لمحة عن وضع الأقليات في اليمن

قبل 4 ساعة و 50 دقيقة

اليمن بلد متعدد الثقافات والأديان كغيره من بلدان العالم، وعضو في الأمم المتحدة، وطرف في القانون الدولي لحقوق الانسان، إلا أنه يعيش تاريخا مأساويا في ظل ثقافة التمييز الديني والعرقي وتفشي خطاب الكراهية وازدراء التنوع وحقوق الانسان. تعيش اليمن بأكملها وضعًا انسانيًا كارثيًا، وصفته التقارير الدولية بأنها الأفظع عالميا .. لقد أدت الحرب اليمنية إلى تدمير مكتسبات التنمية وأعادت اليمن إلى الوراء، إلى ما يزيد عن عقدين من الزمان إن لم يكن أبعد من ذلك بكثير، مما فاقم تحديات الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي.. الا أن الأخطر من الحرب هو تفشي ثقافة التمييز الديني والمناطقي والعرقي في اوساط المجتمع.

بسبب التمييز أصبحت الكراهية تسري في جسد المجتمع اليمني المتنوع ثقافيا كما تسري السكاكين في جسد الذبيحة، تمزقه الى اجزاء وتترك دماءه تنزف من كل جزء دون شعور بالأسف أو الندم. أصبح الإقصاء الديني والعرقي والحزبي جزء من استراتيجيات القوى الفاعلة في صراعها، بمزاعم تشكك في عقيدة الآخر، تكفره او تخونه او تزدريه. والعلاقة بين التمييز والتعصب قوية، يتفاعلان معاً فينتجان ثقافة الكراهية على توليفة بين عنصرين هما التكفير والتخوين. التخوين هو الوجه الاخر للتكفير من حيث ان كلا منهما يعبر عن اقصى حالات العداء تجاه الآخر. بل ان التخوين في جوهره نوع من التكفير.

اذا كانت الحرب دمرت بشكل مباشر المكتسبات الوطنية التي تحققت خلال العقود الماضية (منذ 26 سبتمبر 1962 حتى 21 سبتمبر 2014) فإن التمييز الديني والعنصري وخطاب الكراهية المتغلغلان في المجتمع اليمني يعملان بإمعان على تدمير المستقبل.. وفي هذه المعمعة كانت الأقليات الدينية والعرقية هي الضحية الأكثر استهدافاً، حيث اتخذتها الاطراف الراديكالية المتطرفة والمتنازعة على السلطة هدفاً مباشرا للقضاء عليها.

تؤكد الدلائل أن اضطهاد الأقليات الدينية والعرقية في اليمن ارتفعت وتيرته بشكل ممنهج منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدد من المحافظات في شمال وغرب اليمن. كما تؤكد دون أدنى شك وقوف النظام الإيراني وراء عملية الاضطهاد الممنهج للبهائيين في اليمن بشكل مباشر من خلال أذرعها في القيادة السياسية الحوثية والاجهزة الأمنية والاستخباراتية وهذا الشيء الذي أكده السيد/ أحمد شهيد المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد في البيان الذي أصدره في 22 مايو 2017 حيث أشار فيه إلى التشابه الواضح بين الاضطهاد الحاصل للبهائيين في صنعاء وطهران.

تعرض العشرات من أبناء الأقليات الدينية اليمنية، بهائيين ويهود ومسيحيين وأحمديين، لاعتقالات جماعية تعسفية استهدفت الرجال والنساء والاطفال، بعضهم تعرضوا للتعذيب المبرح واحيلوا لمحاكمات تفتقر لمعايير العدالة. واجه البعض احكام الإعدام، وشُردت أسر بأكملها من منازلها بعد مصادرة الحوثيين لممتلكاتها واصولها وعقاراتها واجبارها على الرحيل من اليمن. وما زالت السلطة الحوثية تعتقل سالم موسى مرحبي أحد أبناء الطائفة اليهودية اليمنية منذ عام 2016 حتى كتابة هذا المقال رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنه.  

لفقت السلطات الحوثية تهما لا أساس لها من الصحة بحق أبناء الأقليات، فبالإضافة الى تهمة الردة عن الاسلام، اتهمت البهائيين والمسيحيين واليهود بانهم خلايا جاسوسية وجزء من الحرب الناعمة التي تقودها امريكا وإسرائيل ضد اليمن. ووجهت حملة إعلامية واسعة تحرض المجتمع اليمني على كراهية الأقليات الدينية اليمنية ومحاربتها. اليوم الأقليات الدينية المتبقية في اليمن تعيش حالة مأساوية بكل ما تعنيه الكلمة، مجبرة على التخفي بسبب الاعتقالات التعسفية أو التعرض للاعتداء سيما بعد اعتقالات 2023 للبهائيين والاحمدين في صنعاء.