Image

تراجع معدلات الخصوبة خطر يستوجب قلق اقتصادات العالم المتقدم

بحلول نهاية هذا القرن، يمكن أن يتقلص عدد السكان في كل دول العالم تقريباً، وعلى الرغم من أن الناس يعيشون حياة أطول بسبب التقدم في مجال الرعاية الصحية وتراجع معدلات الفقر، فإنهم أيضاً ينجبون عدداً أقل من الأطفال.

وعلى مدى الخمسين عاماً الماضية، انخفض معدل الخصوبة العالمي، وهو مجمل عدد المواليد لكل امرأة، إلى النصف تقريباً، ليصل إلى 2.3، وفي معظم الاقتصادات المتقدمة، أصبح هذا المعدل أقل بكثير من معدل الإحلال البالغ 2.1، إذ يستبدل السكان أنفسهم من جيل إلى آخر، مع الأخذ في الحسبان معدل الوفيات.

وتسير الدول النامية على مسار هبوطي مماثل، والنتيجة المترتبة على ذلك انخفاض عدد السكان في سن العمل في جميع أنحاء العالم المتقدم، الأمر الذي سيترتب عليه تكاليف اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة إذا تُرك من دون معالجة، ويلقي بعضهم باللوم على النظرة المستقبلية القاتمة لدى جيل الألفية وجيل زد، من الأضرار التي قد يلحقها أطفالهم بالمناخ، وكذلك الأضرار التي قد يلحقها المناخ بهم.

وفي حين اكتسبت الحياة الخالية من الأطفال جاذبية بين بعض الشباب لأسباب متعددة، فإن الغالبية العظمى ممن هم دون سن الثلاثين في أمريكا الذين ليس لديهم أطفال ما زالوا يرغبون في إنجابهم.

ويرجع الانخفاض طويل الأمد في معدل الخصوبة في الغالب إلى اتجاهات اجتماعية واقتصادية إيجابية، أولها ارتفاع مستوى مشاركة المرأة في القوى العاملة على مستوى العالم ومستويات التعليم في نصف القرن الماضي، إذ أدّى ذلك إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، أو إنجابهم في وقت لاحق من الحياة.

وثانياً التنمية الاقتصادية وأنظمة الرعاية الاجتماعية الأفضل وانخفاض معدل وفيات الأطفال، أدى إلى تقليل الحاجة إلى إنجاب عدة أطفال لدعم الأمن المالي.

وفي العالم النامي، لا تزال معدلات الخصوبة أعلى من «المعدل المرغوب فيه»، وهو تقدير لما سيكون عليه معدل الخصوبة إذا تم تجنب جميع المواليد غير المرغوب فيهم وفقاً للبيانات التي جمعها البنك الدولي، ولكن في الاقتصادات المتقدمة، يميل الأزواج إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال الذين يريدونهم، وذلك لأن العقبات أمام تربية الأطفال قد زادت أيضاً.

وتأتي الاقتصادات الأكثر ثراءً والأعلى مهارة بتكاليف أكبر للتربية والرعاية، فتزداد متطلبات رعاية الأطفال والتعليم، كما أن تكاليف الفرص الضائعة بسبب رعاية الأطفال، سواء من ناحية فقدان الأرباح أو أوقات الفراغ، تكون أكبر هي الأخرى.

وكذلك، فإن الدخل المتاح اليوم في الاقتصادات المتقدمة لتربية الأطفال قد تقلص أيضاً، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ نمو الأجور، إذ ارتفعت أسعار المنازل، ولم يستمر دعم رعاية الأطفال في كثير من الأحيان.

وفي المملكة المتحدة، تشير بعض التقديرات، إلى أن تكلفة تربية طفل حتى سن 18 عاماً تزيد على 200 ألف جنيه إسترليني، ويبلغ متوسط سعر المنزل الأول في بريطانيا نحو 244 ألف جنيه إسترليني.

ينبغي عدم الاستهانة بتأثير انخفاض معدلات المواليد، وسيقع عبء الإنفاق على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية لكبار السن على عاتق القوى العاملة المتقلصة، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الضرائب، وستتعرض المالية العامة لضغوط أكبر أيضاً، وقد يؤدي انخفاض عدد الشباب في سوق العمل إلى الحد من الابتكار ونمو الإنتاج.

ويدفع الشعبويون بسياسات «تشجيع الإنجاب»، ومن ذلك الإعفاءات الضريبية لإنجاب الأطفال، وهو حل مقترح، ولكنها لا تشوه خيارات المرأة فحسب، بل إن هناك القليل من الأدلة على نجاحها.

ويتعين على الحكومات والشركات بدلاً من ذلك أن تبذل المزيد من الجهود لتذليل العقبات أمام الراغبين في إنجاب الأطفال، وخاصة عبر منح الآباء والأمهات العاملين مزيداً من المزايا المشجعة على تربية الأبناء، ويشمل ذلك تعزيز دعم رعاية الطفل، وإزالة العوائق أمام حوافز العمل في النظام الضريبي، وتحسين استحقاقات إجازة الأبوة.

ومع ذلك، فإنه حتى الدول الاسكندنافية التي تطبق سياسات صديقة للأسرة، تشهد  انخفاضاً لمعدلات المواليد، ومن غير المرجّح أن يؤثر اتجاه القوى الاقتصادية والاجتماعية التي تقف وراء انخفاض عدد المواليد على المدى الطويل.

وتشير الدراسات، إلى أن العوامل البيئية قد تؤثر أيضاً في الخصوبة، ويمكن أن تكون الهجرة حلاً، ولكن سياسات الدول لا تزال عائقاً، وهي ليست سوى خيار قصير الأجل لدعم القوى العاملة مع اقتراب الدول النامية من الشيخوخة أيضاً.

وفي نهاية المطاف، سيتعين على الدول الغنية الاعتياد على عدد أقل من الشباب، ما يعني أن العمال الأكبر سناً والذكاء الاصطناعي والأتمتة سيتعين على ذلك تعويض الفجوة السكانية.