نظم الاستبداد والطغيان السياسي
من الأخطاء الشائعة في عالم السياسية حصر صفة الاستبداد والطغيان في رأس النظام السياسي ، فلا يمكن لشخص الحاكم ووزرائه وقادته أن يمارسوا الاستبداد والطغيان منفردين بدون وجود الأعوان والعبيد والخدم والمأجورين والمستفيدين والقتلة والمجرمين ، الذين يساعدونهم على ممارسة الاستبداد والطغيان السياسي ، ولا يمكن ظهور ووجود نظام حكم استبدادي في أي مكان أو زمان من حيث المبدأ بدون وجود البيئة المناسبة والداعمة له ، فالاستبداد والطغيان منظومة متكاملة ومترابطة يسند بعضها بعضا ويدعم بعضها بعضا ، منظومة يتميز كل أفرادها ومن ينظم إليها بالفساد والاجرام والوحشية والقسوة وغياب الضمير وغياب الوازع الديني والأخلاقي ، ولا يمكن ظهور نظام استبدادي في مجتمع يتميز أفراده بالحرية والعدالة ويتمتعون بالكرامة والأنفة والعزة والاستقلالية والسيادة ، لأنهم بدون شك سوف يقاومون ويقاتلون هكذا نظام ، بل إنهم من حيث المبدأ لن يسمحوا لهكذا نظام أن ينشأ ويترعرع وينمو ويهيمن ويسيطر عليهم ، وحتى وإن فكر شخص أو مجموعة أشخاص بإنشاء هكذا نظام فإنهم لن يجدوا من يتعاون معهم ومن يساعدهم ومن يقبل على نفسه الخضوع والعبودية لهم في هكذا مجتمع حر وكريم ..
وبذلك فإن نشأة وقيام أي نظام استبدادي في أي زمان ومكان تحتاج إلى العديد من العوامل الاجتماعية والظروف البيئية ، في مقدمتها وجود مجموعات من الأفراد يعتقدون آن الحكم والسلطة حق حصري لهم دون غيرهم ، ومن حقهم استخدام كل الوسائل من عنف وبطش وقتل وفساد في سبيل تحقيق ذلك ، ووجود مجتمع منقسم على نفسه تسود بين أفراده العداوة والكراهية والتعصبات المذهبية والحزبية والمناطقية ، مجتمع جاهل ومتخلف تهيمن على العديد من أفراده نفسية العبيد ، مجتمع يوجد من بين أفراده مجموعات ممن يمتهنون ويمارسون أعمال الاجرام والقتل والنهب والسلب ، الذين لا يترددون في مناصرة ودعم دعاة الاستبداد والطغيان والانحياز إلى جانبهم والوقوف في صفهم ، فهم يرون في ذلك الفرصة المناسبة لممارسة هواياتهم المفضلة في الاجرام والسلب والنهب. والقتل. والبطش تحت حماية ذلك النظام الاستبدادي والطغياني ، وفي نفس الوقت يرى فيهم قادة ذلك النظام الادوات المناسبة التي يمارسون من خلالها ترهيب وترويع واخضاع وإذلال واستعباد الشعوب ، وبذلك تتضح الصورة كاملة فالنظام الاستبدادي الطغياني لا يمكن أن يظهر ويهيمن ويسيطر إلا بوجود أولاً قيادة استبدادية عنصرية لا تتردد في ممارسة القتل والظلم والعدوان والطغيان في سبيل تعزيز سيطرتها على السلطة وتثبيت اركان حكمها ، وثانياً وجود مجتمعات ضعيفة وخانعة وذليلة وخاضعة وجاهلة ومتخلفة ، وثالثاً وجود مجموعات من القتلة والمجرمين وقطاع الطرق الذين يسخرون أنفسهم وجهدهم وحياتهم في خدمة الاستبداد والطغيان ..
وبذلك فكل من يعمل مع الأنظمة السياسية الاستبدادية في كل زمان ومكان ، وفي أي مستوى وفي أي موقع هو شريك فعلي في كل الجرائم والانتهاكات التي تمارسها تلك الأنظمة الاستبدادية ، فلا تتحمل قيادات الأنظمة الاستبدادية وحدها مسؤولية سياساتها وتصرفاتها السلبية والاجرامية ، بل إن كل من يعمل مع تلك الأنظمة يتحمل جزء من المسؤولية ، فالمسؤولية هنا هي مسؤولية جماعية ، وإن كانت قيادات تلك الأنظمة تتحمل الجزء الأكبر من المسئولية ، لكن كل فرد يعمل مع تلك الأنظمة أو يدعمها أو يساندها أو حتى يبرر لها جرائمها وانتهاكاتها هو مشارك في كل جرائمها ، إن لم يكن أمام الناس فإنهم مسئولين أمام الله تعالى ، لأنه لا يمكن لتلك الأنظمة القيام بتلك الأعمال والجرائم بدون داعمين ومساندين وأعوان وخدم وقتلة ومأجورين ، والأنظمة الاستبدادية والطغيانية لا يمكن أن تستمر إلا بتكاتف وتعاون أفرادها من أصغر عنصر إلى أكبر قائد فيها ، فكلهم يشد بعضهم بعضا ، ويآزر بعضهم بعضا ، ويدافع بعضهم عن بعض ، ويبرر بعضهم جرائم وانتهاكات بعض ، وكم هو مؤلم ومحزن حال الشعوب التي تسيطر وتهيمن عليها نظم الاستبداد والطغيان حول العالم ، إنها الأتعس حالاً والأسوأ حظاً بين بقية الشعوب حول العالم ، إنها تعتبر شعوب منكوبة ، فلا توجد هناك نكبة أكبر وأسوأ من نكبة الاستبداد والطغيان .