الإخوان المسلمون الذين لم يعودوا إخوانا
"استضفناهم وخانوا الأمان وهذا الخطأ لن يتكرر"، كانت هذه كلمة الأمير سعود الفيصل حين تحدث في أحد اللقاءات وبوضوح وشفافية عما وصل إليه حال الإخوان المسلمين داخل السعودية.
كأنما استفاق العالم على جماعة لم يسبق لها مثيل، إنها جماعة من نوع مختلف، من نوع يمكنه أن ينمو ويتكاثر بأشكال وحالات متفردة، إنها جماعة الإخوان المسلمين التي امتدت طولا وعرضا عبر الأرض من مشرقها إلى مغربها.
لم تعد جماعة الإخوان المسلمين مجرد تنظيم أو جماعة سرية بل أصبحت كيانا قائما لشبكة معقدة من الجماعات المتطرفة ذات المصالح المشتركة التي بالرغم من ظاهرها المسالم، ودعواتها إلى التعايش، تعاني من الانفصال الثقافي والاغتراب داخل تجمعاتها المنتشرة في الوطن العربي.
انتهجت هذه الجماعة دور المصلح والقائد الموجه لكل مسلم وتبنت موقف الناجي الوحيد داخل العالم العربي وفي أميركا وأوروبا. واحتكرت دور الممثل الأول لكافة الجاليات الإسلامية توجيها وقيادة بطرق منظمة معظمها غير خاضعة لقوانين تلك البلاد، ولم تشكل الأنظمة الدولية لديها أية أهمية لكونها تخلق أنظمتها الخاصة بها وتفرضها على الآخر عبر العديد من الأنشطة والسلوكيات المختلفة.
في عام 2016 أصدرت الكاتبة الأميركية كاثي هينرز، المصنفة برتبة ضابط متقاعد من الجيش الأميركي، كتابا مهما حمل عنوان “الإخوان المسلمون: التهديد في الفناء الخلفي”، أشارت فيه إلى خطر تسلل أعضاء ومؤيدي جماعات الإخوان داخل الإدارة الأميركية وتغلغلهم في المؤسسات العسكرية والتعليمية والدينية الأميركية.
أشارت هينرز إلى أن للجماعة الإخوانية استراتيجيات تتمثل في التسلل إلى الداخل من خلال الهجرات الشرعية وغير الشرعية للمسلمين وتوطيد سلطتهم التي تزداد نتاجا لعمليات التسلل الإخواني للداخل الأميركي وزيادة نموهم وتوسع دائرتهم وإقامة جمعيات خيرية هناك لتجنيد الأتباع والمؤيدين ومن ثم حدوث المرحلة الثالثة وهي الحرب المفتوحة.
ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في السعودية وتسللت إلى عمق هوية الإنسان السعودي في الشارع والقرية والمدينة والمسجد والمدرسة، ونمت كنبتة الفاصوليا.
وتذكرنا نشأتها بقصة جاك مع نبتة الفاصوليا العملاقة التي منحته الكثير من الوهم والعطايا، لكنه استيقظ يوما بعد أن أدرك أن ذلك فخ وعرف سر تلك العطايا، والتقط فأسا وقطع نبتة الفاصوليا ليسقط العملاق الذي كان سيأخذ منه حياته.
“استضفناهم وخانوا الأمان وهذا الخطأ لن يتكرر”، كانت هذه كلمة الأمير سعود الفيصل حين تحدث في أحد اللقاءات وبوضوح وشفافية عما وصل إليه حال الإخوان المسلمين داخل السعودية حيث أصبحت بعد ذلك جماعة الإخوان في السعودية والخليج لا تحظى بالترحيب والقبول ولا بالشعبية التي أحاطت بها لسنوات.
وأعلنت وزارة الداخلية أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية في السعودية وخارجها. لم يكن الإعلان كافيا بالقدر الذي يوقف تسلل أفراد الجماعة إلى كافة مؤسسات الدولة ووقف تحركهم ونموهم الذي اتضحت انعكاساته الاجتماعية الخطيرة على عموم المجتمع. تمددت الشجرة الإخوانية على مدى تسعة عقود من الزمن وانطلقت من قاعدة لم يسبق لها مثيل كونها الفرقة الناجية التي لا مثيل لها المعصومة من الضلال وصاحبة الاستحقاق الأول على العالمين.
منذ زمن بعيد كان مـوقف الملك عبدالعزيز من جماعة الإخوان واضحا وصريحا حين طلبت منه الجماعة أن يسمح لها بإقـامة كيان تنظيمي داخل الدولة تحت مسمى الإخوان المسلمين، الأمر الذي رفضه الملـك عبدالعـزيز معبرا عنـه بمقـولته الشهيرة “كلنا مسلمون وإخوان”. وبالرغم من كل الإشارات الدالة على هوس أفراد الجماعة بالسلطة والحزبية فقد مُنِحوا حرية العيش داخل المجتمع السعودي والاندماج فيه حتى حان الوقت الحاسم لتتغير قوانين اللعبة.
كان ليقظة الدولة والمؤسسات والمجتمع في السعودية ودول الخليج الدور الكبير في التوجه نحو الإصلاح التعليمي وتنقية المناهج التعليمية من فكر الإخوان، وهي المهمّة التي باتت من أهم أولويات هذه المرحلة بعد أن تكشفت أهداف وغايات الجماعة التي لم تعد على قدر من السرية.
هل كان قرار وزير التعليم السعودي أحمد بن محمد العيسى فأس جاك الذي سيقطع نبتة الفاصوليا المتنامية ويُسقط العملاق؟ نعم وإن بدا الأمر أكثر تعقيدا. جاء إعـلان وزير التعليم عن قرار وقـف فكر جماعة الإخوان في النظام التعليمي كافة وتنقية محتوى المناهج من أيّ فكر إخواني تماشياً مع التوجه العملي للدولة في استئصال فكر جماعة الإخوان برمته الـذي سيطر على النظـام التعليمي في المملكـة واستحوذ عليه على مدى سنوات عديدة.
اليوم تُطرح الكثير من التساؤلات الملحّة والصاخبة بصوت عال: ما الذي فعلته جماعة الإخوان المسلمين في منطقة الخليج العربي؟ ومن يقف خلفها؟ هل هي جماعة سياسية أم دينية؟… تساؤلات كثيرة بات الشارع العربي يعرف الإجابات عنها كما بات يعرف ويعي أن جماعة الإخوان لم تعد تضمّ إخوانا.
سالمة الموشي- كاتبة سعودية
العرب اللندنية