Image

فشل الأدوات يدفع اليمنيين للجهاد من أجل البقاء .. انهيار جديد للعملة ينعش فساد الكبار

تشهد المناطق المحررة تراجعًا مخيفًا في مستوى المعيشة للسكن على وقع الانهيار الجديد للعملة المحلية امام العملات الأجنبية، الذي ينعكس على أسعار السلع الاستهلاكية والبضائع وسط غياب المعالجات الحكومية، ما يجعل اليمنيين يجاهدون من أجل البقاء.

انهيار جديد للعملة .. الأسباب 
وشهدت المناطق المحررة خاصة العاصمة  المؤقتة عدن ،السبت، انهيارًا جديدًا للعملة المحلية "الريال" أمام العملات الأجنبية، مسجلًا 1732 ريالا للدولار الواحد، فيما سجل 457 ريالًا مقابل الريال السعودي، ما يجعله مؤشرًا خطيرًا ستنعكس آثاره على أسعار السلع الاستهلاكية والبضائع، والخدمات، وحياة المواطن المعيشية.
ووفقا لمصادر مصرفية بعدن، فإن الانهيار الجديد جاء على وقع أزمات الخلافات في اطار المكونات السياسية في اطار الحكومة المعترف بها دوليًا، وحالة الركود الاقتصادي الذي تعيشه المناطق المحررة، وإحجام المانحين الايفاء بالتزاماتهم التي تعهدت بها لليمن سابقًا، وتراجع المساعدات المقدمة من المنظمات والهيئات الدولية على وقع ازمة تمويل.
ووفقًا للمصادر، تظل حالة الفساد ونهب الأموال العامة من الإيرادات هي السبب الرئيسي والأول لتواصل انهيار العملة المحلية، إلى جانب فشل الجهات الرسمية المختصة في احتواء الازمة، وفرض الإصلاحات التي تعهدت بها أمام المانحين، فضلًا عن اعتبارها انعكاسًا متوقعًا للضغوط التي تمارسها دول إقليمية لفرض رؤية سلام تخدم مصالحها، ومليشيات الحوثي الإرهابية "وكلاء ايران".
وإلى جانب الأسباب التي يتم تداولها منذ بداية انهيار العملة منذ عامين، والمتمثلة بتأثر الوضع بتوقف تصدير النفط والغاز نتيجة استهداف الحوثيين، والحرب التي تشنها الجماعة ضد الاقتصاد اليمني، وحالة انقسام العملة وارتفاع قيمة الحوالات المالية الداخلية، وحرب البنوك بين صنعاء وعدن، وتأثر البلاد بالهجمات الحوثية على الممرات المالية، والأزمات العالمية مثل حرب اوكرانيا وغيرها من الاسباب المعروفة.

انعكاس الأثر على المواطن
ويتوقع مختصون في الاقتصاد الاجتماعي، حدوث كارثة حقيقية فيما يخص المعيشة اليومية للمواطن البسيط جراء استمرار انهيار العملة التي تجر وراءها العديد من العوامل المؤثرة على مائدة المواطن.
ويشيرون إلى أن حدوث ارتفاع جديد في أسعار السلع الاستهلاكية خاصة اليومية، والبضائع ذات الأهمية الحياتية، سيكون له أثر كبير على حياة المواطنين من البسطاء في المناطق المحررة وغير المحررة، والتي ستقود إلى عجز عديد من الأسر على توفير الوجبات الغذائية اليومية.
ويؤكدون بأن أي ارتفاع في اسعار السلع في ظل انعدام مصادر دخل وتوقف الرواتب عند مستويات معينة منذ ما قبل فوضى 2011، سيقود عدد من الأُسر المعتمدة على المرتبات وهي غالبية عظمى في عدن والمناطق المحررة، الى المجاعة الحقيقية، إلى جانب حدوث تبعات اجتماعية في ظل عجزها الوفاء بالتزاماتها الاخرى مثل الايجارات ومصاريف المدارس، والعلاجات، ومتطلبات المناسبات الدينية مثل التعياد.

فشل الأدوات 
ويرجع مراقبون استمرار الازمات المعيشية والاقتصادية بما فيها انهيار العملة المحلية، إلى فشل الإدارة التي تعتمد عليها الأدوات المختارة من قبل إحدى الدول الشقيقة التي ساند تلك الأدوات في التحرر من مليشيات الحوثي خلال الأعوام الماضية.
وأفادت بأنها اعتمدت على أدوات ومكونات لا تمتلك خبرات في الإدارة والسياسة والقيادة وإدارة البلدان، وغيَّبت مكونات لديها رصيد سياسي وإداري وتحظى بثقة اليمنيين، اأامر الذي تدى إلى ما تعيشه المناطق المحررة من أوضاع مأساوية في شتى المجالات.
وما هو مؤكد لدى جميع اليمنيين والعالم المهتم بالشأن اليمني، فإن تلك الادوات عملت خلال سنوات ما بعد تحرير عدن وغيرها من المناطق المحررة، على تقاسم الثروة والسلطة بينها، واهملت السكان، حيث ظلت السعودية تقدم الدعم المالي والعسكري والسياسي لتلك الأدوات، الأمر الذي جعلها تتجاهل ما يعانيه المواطن من أزمات ضاربة بكل معاناة السكان عرض الحائط في سبيل الاستئثار بالمناصب والأموال.
وفيما كان رصيد البنك المركزي في عدن من العملات الاجنبية ينفد، كانت تلك الادوات تنمي أرصدتها في بنوك دول أخرى بالعملات الصعبة التي يتم نهبها من البنك المركزي بطرق غير مشروعة، خاصة الأموال المقدمة من المانحين على هيئة هبات ومنح وودائع ومساعدات إنسانية، وتنموية.
ووفقًا للوقائع المعاشة في المناطق المحررة، فإن تلك الأدوات التي تنافست على الفساد في اطار الخدمات العامة، لم تجد الرادع الحقيقي من قبل السلطات العليا المختصة ولا الجهات الداعمة لها إقليميا، ما أدى إلى انهيار تلك الخدمات، وعلى راسها الكهرباء، وهو ما أكده رئيس الحكومة الحالي احمد بن مبارك خلال تصريحه الأخير حول أزمة الكهرباء التي تشهدها عدن.

حلول مطلوبة بشكل عاجل
وفي هذا الاطار يؤكد عدد من الاقتصاديين، بأن اسرع وسيلة للحد من استمرار انهيار العملة المحلية، هو إجبار تلك الأدوات والمكونات التي تنهب المال العام، على توريد كامل لعائدات الدولة إلى البنك المركزي في عدن، وإيداع دخل البلاد في خزائن البنك، وليس في بنوك خارجية.
ويتابعون، بأن اهم اجراء آخر، إيقاف التعيينات في مناصب عليا، ومراجعة المرتبات التي تُصرف للموظفين المتواجدين خارج البلاد وتحويلها من العملات الصعبة إلى الريال اليمني، وتقليص عدد البعثات الدبلوماسية والموظفين في السفارات والقنصليات والذين يفوقون ما كان عليه الوضع قبل فوضى 2011 بأربعة اضعاف.
وإلى جانب ذلك، يرى الاقتصاديون، أنه يجب البدء بمعالجات قضايا الفساد والحد من انتشاره في مؤسسات الدولة خاصة الإيرادية منها، والحد من عمليات نهب المال العام خاصة في العاصمة المؤقتة عدن التي لا يتم توريد أي مبالغ من الجهات والمؤسسات الحكومية وإنما يتم توزيعها على قيادات ميدانية محسوبة على أحد المكونات، وكذلك في مأرب وتعز وحضرموت والمهرة.

فساد الأدوات 
وتشهد المناطق المحررة فسادًا كبيرًا تديره الأدوات التي اعتمدت عليها السعودية في إدارة تلك المناطق، ومنها نهب المال العام من المنافذ الرسمية والجمارك ومصلحة الضرائب، وإقرار مناقصات ومشاريع وهمية باعتمادات مالية يتم تقاسمها دون تنفيذ تلك المشاريع، نهب ومصادرة المرتبات، وفرض جبايات المركبات في الطرقات، وفرض إتاوات مالية على أصحاب المحلات التجارية والأسواق بمن فيهم أصحاب البسطات، نهب الأراضي والمتاجرة بها، والمتاجرة بالخدمات مثل الكهرباء والمشتقات النفطية، والمتاجرة والمضاربة بالعملة، رفع قيمة الحوالات المالية الداخلية وتقاسمها مع مليشيات الحوثي، تسهيل عمليات تهريب المخدرات والممنوعات والأسلحة إلى مليشيات الحوثي مقابل أموال طائلة، المتاجرة بالأسلحة المختلفة، ومصادرة المنح والمعونات الانسانية، وغيرها من طرق الفساد.

صراع من أجل البقاء
وفي ضوء ما يجري من عمليات فساد، وانهيار الخدمات وفشل الحكومة في إدارة الأزمات، يبقى المواطن يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، ومع استمرار انهيار العملية وما يترتب عليه من انعكاسات، ستدخل البلاد مرحلة جديدة من الصراع.
فالأوضاع تؤكد بأن من يديرون المرحلة لم يتمكنوا من قهر الأوضاع، بل من قهر المواطن، وإذلال المجتمع بسلاح الفساد، ومصادرة الحريات والتنكيل والبطش بحق كل من ينتقد فسادهم، وهي ذات الطريقة التي تتبعها مليشيات الحوثي مع سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ومنذ عقد ونيف يصارع اليمنيون من أجل البقاء في ظل حكومات تصادر منهم حتى المساعدات الغذائية المقدمة لهم دوليًا، وتتاجر بمعاناتهم في المحافل الدولية، وتتقاضى مبالغ مالية تزيد من ثراء ورفاهية أُسرهم المتواجدين خارج البلاد.
"رُفعت الأقلام وجفت الصحف" في وجه تلك المكونات والأدوات كيفما كان شكلها وأناقة ملابسها وجمال مظهرها ونعومة ملمسها وحلاوة منطقها وبلاغة كذبها، فإنها تبقى مجرد أدوات بيد محركها، ويظل الشعب صاحب القرار.