تعز .. بين مطرقة الحصار الحوثي وسندان الفساد المحلي
تعز المدينة، التي لطالما كانت مفتاح التغيير ومركز الصمود، تعيش اليوم تحت حصار مزدوج؛ فمن الخارج يفرض الحوثيون حصارًا خانقًا يعزلها عن العالم، ومن الداخل تمارس السلطة المحلية سياسات قمعية تنهك أبناءها اقتصاديًا وتزيد من معاناتهم. ولأن من يسيطر على تعز يملك مفاتيح صنعاء وعدن، فإن استمرار هذا الوضع يخدم القوى التي تستفيد من إطالة أمد الصراع.
على مدى سنوات، فرض الحوثيون طوقًا عسكريًا على تعز، مما أدى إلى تقييد حركة المواطنين ومنع دخول المواد الأساسية، ورفع أسعار الغذاء والدواء إلى مستويات تفوق قدرة السكان. ومع ذلك، لم يكن هذا الحصار الوحيد، فداخل المدينة نفسها، يعاني الأهالي من سلطة محلية تستنزفهم بالضرائب والجبايات غير القانونية، مما يجعل الوضع المعيشي أكثر سوءًا.
ورغم الحصار والمعاناة، تظل تعز إحدى أغنى المحافظات من حيث الإيرادات، حيث تشير التقارير الاقتصادية إلى أن عائدات الضرائب والجمارك والرسوم المحلية تفوق مداخيل بعض الدول النفطية، إلا أن هذه الأموال لا تنعكس على حياة المواطنين. فبدلاً من تحسين البنية التحتية والخدمات العامة، يتم نهب هذه الموارد لصالح جهات نافذة، بينما تظل المستشفيات بلا إمكانيات والمدارس بلا رواتب.
إلى جانب التدهور الاقتصادي، تواجه تعز ومعها اليمن بشكل عام خطرًا ثقافيًا يتمثل في تغيير المناهج الدراسية ومحاولات طمس الهوية الوطنية. فالمليشيات الحوثية تعمل بشكل ممنهج على إعادة تشكيل وعي الأجيال القادمة بما يخدم مشروعها الطائفي، وهو أمر ينذر بعواقب وخيمة على مستقبل البلاد.
بدلاً من أن تكون السلطة المحلية في تعز أداة لتخفيف المعاناة، تحوّلت إلى عائق إضافي أمام أبناء المحافظة، حيث تمارس سياسات جائرة تساهم في إضعاف الاقتصاد المحلي وإرهاق المواطنين. فالضرائب الباهظة، وغياب الخدمات، وغياب الشفافية في إدارة الإيرادات كلها عوامل تجعل من السلطة شريكًا في معاناة أبناء تعز.
وعليه، لا يمكن إخراج تعز من هذا الوضع إلا من خلال تحرك حقيقي يعيد لها استقلالية القرار السياسي والاقتصادي، ويوقف نزيف الموارد، ويكسر الحصار المفروض عليها داخليًا وخارجيًا. إن أبناء تعز الذين صمدوا في وجه كل المؤامرات قادرون على إعادة مدينتهم إلى مسارها الصحيح، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بإرادة وطنية تتجاوز المصالح الشخصية والفئوية.
في النهاية، تعز ليست بحاجة إلى المزيد من الخطابات، بل إلى أفعال حقيقية تعيد لها مكانتها، وتنهي معاناة سكانها الذين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الحرب الطويلة.
*الباحث اجتماعي وأكاديمي