة الأمل من عدم تعيين الرئيس أنصار الثورة الشبابية- الشعبية والضباط الموجودين في الساحات في مناصب جديدة، وطالب الرئيس هادي بإنصاف الثورة والثوار، لأن قرارات إعادة الهيكلة لم تفض إلى تعيين القيادات العسكرية التي أيدت الثورة.. والعجيب أن الإصلاحيين ظلوا يدافعون عن تلك الهيكلة حتى بواكير السيطرة الحوثية على صنعاء، على سبيل المثال كلما كانت ميليشيا الجماعة الحوثية تحقق تقدماً أثناء هجومها على معسكر القوات الخاصة في منطقة الصباحة غرب العاصمة كانوا يكبرون، وفرحوا كثيراً باستيلاء الميليشيا على المعسكر بعد مقتل وجرح نحو عشرين ضابطاً وجندياً خلال تصديهم للهجوم الحوثي، إذ زعم الإصلاحيون أن القوات الخاصة ما تزال متمردة على قرارات إعادة هيكلة الجيش والحرس والأمن العائلي التي أصدرها الرئيس هادي استجابة لمطالب الثورة الشبابية- الشعبية، حيث رفضت قيادة قوات المعسكر تسليمه، بناءً على أمر من زكريا الشامي الذي أصدر الرئيس هادي قراراً في أواخر سبتمبر 2014 بترقيته إلى رتبة لواء وتعيينه نائباً لرئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وبهذا الموقف الأحمق أعادوا إلى الأذهان، موقفهم المتحمس لصعدة المحررة! فبعد شهور قليلة من بداية الثورة الشبابية- الشعبية في 11 فبراير 2011، استغل الحوثيون الفوضى وضعف الدولة وسيطروا على صعدة، وعيّن عبد الملك الحوثي تاجر السلاح فارس مناع محافظاً لها، ومن جانبه اعتبر حزب الإصلاح صعدة أول منطقة محررة في ظل الثورة الشبابية- الشعبية، وشرع الحوثيون في التوسع جنوباً يهاجمون قوات الجيش ويقتحمون مؤسسات السلطات المحلية، وكان قادة ثورة فبراير متحمسين لذلك، ويعدونه إنجازاً لتلك الثورة.
 
أيضاً.. لا يشير الإصلاحيون البتة إلى خطيئة التجنيد الذي كثر في الأعوام 2011- 2014... لقد قيل في ذلك الوقت إن عدد الذين تم تجنيدهم من ساحات الثورة الشبابية- الشعبية يزيد عن السبعين ألف مجند، بناءً على محاصصة بين الأحزاب المشاركة في تلك الثورة، وكان نصيب التنظيم الوحدوي الناصري هو الأدنى، ونصيب الإصلاح الأعلى، وفي الحقيقة لا نعرف عدد المجندين خلال تلك الفترة على وجه الدقة، لكن حكومة محمد سالم باسندوة ذكرت في التقرير الذي قدمته إلى مجلس النواب عن أدائها خلال الفترة 19 ديسمبر 2011- نهاية فبراير 2012، أن الكلفة المالية للتجنيد المنفذ في وزارتي الدفاع والداخلية خلال أربعة أشهر وصل إلى أكثر من 14 ملياراً و700 مليون ريال، وكان معظم المجندين يلحقون بالفرقة الأولى مدرع والألوية التي تتبع المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، ويقود كلاهما اللواء علي محسن صالح الأحمر رئيس هيئة أنصار الثورة الشبابية- الشعبية، واستمرت هذه العملية حتى بعد أن طالب أعضاء في مجلس النواب -كان أبرزهم سلطان البركاني رئيس الكتلة النيابية للمؤتمر الشعبي العام- بعدم تحميل موازنة الدولة لعام 2012 أي مبالغ لتجنيد جديد في الجيش والأمن.
 
وحري الإشارة في هذا المقام إلى الإرهاب الذي استهدف المنتسبين لمؤسستي الدفاع والأمن إبان حكومة الوفاق التي ترأسها رئيس المجلس الوطني للثورة الشبابية- الشعبية، وكانت حكومة حزب الإصلاح بالدرجة الأولى، إذ لم يكد يمر أسبوع واحد من أسابيع العامين 2012 -2013 والجزء الأكبر من عام 2014 دون أن ينفذ تنظيما القاعدة وأنصار الشريعة هجوماً يحصد أرواح جنود، أو اغتيال ضابط أو إسقاط طائرة من سماء العاصمة، وكان معظم الاستهداف يأتي من داخل ألوية ووحدات الجيش والأمن، التي تسلل إليها إرهابيون عبر ذلك التجنيد الذي تمثل بضم عشرات ألوف الشباب الذين ينتمون للأحزاب والجماعات المشاركة في الثورة الشبابية -الشعبية.. ذلك الاستهداف الممنهج دفع بعض جنود وضباط الجيش والأمن الذين كانوا مشاريع ضحايا، للتعاون مع الحوثيين الذين لا تنكر الولايات المتحدة الأميركية دورهم في ضرب الجماعات الإرهابية في ذلك الحين، بل إنها دعمت الحوثيين عن طريق قائد القوات الأميركية في العراق لويد أوستن، حسب تصريح مسئول كبير في القيادة المركزية، قال في شهر ديسمبر الماضي إن الأميركيين كانوا يدعمون الحوثيين بهدوء في قتالهم ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بعد أن فقدوا ثقتهم بقدرة دولة الرئيس عبدربه منصور على منع القاعدة من السيطرة على اليمن.