الوحدة اليمنية .. والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية
من المسلم به في عالم السياسة والعلاقات الدولية بأن المتغيرات والأحداث على الساحة الدولية تلقي بظلالها على الأحداث السياسية على الساحة الداخلية للدول في مختلف القارات والأقاليم.
وكان للمتغيرات السياسية في العلاقات الدولية في بداية العقد الأخير من القرن العشرين دور فاعل ومؤثر في تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م ، حيث ساهمت تلك المتغيرات في تذليل العديد من العقبات والصعاب التي كانت تعيق القيادة السياسية اليمنية في شطري اليمن من تحقيق هذا المنجز التاريخي العظيم ، مثلما كان للمتغيرات السياسية في العلاقات الدولية نفس التأثير والفاعلية في تقسيم اليمن الوطن الواحد ذو التاريخ الواحد ، والجغرافيا الواحدة ، والمصير الواحد ، والعادات والتقاليد الواحدة إلى دولتين وكيانين منفصلين عن بعضهما البعض ، لكل دولة نظامها السياسي وعلاقاتها وتحالفاتها السياسية الخاصة بها ، ونوع النظامين السياسيين في شطري اليمن كان نتاج الحرب الباردة التي كانت مهيمنة على العلاقات الدولية خلال تلك الفترة الزمنية ، حيث كانت النظام في شمال اليمن محسوب على الرأسمالية ، والنظام في جنوب اليمن تابع للنظام الاشتراكي السوفيتي ..
والحرب الباردة بين أمريكا والسوفيت كانت تنعكس ظلالها على العلاقة بين شطري اليمن ، بل لقد تسببت في حدوث بعض المواجهات العسكرية بين الشطرين ، حيث كان يحاول النظام الاشتراكي في جنوب اليمن بدعم من السوفيت السيطرة على شمال اليمن عن طريق فتح حروب مباشرة ، أو بدعم الجبهات الداخلية التي كانت تقودها القوى الشمالية الموالية للنظام الاشتراكي في الجنوب ، ما جعل العلاقات السياسية بين الشطرين تعيش حالة من التوتر والتنافر والتباعد والصراع ، وهكذا وضع سياسي وعسكري لا يمكن أن يساهم في إحداث أي نوع من التقارب بين القيادات السياسية في شطري اليمن آنذاك ، رغم أن تحقيق الوحدة من ضمن الأهداف الرئيسية للنظامين في صنعاء وعدن ، لتأتي المتغيرات الدولية في عام 1990م معلنة تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحقبة الاشتراكية ، وهيمنة الرأسمالية بقيادة أمريكا كقطب واحد على العلاقات الدولية ، ولتلقي تلك المتغيرات بظلالها على الساحة الداخلية للحزب الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن ، الذي وجد نفسه يقف وحيدا بعد انهيار القطب الدولي الذي كان يقدم له كل صور الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي ، وليجد نفسه وهو يعيش ظروفًا اقتصادية صعبة جداً ، دفعت بقيادته السياسية إلى سرعة الموافقة على إعلان الوحدة مع شمال اليمن في 22 مايو 1990م ، رغم أن المباحثات بين الطرفين لم تكن قد شملت جميع النقاط والمسائل العالقة يدمج بعض الوزارات والمؤسسات كالمؤسسة العسكرية والأمنية حيث ظل كل طرف محتفظ بالسيطرة والقيادة على معسكراته وقواته المسلحة .
وفي نفس العام حدثت متغيرات سياسية كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي ، حيث قام النظام العراقي بدخول دولة الكويت في 30 أغسطس 1990م ، وترتب على ذلك قيام تحالف دولي لتحرير الكويت بقيادة أمريكا وعضوية أكثر من 30 دولة ، وكان للنظام السياسي اليمني في دولة الوحدة موقف مغاير للاجماع العربي والدولي ، ورافض للتدخل العسكري الغربي لتحرير الكويت ، مقترحاً حل الموضوع بالطرق التفاوضية وفي حال رفض العراق الانسحاب من الكويت يتم تشكيل قوة عربية كبيرة ترغمه على الخروج بالقوة ، وهذا الموقف كان في نظر الدول الخليجية والعربية والدولية المشاركة في تحالف تحرير الكويت معارض لتحالفهم وللمعركة التي كانوا يعدون العدة لها ، وترتب على هذا الموقف تعرض النظام السياسي لليمن الموحد للعديد من الضغوط السياسية والاقتصادية كعقاب على موقفه من حرب الخليج الثانية ، وفي مقدمتها تغذية الخلافات بين القيادات السياسية الشمالية والجنوبية ، وصولاً إلى تقديم الدعم المادي والعسكري للقيادة الجنوبية بعد أعلانها الانفصال في صيف 1994م ، الذي فشل بسبب إلتفاف الشعب اليمني في الشمال والجنوب مع الشرعية الوحدوية ، وترتب على ذلك تثبيت الوحدة اليمتية تحت نظام واحد وجيش واحد بعد هزيمة القيادة الجنوبية التي أعلنت الانفصال ، وعاش الشعب اليمني تحت راية الوحدة اليمنية في حالة من الأمن والاستقرار والتنمية والديمقراطية ، حتى أحداث الربيع العبري في العام 2011م ، وما ترتب عليه من تطورات سياسية وعسكرية على الصعيد الداخلي والاقليمي والدولي .
ورغم كل تلك الأحداث المؤسفة التي أفقدت اليمن استقلالها كدولة ذات سيادة ، إلا أن الوحدة اليمنية لا تزال صامدة في وجه كل التحديات والمؤامرات التي تستهدفها من مختلف الأطراف ، وهو ما يؤكد بأنها تعبير عن إرادة ورغبة الغالبية من أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب ، حتى لو كانت المتغيرات السياسية الدولية القائمة اليوم تعمل في غير مصلحتها .
والسؤال المطروح اليوم هل ستتمكن الوحدة اليمنية من الصمود في وجه المتغيرات على الساحة الاقليمية التي تعمل ضد بقائها واستمراريتها ، حتى حدوث متغيرات سياسية إقليمية ودولية جديدة قد تعمل في مصلحتها في قادم الأيام؟ . فكل المؤشرات والتوقعات تذهب إلى أن تجاوز الوحدة اليمنية لهذا المرحلة السياسية الصعبة والخطيرة في تاريخها ، سوف يعزز حضورها في الوجدان الشعبي كرغبة تمثل الإرادة الشعبية ، ويرسخ ديمومتها في الواقع السياسي كخيار لا يمكن الاستغناء عنه في كل الظروف والأحوال ، وكحبل نجاة لإنقاذ سفينة اليمن من الغرق في أتون الخلافات والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية ، ويثبت حضورها في الساحة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية كأمر واقع لا يمكن تجاوزه أو التآمر عليه.. فإذا تجاوزت الوحدة اليمنية الظلال السلبية التي تنعكس عليها نتيجة المتغيرات الإقليمية المضادة والمعادية لها خلال هذه المرحلة ، فإنها ستكون أكثر قوة وتماسكًا وصمودًا في مواجهة أي متغيرات إقليمية وحتى دولية مضادة لها في المستقبل .