التونسيون يترقبون خطاب سعيد لمعرفة ملامح المرحلة المقبلة
بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في تونس والتي كشفت عن فوز ساحق لرئيس الجمهورية قيس سعيد بأكثر من 90 في المئة من الأصوات، تدخل تونس مرحلة جديدة من حكم سعيد الذي أعلن مباشرة، إثر غلق مكاتب الاقتراع خلال جولة في مقر حملته الانتخابية وبين أنصاره، أن فوزه يعني "مواصلة معركة التحرير ورفع التحدي تلو الآخر، والعمل على تطهير البلاد من الفساد والمفسدين".
وتدشن تونس حقبة سياسية جديدة مثقلة بإرث من التجاذبات السياسية الحادة والتهم المتبادلة بين أنصار رئيس الجمهورية ومعارضيه المتهمين بتخريب الحياة السياسية طوال الأعوام التي تلت عام 2011، مما دفع بعدد من المتابعين للمشهد السياسي إلى الإقرار بضرورة التهدئة السياسية التي تقطع مع المناكفات والصراعات من أجل الشروع في الإصلاحات الكبرى ودفع عجلة النمو، فهل ستطوي تونس فعلياً فترة الانقسامات وتبدأ حالاً من الهدوء السياسي من أجل الدخول في ما سماها أنصار قيس سعيد مرحلة البناء والتشييد؟
تتباين الآراء والمقاربات للواقع السياسي في تونس اليوم بين من يرى أن الهوة ازدادت اتساعاً بين النخب السياسية، والناخب التونسي الذي يعتقد أنها خذلته ولم تستجب لتطلعاته، لذلك يأمل في تحقيق آماله مع قيس سعيد الرجل القادم من خارج منظومة الأحزاب السياسية، مما يعني أن التهدئة مع هذه النخب التي أفسدت العمل السياسي غير مطروحة، وبين من يعتبر أن الأحزاب السياسية في حال وهن وفقدت جماهيريتها ويعتبرها شبه منتهية، لذلك فالتهدئة السياسية ستكون نتيجة حتمية وممكنة.
وبينما يحتفل أنصار الرئيس قيس سعيد والأحزاب الداعمة له بالفوز في الانتخابات بفارق كبير على منافسيه، تشكك الأحزاب المعارضة في الانتخابات وتعتبرها حلقة لا دستورية في مسار غير شرعي دخلته تونس منذ عام 2021.
التعويل على الأحزاب الوطنية فقط
ويتهم رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري في تصريح إلى "اندبندنت عربية" تلك الأحزاب بأنها "مارست السياسة لحساباتها الضيقة وعلى حساب مصالح الدولة والشعب التونسي"، ويصفها بأنها "أحزاب مرتهنة إلى الخارج تستخدم المال الفاسد وعكرت المناخ السياسي في البلاد".
ويردف الناصري أن "المرحلة المقبلة هي مرحلة بناء، بالتعويل فقط على الأحزاب الوطنية واستثناء ما بقي من الأحزاب التي دمرت الدولة طوال العشرية التي تلت عام 2011"، داعياً إلى "المصالحة مع رجال الأعمال بعد استرجاع حقوق الدولة والشعب التونسي".
ويعتبر رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" أن "المرحلة السابقة كانت مرحلة تنقية الأجواء واسترجاع حقوق الدولة وملاحقة الفاسدين، أما المرحلة المقبلة فستكون للبناء والمشاركة، مستبعداً في الوقت ذاته أن يدعو رئيس الجمهورية قيس سعيد الأحزاب إلى الحوار، "إلا أنه لن يتوانى في تشريك بعضها في رسم ملامح الفترة المقبلة إذا ما قدمت مقترحات بناءة".
ويرى الناصري أن "تونس تحتاج إلى الأحزاب والأجسام الوسيطة لرسم مشهد سياسي جديد يقوم على الصدق والشفافية وإعلاء مصلحة تونس".
مساحات أمل جديدة
في الأثناء اعتبر مدير حملة قيس سعيد، نوفل سعيد، أن "الناخب الذي منح صوته لسعيد ينتظر تحسين حياته اليومية والقضاء على التشغيل الهش وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي"، مضيفاً أن "انتخاب قيس سعيد سيفتح مساحات أمل جديدة".
وبيّن في حوار إذاعي أن "التهدئة السياسية مطلب ملح ويجب تركيزها وتنفيذها والتوقف عن المناكفات"، داعياً إلى "طي صفحة التشكيك والتجاذبات لأن تونس لكل التونسيين مهما كانت أفكارهم مختلفة، والالتفاف حول الـ 25 من يوليو (تموز) الماضي كقاعدة قيمية لجمهورية جديدة".
إطلاق السجناء السياسيين
في المقابل يعتبر رئيس الهيئة السياسية لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" سمير بن عمر في تصريح خاص أن "الأحزاب التي تدعي أنها داعمة لرئيس الجمهورية قيس سعيد فاقدة للشعبية ولا وزن لها، ولا تعبر إلا عن مواقف المتحدثين باسمها، ولا يمكنها أن تحدد إطار الحوار الوطني الذي تحتاجه تونس اليوم".
ويشدد بن عمر على "أهمية تنقية المناخ السياسي في البلاد باعتبار حجم التحديات المطروحة، وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مما يتطلب وحدة وطنية لمجابهتها"، مؤكداً أن "هناك إجماعاً حول تردي الأوضاع ولا بد من إطلاق حوار وطني لوضع مقاربة تشاركية تجمع كل التونسيين من أحزاب وفعاليات مجتمع مدني وخبراء، من أجل إيجاد حلول حقيقية لحلحلة هذا الوضع الذي تعانيه البلاد، وإطلاق جميع السجناء السياسيين وإعادة البلاد لمسار الديمقراطية والتعددية، وهذا يتطلب تضحيات من جميع الأطراف وبخاصة من السلطة".
أحزاب في حال وهن
من جهته يرى النائب السابق في البرلمان هشام الحاجي أن "المواعيد الانتخابية هي في الواقع لحظة رمزية لإعادة التأسيس"، لافتاً إلى أن "التونسيين ينتظرون تخفيف الضغط السياسي وإعادة ترتيب الحياة السياسية، إضافة إلى التعجيل بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية".
ويعتقد الحاجي أن "الأحزاب السياسية اليوم في حال ضعف، وهو ما يدعوها إلى تجديد برامجها والقيام بالتعديلات الضرورية في الخطاب والممارسة من أجل إعادة التموضع في المجتمع السياسي واستمالة التونسيين"، معتبراً أن الحوار ضروري لأن ما يجمع التونسيين أكثر مما يفرقهم، كما لفت إلى أهمية إيجاد أرضية مشتركة للتعايش في مناخ سياسي هادئ ومطمئن".
وفي ما يخص الحوار الوطني فإن النائب السابق لا يرى فائدة من "أشكال الحوارات الوطنية السابقة التي كانت تنظم لاقتسام الكعكة السياسية وتوزيع المناصب من دون الانتباه إلى تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي".
وعلى رغم هذا التدهور فإن الناخب التونسي يمعن في معاقبة الأحزاب السياسية التي يحملها مسؤولية تردي الأوضاع بعد عام 2011، ويراهن على قيس سعيد القادم من خارج المنظومة الحزبية.
إجراءات لتأبيد قيس سعيد في الحكم
وبعد مرور خمسة أعوام على حكمه، يواجه قيس سعيد انتقادات شديدة من معارضيه من عدد من الأحزاب السياسية التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، إذ اعتبروا أن "المناخ السياسي منذ الانقلاب على الدستور والمؤسسات عبث متواصل، مما يجعل شرعية الانتخابات قابلة للتشكيك سياسياً وأخلاقياً".
كما اتهم بيان صادر عن "حركة النهضة" السلطات التونسية بالعمل على "إفساد العملية الانتخابية بأكملها في نزوع تسلطي واستبدادي عبر إجراءات ومراسيم من أجل تأبيد بقاء الرئيس قيس سعيد في الحكم".
وتعتبر المرحلة المقبلة في تونس بعد فوز قيس سعيد بولاية جديدة وتفويض شعبي كبير فارقة، وسط وضع اقتصادي واجتماعي صعب يتطلب إجراءات عاجلة ومناخاً سياسياً هادئاً من أجل الدخول في الإصلاحات التي وعد بها رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي، والتي قد تتضح معالمها في خطاب أداء اليمين الدستورية أمام مجلسي النواب والجهات والأقاليم قريباً.