واحدية ثورتي أكتوبر وسبتمبر
مضت الذكرى الثانية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 لتهل على اليمنيين الذكرى الحادية والستين للثورة التوأم الرابع عشر من أكتوبر 1963 بالتتابع المصيري نفسه، لكأن اليمنيين يستطيعون ليس فقط أن يختاروا ثوراتهم بل وأن يختاروا لمواعيدها انسياقية خاصة بهم.
فأكتوبر تشرين ليس له أن يجيء إلا بمجيء سبتمبر أيلول، تماما كما لو أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر لم يكن لها أن تأتي لولا أن سبقتها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. فبين الثورتين عام واحد فقط، كأنه كان فقط حتى تستطيع الثورة الأولى أن تتيح وتهيئ البيئة المناسبة لمجيء الثورة الثانية، فيحلق الطائر بجناحيه معًا. ذاك الطير هو الذي انبعث من بين الرماد ليصنع لليمنيين قدرهم.
الشرارة التي استقرت في السماء
في مثل هذا اليوم وقبل واحد وستين عامًا كان اليمنيون في جنوب الوطن المحتل على موعد تاريخي لانطلاق أولى شرارات ثورتهم ضد المستعمر البريطاني من جبال ردفان، حيث الرجال الذين عاهدوا الله ووطنهم وشعبهم على تسطير أروع الملاحم لدحر الغزاة، مستمدين من ثورتهم الأم في الشمال مباركتها وقدسية حدثها وقد دكت عروش الطغيان والكهنوت الإمامي في الشمال. طارت الشرارة الأولى في السماء لتكتب باسم الدم يوم الرابع عشر من أكتوبر فجرًا جديدًا بعنوان "برع يا استعمار من أرض الأحرار". حضرت البندقية والكلمة في الميدان وراحتا تخطان المستقبل المشرق من ثنايا ذلك الفجر.
كان لثورة 14 أكتوبر 1963، التي انطلقت من جبال ردفان، أن تلعب دوراً حاسماً في تحقيق وحدة جنوب الوطن، الذي كان قد تشرذم بفعل المستعمر إلى 28 إمارة وسلطنة ومشيخة، وأن تعزز الروابط بين ركني الثورة اليمنية، 26 سبتمبر و24 أكتوبر، وأسفرت عن الاستقلال وطرد المستعمر، ليبدأ الوطنان مسيرتهما شمالا وجنوبا نحو وطن واحد: اليمن. فكان ليوم الثاني والعشرين من مايو 1990 أن يكون هو ذلك اليوم الخالد: الجمهورية اليمنية.
كما كان لثورة 26سبتمبر دوراً مُهماً في تصعيد الاندفاع الوطني لدى أبناء جنوب اليمن بهدف التخلص من الاستعمار البريطاني، كما وقفت معظم الأطياف السياسية والأحزاب الوطنية في الجنوب إلى جانب الثورة في الشمال، وهذا ما أشعر البريطانيين أن رياح التغيير القادمة من الشمال باتت تُعرِّض مصالح بريطانيا الإستراتيجية في جنوب اليمن للخطر.
تعز ملاذ ثوار الجنوب
مثَّلت مدينة تعز قاعدة رئيسية لانطلاق ثوار 14 أكتوبر وأبطال حرب التحرير في جنوب الوطن لخوض الكفاح المسلح ضد القوات الاستعمارية البريطانية، حيث تم فتح معسكرات تدريب للمقاتلين الذين توافدوا إليها من المحافظات الجنوبية ومن أبناء تعز أيضاً.. كما أنها كانت الملاذ الآمن لقادة حرب التحرير وكبار المناضلين المطاردين من قبل أجهزة المخابرات البريطانية في عدن.
كما شكَّلت تعز ملاذ لأبطال ثورة أكتوبر، حيث كانت الملجأ الأمن لهم كلما اشتدت عليهم الأوضاع في عدن وكانت تعز نعم الحاضنة الثورية لثوار الجنوب يستقبلونهم بترحاب كبير ويوفرون لهم ما يحتاجونه من مسكن ومأكل ومشرب.
لم يقتصر دور تعز على احتضان ثوار 14 أكتوبر وتدريب المقاتلين فحسب بل انطلقت منها شحنات السلاح الى جبهات القتال في لحج والضالع والى عدن نفسها وكانت أول شحنة تم إرسالها في 9 يونيو 1964م، فيما أرسلت الشحنة الثانية في نوفمبر من نفس العام.
ويرى السياسي اليمني عبد الله باذيب "أن ثورة 14 أكتوبر كانت نتيجة طبيعية لتطور حركة التحرر الوطنية في الجنوب اليمني، واستمراراً للنمو اللاحق للثورة في الشمال، وجزء من الثورة العربية العامة الموجهة ضد الاستعمار، وقد وضع الأحرار في جنوب اليمن مهمة الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في الشمال على عاتقهم كون أن الأرض واحدة إضافةً إلى أن الثورة المُسلحة في الجنوب دون تغيير الأوضاع في الشمال عبارة عن مُغامرة".
ذكرى تاريخية
تعتبر ثورة 14 أكتوبر -التي شارك فيها العديد من الشباب والنساء والعمال والفلاحين- من الثورات الوطنية البارزة في تاريخ اليمن، وتمثل نموذجاً للصمود والتضحية من أجل الحرية والاستقلال. كما أنها ساهمت في بعث روح الوحدة والتضامن بين الشعب اليمني، كما ساهمت في تشكيل الهوية الوطنية للبلاد وتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن.
كما تظل ثورة 14 أكتوبر ذكرى تاريخية مهمة للشعب اليمني، تذكرنا بتضحيات الأجداد وبفخرنا بانتصاراتنا، وتعزز من وحدتنا وعزيمتنا في مواجهة التحديات الحالية التي تواجه اليمن.