Image

هل يمكن الحد من صعود المستثمرين السلبيين في أسواق الأسهم؟

كتب جون بوجل، المؤسس الراحل لشركة فانجارد للاستثمار ذات مرة: «لا تبحث عن الإبرة وسط كومة القش. عليك بدلاً من ذلك أن تشتري الكومة كلها». مزحته تلك، أصبحت الآن حكمة تقليدية. فقد أنهت الصناديق المشتركة وصناديق التداول في البورصة الأمريكية، التي تتصف باستراتيجية سلبية في إدارتها، وتحاكي مؤشرات السوق بشكل عام، العام الماضي وفي حوزتها أصول أكثر من الصناديق النشطة، وذلك بعد أعوام من التدفقات القوية.

ورغم أن العديد منها لا يزال يروج لمهارته في انتقاء الأسهم والسندات، فإن مديري الصناديق النشطة لا يحققون عوائد تتفوق على السوق إلا نادراً. وعلى المدى الطويل يفوز مؤشر السوق، ما يبرهن على صحة نصيحة جون بوجل. فلم المخاطرة إذن بالمال، على أمل اكتشاف «غوغل» أو «أمازون» التاليين، فيما يكون الاستثمار في كل شيء أكثر أماناً وربحاً.

هذا هو السؤال الذي يخشى مديرو الصناديق النشطة أن يطرحه كثير من المستثمرين على أنفسهم الآن. مع توسع صناديق المؤشرات المشتركة ومنتجات صناديق الاستثمار المتداولة، التي تغطي مجموعة أصول ومناطق جغرافية عديدة، أصبح تحويل الأموال إلى صناديق ذات مؤشرات متنوعة أمراً بسيطاً. وتتيح تطبيقات الاستثمار القيام بذلك بنقرة واحدة. وبالنسبة للأسر الساعية لكسب المزيد من مدخراتها، فإن نمو هذه الأدوات الاستثمارية منخفضة التكلفة يعد أمراً جيداً لا تشوبه شائبة.

إن السعي وراء الأسهم اللامعة مكلف، وهو عمل ينطوي على بحوث مكثفة، ويستلزم نموذج أعمال قائماً على دفع رسوم أعلى. ولقد تآكلت التدفقات التي كان يشهدها المديرون النشطون، في ظل أداء ضعيف على المدى الطويل وجاذبية الاستراتيجيات السلبية الأقل تكلفة. وتشكل هذه الأخيرة 40% من إجمالي صناديق الأصول حول العالم البالغة قيمتها 45 تريليون دولار وتتابعها «مورنينغ ستار»، بزيادة كبيرة عن 14% في 2008. ويخفض الكثيرون التكاليف ويعملون على إعادة الهيكلة. وفي نتائجها السنوية المُعلنة هذا الأسبوع، كشفت «أبردن» التي تتخذ من إدنبرة مقراً لها، خططاً لخفض 500 وظيفة لديها في ظل خروج تدفقات كبيرة.

ويشعر عاملون في الصناعة وبعض خبراء الاقتصاد بالقلق من أن استمرار تدفق الأموال إلى صناديق «الشراء والاحتفاظ» يضر بالأسواق المالية. وعند تجاوز الأمر مرحلة معينة، يرى هؤلاء أن نقص وجود المستثمرين النشطين الذين ينخرطون في التخلص من الشركات المبالغ في تقييمها أو المقومة بسعر بخس يمكن أن يؤدي إلى سوء تخصيص أكبر لأموال المستثمرين.

لكن الأمر لا يعدو كونه قلقاً نظرياً في الأوقات الراهنة. وعملياً، لا يزال المديرون النشطون يهيمنون على الصناعة العالمية. وقد يكون توليد عوائد أعلى من السوق أمراً صعباً، خاصة حينما تكون الأسواق خاضعة لسيطرة حفنة من الأسهم، لكن الفرص لم تختف بين عشية وضحاها. وما زالت المؤسسات الاستثمارية الكبيرة، مثل صناديق معاشات التقاعد، ترغب في ضخ مزيد من أموالها في الاستثمار. وفي حقيقة الأمر، يظل هناك كثير من الاهتمام بالتداولات التي تتفوق على أداء السوق. ولأغراض القياس، فإن عدد صناديق التحوط، التي تتبع استراتيجيات تنطوي على قدر أكبر من المخاطرة لمستثمرين معتمدين، يفوق حالياً عدد مطاعم «برغر كينغ» على مستوى العالم.

إنها صناعة تقوم على المنافسة الضارية. وتتنافس الصناديق النشطة في مواجهة الاستراتيجيات السلبية التي يصعب التغلب عليها، وتنخرط في تداولات ذات محصلة صفرية مع لاعبين نشطين آخرين. وفي كل مجازفة، ثمة خاسر يقرر الذهاب إلى الجانب الآخر من الرهان. وبحسب «مورنينغ ستار»، فقد تفوقت 27% من صناديق الأسهم العالمية مرتفعة رأس المال على الصناديق السلبية المكافئة منذ بداية 2023 وحتى يونيو. لكن على مدار 15 عاماً، لم يتغلب منها على الصناديق السلبية سوى 3%. ويصعب إلقاء المتداولين النشطين باللوم على المستثمرين في تحولهم صوب الاستراتيجيات التي تحاول محاكاة أداء مؤشرات السوق. ويتطلب بقاؤهم إثبات قدرتهم على جني المال.

ويعد خفض الرسوم عن طريق تقليص تكاليف الأعمال أحد الخيارات لتعزيز احتمالات تحقيق عوائد تتخطى السوق. ووجدت بعض الصناديق فرصاً أكبر في التغلب على المؤشرات الرئيسية في سوق السندات، وفي بعض القطاعات المتخصصة في سوق الأسهم. أما آخرون، مثل «سيتاديل» و«دي شو»، فقد وظّفوا ألمع العقول الضليعة في السوق أو استعانوا بالتكنولوجيا، بداية من الذكاء الاصطناعي إلى التداول عالي التردد، لجني أرباح تفوق عوائد السوق. ومن شأن عدم اليقين الاقتصادي السائد حالياً واحتمالية بقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة لمدة أطول، أن يخلق تقلبات تنتعش بها أحوال المتداولين المتربصين.

ومع ذلك، فمن المستبعد أن يحيد المستثمرون عن نصيحة بوجل الآمنة والسليمة دون سبب وجيه. ويعني ذلك أنه إذا أراد منتقو الأسهم الاستمرار والازدهار فعليهم العمل بشكل أكبر وأكثر نشاطاً.