Image

ممارسات خاطئة تسرّع التحول في صناعة محركات البحث عالمياً

لم يكن صيف هذا العام مشرقاً بالنسبة لـ«جوجل» حيث شهد شهر يوليو الماضي تراجعاً حاداً في أسهم «ألفابت» - الشركة الأم بالنسبة لـ«جوجل»، بعد أن جاءت نتائج أرباح الربع الثاني أقل من توقعات المحللين، ما أثار قلق المستثمرين، وزادت الأوضاع سوءاً عندما كشفت صحيفة «فايننشال تايمز» أخيراً عن صفقة سرية أبرمتها «جوجل» مع شركة ميتا لاستهداف المراهقين بالإعلانات.

وهو ما يتعارض مع سياسات «جوجل» المعلنة بشأن حماية المستخدمين القصر على الإنترنت، لكن أكبر ضربة لأعمالها التجارية ربما تأتي من حكم صدر الاثنين قبل الماضي، عن القاضي الفيدرالي الأمريكي أميت ميهتا، والذي قضى بأن عملاقة التكنولوجيا انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار.

وقد صنفت القضية، التي استمرت 4 سنوات وتتألف من 286 صفحة، ورفعتها وزارة العدل الأمريكية، شركة جوجل بأنها «محتكرة»، وكشفت أن الشركة أنفقت مليارات الدولارات سنوياً على صفقات حصرية مع مشغلي الشبكات اللاسلكية، ومطوري برامج المتصفح، والشركات المصنعة للأجهزة.

وكانت شركة التكنولوجيا المنافسة «أبل»، المصنعة لأجهزة آيفون، أحد المستفيدين الرئيسين، حيث دفعت «جوجل» للشركة 20 مليار دولار عام 2022 وحده، بموجب اتفاقية طويلة الأجل لجعل محرك البحث الخاص بها هو المحرك الافتراضي على متصفح سفاري.

وتسلط هذه النتائج الضوء على الممارسات الخطأ في صناعة محركات البحث، ولطالما أكدت «جوجل» أن هيمنتها على القطاع لا تضر المستهلكين لأن خدمات البحث، التي تقدمها مجانية والأجود في السوق. ورغم أن القضية تقر ببعض حجج «جوجل»، إلا أنها تثبت أن كبرى شركات التكنولوجيا ذات القوة الاحتكارية يمكن أن تضر المستهلكين بطرق عديدة.

وفي الواقع، ساعدت صفقات «جوجل»، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في ترسيخ مكانتها بوصفها أفضل محركات البحث، وهذا يحد الخيارات ويعوق الابتكار، ويمنع الشركات الأخرى من التوسع. وحالياً تسيطر الشركة على 90 % من حصة سوق البحث، والتي ترتفع إلى 95 % بالنسبة لعمليات البحث على أجهزة المحمول، وهذا العدد الضخم من الزيارات يدعم نموذج أعمالها القائم على الإعلانات، ويعزز تدفق البيانات لتحسين خدماتها.

وغالباً ما تستغرق قضايا مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الكبرى سنوات ويكتنفها التعقيد، ما يجعل هذه القضية أكثر أهمية، إذ يمكن أن تشكل سابقة من خلال تشجيع القضاة الآخرين ممن ينظرون في دعاوى قضائية معلقة في التكنولوجيا، وردع الشركات عن عقد صفقات حصرية، كما قد تقود هذه القضية إلى رفع دعاوى مدنية خاصة ضد «جوجل» من الشركات المتضررة.

رغم كل ذلك ظل سعر سهم «ألفابت» دون تغيير تقريباً منذ صدور الحكم، وتخطط الشركة للطعن على الحكم، ولا تزال وزارة العدل بحاجة إلى مناقشة الإجراءات التصحيحية، وقد تشمل أحد الحلول إلزام «جوجل» على فصل محرك البحث عن نظام تشغيل هواتف الأندرويد ومتصفح كروم، أو جعل بيانات بحث «جوجل» متاحة للشركات الأخرى، ويتسم كلا الخيارين بالراديكالية، ويصعب تنفيذهما، وقد يكونان ذات نظرة رجعية للغاية.

ومن الأفضل التركيز على تحدي قدرة «جوجل» على حماية هيمنتها في المستقبل، وسيتمثل الحل المنطقي في الحد من قدرتها على إبرام صفقات حصرية. ورغم أن هذا من شأنه أن يؤثر على أبل أيضاً، نظراً لأن مدفوعات «جوجل» تمثل جزءاً كبيراً من خدماتها التجارية، التي تحقق 85 مليار دولار سنوياً، إلا أنه قد يوفر لصانعة أجهزة آيفون حافزاً لتطوير محرك بحث خاص بها.

ويتمثل خيار آخر في ضمان تمكين المستخدمين من اختيار محرك البحث الخاصة بهم، من خلال «شاشة خيارات» بدلاً من وجود محرك افتراضي، كما تنص لوائح الاتحاد الأوروبي، وقد يمتد ذلك ليشمل أدوات بحث جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

في النهاية قد تدرك «جوجل» أن أكبر عدو لها هو نفسها، وليس الجهات التنظيمية، وتعرضها للمنافسة ربما كان ليدفعها إلى ابتكار المزيد، فقد وجدت دراسة حديثة أن نتائج البحث الخاصة بها قد بدأت تظهر المزيد من النتائج غير المرغوب فيها، وأن المحتوى دون المستوى.

كما فقدت الشركة مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي، مع تزايد شعبية تطبيق البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي «بيربلكسيتي»، ونأمل أن تسهم هذه القضية التاريخية في فتح الباب على مصراعيه، لتسريع الطفرة الحاصلة في صناعة محركات البحث.