الحوثية وتغيير أسماء اليمنيين

06:21 2020/10/16

 المشرفون الحوثيون في كلية التربية بجامعة صنعاء، حرموا بنات من الالتحاق بالكلية لسبب وحيد وغريب، هو أسماؤهن.. رفضوا قبول بنات سماهن آباؤهن وأمهاتهن بأسماء مثل: لينا، سينا، غفران، كاميليا، إذ قالوا إن الاسم غفران من أسماء الله! وإن أسماء مثل لينا وسينا وكاميليا ليست عربية، بل هي غربية، ومن علامات الغزو الثقافي الأميركي- اليهودي.. قالوا لهن سيتعين على حاملة أي اسم من هذه الأسماء تغييره لكي تُقبل في الكلية.. بعض منهن ذهبن إلى النيابة والمحكمة ووزارة التربية والأحوال المدنية، في مشوار طويل.. في بدايته تغيير الاسم وتبديل الهوية، ثم تغيير الشهادات بداية بشهادة الصف الأول أساسي وانتهاءً باستمارة نهاية المرحلة الثانوية، أما اللواتي لم يقدرن على ذلك فقد حرموهن من التعليم الجامعي.. ومن علامات جهلهم أنهم لا يعلمون أن اسم سينا اسم علم عربي مشهور، وأن اسم لينا عربي أصيل، فاللينة بلغة الأوس هي النخلة الصغيرة، وقد وردت في القرآن: وما قطعتم من لينة... وهب أن كاميليا أو أنجيلا، أو روزا أسماء غير عربية، فما العيب في ذلك ما دامت اللغات تأخذ بعضها من بعضها الآخر، وبقدر أكثر في هذا العصر لأسباب تتعلق بالكوكبة والعولمة التي جعلت التواصل الحضاري والثقافي أسهل وأسرع وأكثر مما كان عليه الحال قبل ربع قرن، فما بالكم قبل ألف أو ألفي سنة.
 
لقد أخذت اللغة العربية من اللغات الأخرى، كما أخذت هي من العربية.. وإذا كان الحوثيون سوف يصرون على التمسك بهذا الموقف المتطرف المتزمت، سوف يتعين عليهم تبديل مئات من الكلمات غير العربية التي وردت في المعاجم العربية ودخلت في القرآن باعتبارها مظهراً من مظاهر الغزو الثقافي، على الرغم من أن كلمة غزو ترتبط بالحروب لا بالثقافة.
 
لقد دخلت إلى لغة العرب ألفاظ غير عربية في مختلف الأعصر بحكم العلاقات التجارية والتواصل الثقافي مع الأمم المختلفة، ومنها التي دخلت إلى العربية قبل نزول القرآن بأمد بعيد، وصارت جزءاً من القرآن وعربيته، مثل الكلمات السريانية: طور، يم، ربانيون، ربيون.. وفيه لفظة قرطاس وهي من اليونانية (خارتس).. ومن اللغة الرومية الكلمات: صراط، قسطاس، فردوس.. ومن الفارسية: كورت، مقاليد، سجيل، استبرق، أباريق.. ومن لغة الحبشة: قسورة (أسد)، كفلين (ضعفين)، مشكاة (كوة)، تابوت، أوبي(سبحي)، طه (إنسان).. ونسمي أولادنا بأسماء نعتقد أنها عربية، بينما هي ليست كذلك مثل: إبراهيم، إسماعيل، موسى، وعيسى، فهذه أسماء عبرانية وسريانية، أصلها أبروهم، اشموئيل، ميشا، إيشو، لكن العرب عرَّبتها، فصارت عربية، ودخلت في القرآن الذي نقرأ في بعض آياته: والليل وما وسق، أي وما جمع.. يا جبال أوبي معه، أي سبحي.. جعل ربك تحتك سريا، أي نهراً، فالجدول أو النهر الصغير يسمى سري في لغة السريان.. وهيت لك، وهي تعريب للفظة العبرانية هيتلخ، بمعنى تعال، كما في قول امرأة العزيز للنبي يوسف: هيت لك. 
 
في ثمانينيات القرن العشرين، كنت وواحد من الآباء القرويين الكبار، نستمع إلى الشيخ بن باز في برنامج نور على الدرب، وهو يقول إن تسمية البنت باسم مثل هدى أو وفاء مكروه في الإسلام، وحجته في ذلك الشؤم، إذ قال قد يأتي أحدهم يطرق باب البيت يسأل أهله عن البنت هدى: أعندكم هدى؟ فيردون عليه: لا، ليس عندنا هدى.. ويسأل آخر: أعندكم وفاء؟ فيقولون: لا، ليس عندنا وفاء! وقد كان لذلك القروي ابنتان أحدهما هدى والأخرى وفاء، فلم يتأثر بكلام الشيخ بن باز، بل سخر منه، وتوجه نحوي يسأل سؤال المستنكر: مو يقول أذى الجني؟
 
لقد كنا نعيب على الوهابية التزمت والجمود اللصيقين بها، فإذا نحن بعد نحو أربعين سنة أمام المشرفين الحوثيين الأضرط تزمتاً وجموداً من الوهابيين.. والحال أن ليس من حق أي أحد تغيير اختيارات الناس، ولا التدخل في شئون العائلة لتحديد ما يجب وما لا يجب عليها عند تسمية مولودها، كما أن اسم الإنسان حق خاص به لا يجوز إكراهه على تغييره.