Image

ذكرى ثورة 14 أكتوبر الخالدة .. إضاءات على دروب "الثورة اليمنية" بين صنعاء وعدن عبر واحدية النضال والأهداف

ظلت دروب النضال الوطني فاقدة البوصلة على مدى عقود من الاستعمار البغيض لجنوب الوطن، حتى اهتدى مناضلو الثورة اليمنية المباركة "سبتمبر واكتوبر" الى درب النضال الموحدة للخلاص من الائمة شمالًا والاستعمال جنوبًا.

لقد شكّل الشمال حاضنة شعبية لنجاح ثورة  اكتوبر في الجنوب التي تفجرت شرارتها الاولى من جبال ردفان يوم الـ 14 من اكتوبر من العام 1963، بعد ان استكمل الثوار نضالهم إلى جانب اخوانهم الاحرار لانجاح ثورة 26 سبتمبر في الشمال.
وما بين الحضانة المحلية التي توفرت لهم في صنعاء وتعز والبيضاء وإب في شمال البلاد، والمد الثوري العربي الممتد حينها من مصر عبدالناصر، الى الجزائر، والعراق، وجدت ثورة 14 اكتوبر في جنوب الوطن المقاومات اللازمة للنجاح لاستكمال نضال امتد على مدى 129 عامًا ضد المستعمر البغيض.

إضاءات دروب
لقد أضاءت ثورة اكتوبر، بعد تفجرها في 14 اكتوبر وانتصارها في جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن في 30 نوفمبر 1967، دروب أبناء الوطن في جزء غالٍ من الوطن لمواصلة تحقيق اهم هدف من اهدافها المتمثل بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة.

ولقد مثّلت الثورة اليمنية المباركة، انطلاقة نحو تحرير الإنسان من المستعمر، والانعتاق من الإمامة، والبدء في بناء الانسان ورعايته وإطلاق العنان لتفجير طاقاته الإبداعية في كل مجالات الحياة والإسهام الفاعل في بناء الوطن وتنميته.

تتحدث المراجع التاريخية عن الثورة اليمنية المباركة، وعن ا
أهداف ثورة 14 اكتوبر المتمثلة بالتحرر من الاستعمار وتوحيد الشتات في عدن والمحميات الشرقية تحت علم واحد والمساهمة في نشر الثقافة والفكر والتعليم الذي كان محدوداً في عهد ما قبل الثورة، الى جانب التحرر والانعتاق والتقدم، والنهوض الوطني نحو آفاق مستقبل يتطلع اليه الجميع، باعادة تحقيق الوحدة، والانطلاق نحو المستقبل.
وتشير المراجع، الى ان ثورة اكتوبر انتصرت لكرامة المواطن وانعتاقه من التبعية للاستعمار، والشروع في معركة النهوض الاقتصادي والاجتماعي، وتحسين الحياة المعيشية والخدمية للشعب.
وتؤكد المراجع بأن ثورة 14 أكتوبر مثلت استمراراً طبيعياً للوجه المشرق لثورة 26 سبتمبر باعتبارهما ثورتين ضد الظلم والتخلف والتمييز، ومن أجل العمل والحرية والكرامة للمواطن، والمواطنة المتساوية ،وبناء دولة يمنية حديثة.

من صنعاء إلى ردفان
وحسب المراجع، فقد اندلعت ثورة 14 اكتوبر الخالدة، بعد عام واحد من نجاح ثورة 26 سبتمبر في تخليص الشطر الشمالي من الجهل والعبودية والتخلف، مثلت محطة تحول ومصدر إلهام للعمل الوطني، وتجسيدًا لقيم الحرية والإرادة الصلبة الرافضة للاستعمار ورفضًا للاستعمار.
ونجحت ثورة اكتوبر في منع مشروع تقسيم جنوب الوطن إلى 23 سلطنة ومشيخة، بعد نجاحها في في تحريره وتخليصه من براثن الاستعمار ومشاريعه التامرية .
وتشير المراجع إلى انه بعد نجاح ثورة سبتمبر في الشمال، رسم ثوار ١٤ اكتوبر أهدافاً لهم، شملت كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، حيث مثلت ثورة الشمال ميلاداً جديداً منيراً لأبناء جنوب الوطن، اخرجتهم إلى عهد الحرية والنور والتعليم والازدهار والتقدم وبناء الإنسان معرفياً وثقافيا، وان تلك النجاحات تحققت نتيجة لانها كانت تحت هوية موحدة.
وتذكر المراجع، ان ثوار اكتوبر، كانوا قد شاركوا مسبقاً في ثورة 26 سبتمبر وبعد التحرير عادوا إلى جنوب اليمن وهم يحملون مشاعل التحرير وحماس الثائر وصدق المقاتل والخبرة والتجربة التي تعلموها من الثورة الام ثورة ٢٦ سبتمبر حيث اكتسبوا الوعي الثوري والعلوم العسكرية من ميدان الواقع لذلك تحقق النصر.

طرق ثورية
شكلت ثورة 14 اكتوبر المجيدة في جنوب الوطن، حالة فريدة في اطار العمل الثوري الذي شهدته المنطقة حينها، حيث سلك ثوارها كل الطرق السلمية ممثلة بالمظاهرات والاعتصامات والمفاوضات الدبلوماسية، والقوة بالكفاح المسلح والعمليات الفدائية.. معتبراً تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967 ثمرة هذا النضال الذي لم يكن سهلاً بسبب بطش المستعمر وما كان ليتحقق لولا صلابة الثوار وارادتهم وعزيمتهم التي لا تقهر.
كما جاءت ثورة 14 اكتوبر، امتدادًا لثورة 26 سبتمبر التي فجرها الاحرار في شمال اليمن ضد الحكم الامامي، وعبر التنسيق والمشاركة من الثوار في عدن الذين كان لهم الدور الفاعل والبارز في انجاح ثورة سبتمبر ضد الإمامة.
وتحدثت المراجع التاريخية، بأن "ثورة 14 اكتوبر جاءت امتداداً لتاريخ من النضال الوطني المشترك، تضافرت فيه الروح اليمنية الأبية الواحدة في الشمال والجنوب لتشكل صورة مكتملة لمرحلة من النضال والكفاح المسلح للحرية والاستقلال والتطلع للمستقبل".

تبادل الادوار شمالًا وجنوبًا
وهي التسمية التي اطلقت على ثوار 14 اكتوبر 1963، التي اطلق شرارتها المناضل غالب راجح لبوزة من جبال ردفان الابية، بعد ايام قليلة على عودته مع رفاقه من جبهات الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر ضد فلول الإمامة في شمالي البلاد، لتبدأ مرحلة ايقاد جذوة الكفاح المسلح ضد "الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس".
وكما كانت عدن حاضنة للأحرار والثوار ضد نظام الكهنوت الإمامي العنصري المتخلف في شمال البلاد، كانت تعز حاضنة للتدريب والاعداد للثوار والاحرار ضد المحتل البريطاني في جنوب الوطن، فيما وفرت صنعاء غطاءً سياسياً بتعيين اول رئيس للجنوب بعد الاستقلال قحطان الشعبي وزيراً لشئون الوحدة في حكومة الجمهورية الوليدة.

قواسم مشتركة
القواسم المشتركة بين ثورتي 26 سبتمبر و 14 اكتوبر كثيرة ولا تحصى، وكان لمصر عبدالناصر التي تدخلت للدفاع وحماية الجمهورية في الشمال، دور كبير في دعم ومساندة الثورة في الجنوب اليمني ضد الاستعمار البريطاني، ومن مدينة تعز أعلن الزعيم جمال عبدالناصر ان على بريطانيا ان تأخذ عصاها وترحل من جنوب اليمن.
ففي صنعاء كان المناضل عمر الجاوي قائداً في المقاومة الشعبية التي تداعت لفك الحصار عن صنعاء عام 1967، وفي عدن كان عبدالفتاح اسماعيل وعبود الشرعبي وآخرين يخوضون مع اخوانهم في الجبهة القومية وجبهة التحرير معارك بطولية في مواجهة الامبراطورية البريطانية.
ملاحم بطولية صنعها اليمنيون بدمائهم في كل اليمن، واندمجت تلك التضحيات العظيمة لتروي شجرة الحرية وتنبت جمهوريتين تتخلصان من براثن الإمامة العنصرية المتخلفة والاستعمار الأجنبي لتتوج تلك النضالات والتضحيات منجزات في الشطرين قادت الإنسان اليمني للاستقلال والانفتاح على العالم والوعي والتعليم والتنمية ولو كانت دون المستوى المنشود.
وخلال المد الثوري اليمني المسنود بالمد العربي حينها، اختلطت تضحيات اليمنيين في جبل شمسان بعدن ونقم بصنعاء، وامتزجت دمائهم في جبال حجة وابين ولحج والضالع وعمران وذمار، وتشارك رفاق السلاح والنضال لقمة الكفاح في تعز وحضرموت وشبوة ومأرب والجوف، وروت دمائهم الارض الزكية في اودية تبن وبنا وسردود ومور وبيحان، واحتضنت المدارس في كل اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه جيلاً واعياً يستمر اليوم في النضال لمواجهة الامامة التي أطلت بقرونها من جديد قبل 10 سنوات من الآن.
لقد أكدت هذا الثورة بقيامها واحدية الثورة اليمنية ووحدوية اليمنيين عبر التاريخ وهي حقائق لا تقبل الشك أو الجدال مهما حاول البعض ممن لم يعيشوا عصر الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر والأحداث التي رافقتهما أن يزرعوه في نفوس الأجيال من عوامل التشطير وإثارة العنصرية والمناطقية المقيتة.

مناصب متبادلة
ساهمت الثورة اليمنية ذات القيم والاهداف المشتركة، ارضية لتوحيد القيادة والبدء في بناء المستقبل، حيث شهدت فترة ما بعد ثورة سبتمبر في الشمال تعيين قيادات جنوبية بارزة في مناصب عليا، فقد عين قحطان الشعبي مستشاراً لرئيس الجمهورية العربية اليمنية عقب ثورة سبتمبر لشؤون الجنوب وشارك في تشكيل أول حكومتين متتاليتين بعد الثورة، كما عين عبدالحافظ قائد وكيلاً لوزارة الإعلام وعبدالقادر سعيد مديراً لمكتب الثقافة والإعلام في تعز وسالم زين محمد رئيساً لتحرير صحيفة الجمهورية إلى جانب الانتشار الواسع لكوادر الحركة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
وخلال تلك الفترة سارعت القيادة المشتركة للعمل الثوري الموحد وكثفت من نشاطها الإعلامي والتنظيمي في أوساط أبناء الجنوب المشاركين في الحرس الوطني والحرس الشعبي في الشمال للدفاع عن ثورة سبتمبر وفي أوساط اليمنيين الذين كانوا يتوافدون تباعاً من تعز وصنعاء وإب، والذين التحقوا بالجمعية التي بدأت تتشكل بعلم القيادي الأول للحركة فيصل عبداللطيف الذي كان أقدم عضو فيها منذ كان طالباً في القاهرة.
ولحقت بهذه الخطوة العديد من الخطوات العملية تمثلت بتقديم الدعم والتدريب الإعلامي والدعم المادي للمتفرغين للمهام النضالية في إطار القيادات وأعضاء جيش التحرير وقطاع الفدائيين والتي كانت تقدمها مصر عن طريق الحكومة اليمنية آنذاك.
وبدأت بعد تلك الفترة مباشرة التحرك الميداني حيث انتقل المناضل غالب بن راجح لبوزة إلى الداخل للاستطلاع والتعرف على طبيعة ما يجري داخل منطقة ردفان، فيما بقي مركز الثورة الثابت في محافظة إب بالتنسيق مع القائد العسكري أحمد الكبسي الذي كان من أعضاء الحركة ومكلفاً رسمياً من صنعاء للاتصال بين الداخل في ردفان والقيادة في مدينة تعز، لتبدأ مرحلة الكفاح المسلح والمواجهة المباشرة مع تحرك القوات البريطانية تجاه ردفان بعد علمهم بوجود لبوزة ورفاقه هناك ورفضهم التسليم او الخضوع لشروط المستعمر، لتندلع شرارة الثورة المجيدة يوم 14 اكتوبر 63، وتستمر اربعة اعوام حتى جلاء اخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967.

أخيرًا.. لقد ظلت اليمن تشكل بموقعها الجغرافي المغري والمتحكم بأهم الممرات المائية العالمية مركزاً لإثارة أطماع الكثيرين، إلا أن الانسان اليمني وطبيعة ارضه الجغرافية، تميز بروح المقاومة الباسلة لمختلف اشكال الغزو الخارجي، ومستمر في ذلك بما تشهده البلاد من رفض للمد الفارسي الايراني عبر عصابة الحوثي، ومشاريع الادوات الفاشلة في جنوب الوطن، ناهيك عن مقاومة الاستبداد والطغيان الداخلي والمحلي، رافضا الذل والعذاب والقهر، ومصادرة حقوقه واستلاب إرادته الحرة وحقه الطبيعي في العيش الحر والكريم.