الحياة في الوحل اوفي السمو والرفعه

07:00 2022/06/30

ينقسم الناس في هذه الحياة إلى قسمين؛ قسم يعشق الريادة والعلو والسمو الأخلاقي، مهما كانت ظروفهم وكيفما كانت أحوالهم، لا يتغيرون ولا يتبدلون. فكلما كانت الظروف والأحداث تعمل في مصلحتهم ومنحتهم المزيد من القوة والجاه والسلطان والمال، ازدادوا علواً ورفعةً وسمواً، وحلقوا عالياً في سماء الريادة والتميز والبذل والعطاء، وازدادوا تواضعاَ ورحمةً بالآخرين. وإذا كانت الظروف والأحداث تعمل في غير مصلحتهم، حافظوا على الحد الأدنى من السمو والرفعة، وتمسكوا بها رافضين السقوط في مستنقع الوحل والانحطاط والخسة، مهما كان الثمن ومهما كانت المغريات. فنفوسهم العزيزة والكريمة وتنشئتهم الأخلاقية السامية تحول دون سقوطهم وإنحدارهم في الإتجاه السلبي. فلا يمكن أبداً أن تسمح لهم مبادئهم وقيمهم الراقية بالاعتداء على أحد أو ظلم أحد أو نهب حقوق أحد أو قطع الطريق على أحد، أو التعالي على أحد أو استغلال قوته على أحد. أناس عشقوا الحق فانحازوا لصفه وكرهوا الظلم والطغيان فابتعدوا عنه، ليرسموا لأنفسهم تاريخاً عظيماً ومشرفاً.
والقسم الثاني من الناس قسم يعشق الوحل والانحطاط والسقوط الأخلاقي مهما كانت ظروفهم وكيفما كانت أحوالهم، لا يتغيرون ولا يتبدلون. فكلما كانت الظروف والأحوال تعمل في مصلحتهم ومنحتهم المزيد من القوة والجاه والسلطان، ازدادوا عتواً ونفوراً وانحدروا أكثر وأكثر في اتجاه السقوطـ والانحطاطـ وغرقوا أكثر في مستنقع السلبية والوحل، وازدادوا غروراً وتكبراَ وشراً وطغياناً. وإذا كانت الأحـداث لا تعمل في مصلحتهم كلما حافظوا على الحد الأدنى من السقوط والانحطاطـ الأخلاقي، فنفوسهم الحقيرة والمريضة تحول دون رقيهم وصعودهم في الإتجاه الإيجابي. فهي تعشق الخسة والنذالة والسفالة. ولا تتردد أبداً في الاعتداء على الآخرين وفي ظلم الآخرين وفي نهب حقوق الآخرين وفي قطع الطريق على الآخرين، ولا يتورعون في استغلال قوتهم ضد الآخرين. أناس عشقوا الظلم والطغيان فانحازوا إليه في كل حال وكرهوا الحق فابتعدوا عنه كثيراً، ليرسموا لأنفسهم تاريخاً مخزياً وحقيراً 
ويظل القسم الأول هم الدعاة لكل خير وكل مواقفهم منحازة للخير، فهم جناح الخير في هذه الحياة. ويظل القسم الثاني هم الدعاة لكل شر، وكل مواقفهم منحازة للشر، فهم جناح الشر في هذه الحياة. وهذا الأمر نعيشه ونلاحظه خلال حياتنا. فهناك أشخاص لا نراهم إلا في محور الخير وفي مواقف الخير ولا يتكلمون إلا بالخير، سواء كانت تلك المواقف في مصلحتهم أو في غير مصلحتهم، يُنظِّرون للخير ويحببون الآخرين في الخير. فحياتهم بذلك كلها خير في خير. وهناك أشخاص لا نراهم إلا في محور الشر وفي مواقف الشر، ولا يتكلمون إلا بالشر يُنظِّرون للشر ويحببون الآخرين في الشر، فحياتهم بذلك كلها شر في شر.
إن مواقف الناس سواء الإيجابية أو السلبية في هذه الحياة تجاه المتغيرات والأحداث هي من تحدد إلى أي قسم ينتمون. فتلك المواقف والأحداث والمتغيرات كفيلة بإظهار نزعة الخير ونزعة الشر لدى كل شخص. وعادةً ما يتميز أصحاب نزعة الخير بالاعتدال والوسطية والتوازن في مختلف مواقفهم أياً كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية. فنزعة الخير تحول بينهم وبين التطرف والتشدد والتعصب. كون هذه الأمور هي مفاتيح أبواب الشر ' لأن نتائجها وإفرازاتها لا يفوح منها إلا الشر. ويتميز أصحاب نزعة الشر بالتطرف والتشدد والغلو والتعصب في مختلف مواقفهم أياً كانت. فنزعة الشر تحول بينهم وبين الاعتدال والوسطية والتوازن، كون هذه الأمور هي مفاتيح أبواب الخير ' لأن نتائجها وإفرازاتها تحمل في طياتها كل الخير.
وبذلك، فإن من تتسم مواقفهم بالعدوانية والسلبية فإنهم يُغرِقون أنفسهم في مستنقع الوحل، ولا يمكن لهذا النوع من الناس أن يحلقوا في سماء السمو والرفعة. فالوحل يجذبهم إليه ويمنعهم من الارتقاء والعلو والسمو الأخلاقي. فكيف يمكن لمتطرف أو متشدد أو متعصب أو شرير أن يخرج نفسه من وحل وضحالة التطرف والتشدد والتعصب والشر. فالتطرف لا يقود إلا إلى المزيد من التطرف، والتشدد لا يقود إلا إلى المزيد من التشدد، والتعصب لا يقود إلا إلى المزيد من التعصب، والشر لا يقود إلا إلى المزيد من الشر. وكذلك حال الوحل فهو طبقات بعضها فوق بعض، من سقط فيها غاصت قدماه وغرق، ليعيش حياته في مستنقع الوحل والسلبية مكبلاً بقيود التطرف والتشدد والتعصب ونوازع الشر التي تحول بينه وبين الإنطلاق نحو آفاق الفكر والمعرفة الفسيحة، والتي تمنعه من التحليق والسمو والعلو في مدارج الحياة والعلم والمعرفة والأخلاق.