Image

ما بين التقييم السري والأطماع التاريخية لإيران في اليمن .. "الملاحة والنفط والمناطق المقدسة" .. مقومات قيام إمبراطورية فارس الشيعية

كشف تقييم سري للحرس الثوري الايراني عن اهداف ايران الاستراتيجية في اليمن والمنطقة خلال المرحلة المقبلة، مشيرا إلى ان السيطرة على مأرب والتحكم بحركة الملاحة في باب المندب من اهم أهداف تلك الاستراتيجية، في حين ان اطماع ايران في اليمن لم تكن وليدة اللحظة بل لها جذورها التاريخ واهدافها الدينية..

التقييم السري الحديث
كشف تقييم سري للحرس الثوري الإيراني عن استراتيجية إيران لمرحلة ما بعد الحرب السيطرة والمتمثلة في السيطرة على محافظة مأرب " الغنية بالموارد النفطية.
وأكد التقييم السري الذي أعده النائب الثقافي والاجتماعي للحرس الثوري الإيراني ومكتب دراسات السياسة الخارجية والأمن والدفاع في ١٤ أيلول سبتمبر ٢٠٢١، ان الاستراتيجية الإيرانية لاتزال فعالة في اليمن حتى الآن، مشيرا الى أن هذه الاستراتيجية تهدف الى تحقيق ثلاثة أهداف في اليمن تتمثل في انهاء التحالف السعودي مع الحكومة الشرعية، والسيطرة العسكرية على محافظة "مأرب" اغني المدن اليمنية بالموارد النفطية وتكريس النفوذ الإيراني في مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات المائية في العالم .
واعتبر التقييم السري للحرس الثوري الإيراني الذي كشف النقاب عنه وكالة " شيبا انتلجنس الاستخباراتية "أن " السيطرة على محافظة مأرب ستمثل إنجازا كبيرا للحوثيين في مستقبل المفاوضات في اليمن" منوهًا الى أن "الوضع الجيوسياسي الخاص لمأرب، ودخول قوات الحوثيين إليها نهاية تحالف السعودية مع الحكومة اليمنية".
 
هدف إيران الجيوسياسي الأوسع
وبالعودة قليلًا إلى الوراء وبالتحديد إلى 2021، حيث نشرت "مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث والتحليلات" تقريرّا حينها تناولت فيه، ما اسمته الهدف الرئيسي لإيران في اليمن بعد فوضى 11 فبراير، وخروج الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح من الحكم، حيث كان يشكل عقبة كبيرة أمام اطماعها في البلاد والمنطقة.
ووفقا للتقارير، فأن الهدف الرئيس لإيران يتمثل في استمرار الحرب الأهلية باليمن، وتجميد العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية، باعتبار ذلك يخدم أغراض وأهداف ايران الجيوسياسية الأوسع في المنطقة.
واشار إلى ان "وضع اليمن المضطرب يخدم عدة أغراض لأهداف إيران الجيوسياسية الأوسع، ومنها اغراق السعودية بالوضع اليمني، ويزيد أيضاً من فرصة عبور العناصر الارهابية عبر الحدود اليمنية".

بداية تحقيق هدف ايران الرئيسي
وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، اطلقوا سراح العناصر الايرانية وحزب الله الذين كانوا في سجون اليمن، وقاموا باطلاق رحلات بين صنعاء وطهران، فقبل نكبة 11 فبراير وخروج الرئيس علي عبد الله صالح، كانت الدولة اليمنية عاملة، مما جعل التسلل والدخول الإيراني إلى البلاد أصعب بكثير مما كان عليه في فترة ما بعد 2011، عندما انهارت الدولة تقريباً.
ويذكر التقرير، بان ايران استغلت ضعف الوضع في اليمن لتعزيز تواجد وكلاءها، حيث أصبح الوصول إلى اليمن أسهل بشكل ملحوظ بعد 2011، عندما انهارت الحكومة تقريباً، وخلقت حينها طرق تهريب لدفع العتاد إلى اليمن دون مخاطر أو تكلفة عالية.

مدينة الحديدة
واعاد التقرير التذكير بأهمية مدينة الحديدة الساحلية بالنسبة للمشروع الايراني، حيث يشير إلى ان الحديدة تظل وظلت نقطة دخول حاسمة للمعدات الإيرانية المرسلة عن طريق البحر، ومن المحتمل أن تكون أكبر نقطة دخول للإمدادات الإيرانية المرسلة إلى قوات الحوثيين. ولذا ردت إيران على زحف القوات اليمنية والتحالف تجاه الحديدة من خلال تزويد الحوثيين بأسلحة متطورة بشكل متزايد، وتمكنت من افشال تحريرها في 2018، باعتبارها اقرب نقطة بحرية لدول الخليج.

بعد هدنة 2022
وبعد حصول الحوثيين على هدنة اممية في ابريل 2022 والتي بموجبها توقفت العمليات العسكرية للتحالف العربي، توسع التدخل الايراني في اليمن، بحيث اصبح دورها لا يقتصر على ارسال مستشارين وخبراء واسلحة، بل ارسلت قيادات من الحرس الثوري وحزب الله لادارة البلاد والمرحة المقبلة.
وخلال الفترة التي تلت الهدنة ارسلت ايران شحنات صواريخ باليستية ومسيّرات نوعية، عرضتها المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، خلال احدى جلسات مجلس الامن ما اعتبرته انتهاكا للقرار 2216 الأممي.
واصبحت ايران بعد ذلك تجاهر رسميا بدعمها للحوثيين وتدخلها في اليمن، من خلال التصريحات التي اطلقتها قيادات سياسية وعسكرية ايرانية، واعتبار البحر الأحمر منطقة ايرانية، وان صنعاء احدى العواصم العربية الواقعة تحت نفوذها.

صالح .. سد منيع 
ويشير تقرير للعربية نت نشر في 2018، الى ان استراتيجية إيران بدت واضحة في التوغل باليمن منذ أن أيدت عمليات الحوثيين ضد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر من العام 2017، واعتبرت استشهاده اكبر منجز لاستقرار ذراعها الحوثيين في البلاد.
ووفقا للتقرير فإن صالح كان يشكل عقبة كبيرة امام تحقيق اطماع واستراتيجية ايران في اليمن، 

استهداف الملاحة .. قرار ايراني قديم
لم يكن استهداف مليشيات الحوثي الارهابية لسفن الملاحة في البحر الأحمر وليد اللحظة كما تدعي الجماعة بانها تأتي دعما لقطاع غزة بفلسطين المحتلة، بل كانت مخططا ايرانيا رسم عقب استشهاد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في 2017، حيث كشف حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحسوبة على المرشد الإيراني علي خامنئي حينها عن توجيهات إيرانية للحوثيين قائلا بأنه "في المستقبل القريب ستقوم جماعة الحوثي  باستهداف ناقلات النفط والتجارة السعودية وغيرها في "باب المندب وخليج عدن ".
وخلال تلك الفترة بدات ايران بتنفيذ عمليات تنسيق واسعة لعناصرها الارهابية في المنطقة خاصة في العراق ولبنان، بشأن تنفيذ خطط استراتيجية تخدم اهدافها في المنطقة انطلاقا من اليمن، وعبر حدوده البحرية والبرية.
واعتبرت اوساط ايرانية رسمية حينها ان اليمن اصبح عمقا استراتيجية لايران، رغم عدم وجود أي عتبات مقدسة فيه ولا جارا لاسرائيل، لكنه يشكل اهمية استراتيجية لأهداف الثورة الاسلامية الايرانية حسب وصفها.

شواطئ المتوسط وباب المندب
وفيما تواصل الدعم العسكري الايراني للحوثيين، فقد اندرج ذلك في إطار المشروع الإيراني الجديد الذي أعلن عنه زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" العراقية، قيس الخزعلي، مؤخرا عن هدف المحور الإيراني لتشكيل "بدر شيعي" بعد اكتمال "الهلال الشيعي" في المنطقة، في وقت تتحدث فيه إيران عن احتلال أربع عواصم عربية وامتداد نفوذها إلى شواطئ المتوسط وباب المندب.
وأكد الخزعلي أنه في المستقبل "ستكون الفرق القتالية قد اكتملت"، مشيراً إلى تنسيق ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، بهدف اكمال مشروع "البدر الشيعي"، لاحياء "الامبراطورية الفارسية " للسيطرة على المنطقة ولكن بغطاء شيعي هذه المرة.

أطماع ايران التاريخية في اليمن 
يرى مراقبون بان ما تمارسه إيران ليس طموحات سياسية واقتصادية يحق لكل دولة أن تقوم بها بالوسائل المشروعة، بل هي أطماع واسعة تتعدى حقوق الآخرين.. فقد اتخذت السياسة الخمينية الإيرانية التوسعية مساراً عدائياً تصادمياً عبر خطين متوازيين:
الخط الأول: ممارسة العنف والتصعيد ضد العدو الحقيقي الدائم، وهم المسلمون السُّنة والعرب.
الخط الثاني: إظهار العدو الوهمي (إسرائيل وأمريكا) بمظهر العدو الحقيقي الدائم؛ كغطاء لإخفاء حربها الحقيقية على عدوها الرئيسي، ووسيلة لممارسة الخداع ضده.
وبالنسبة لليمن فإن لها خصوصية دينية وتاريخية لدى إيران، وترتكز الخصوصية الدينية على ما تسمى "الثورة السفيانية" التي روّج لها العلامة الشيعي علي الكوراني العاملي في كتابه (عصر الظهور)، ومضمونه يتحدث عن ثورة ستكون في اليمن، ووصفها بأنها "أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق"، وتحدد الروايات الشيعية وقتها بأنه "مقارب لخروج السفياني في شهر رجب، أي قبل ظهور المهدي ببضعة شهور"، وأن عاصمتها صنعاء، أما قائدها - المعروف في الروايات باسم (اليماني) - فتذكر روايةٌ أن اسمه (حسن) أو (حسين)، وأنه من ذرية زيد بن علي.
أما عن الخصوصية التاريخية، فإن اليمن كانت ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية قبل أن يحررها الإسلام. ومن هذا المنطلق تتداخل الأهواء الدينية والأطماع التاريخية مع بعضها البعض في عملية صياغة وتحديد مسار السياسة الإيرانية في اليمن.

بوابة الحوثيين
ويرى المراقبون أن أصابع إيران لم يكن لها أن تتغلغل في اليمن لولا وجود عوامل موضوعية تساعدها على ذلك، وأهمها الحركة الحوثية؛ حيث تلعب الحركة العامل الأبرز في تمدد إيران وتوسعها في اليمن.
ولهذا؛ فإن جهود إيران انصبت - منذ قيام الثورات العربية المعروفة باسم (الربيع العربي) - على تقوية واقع الحركة إعلامياً، وتسليحاً وسياسياً وعلى المستوى المالي.
وأشارت تقارير دولية - في السنوات القليلة الماضية - إلى قيام إيران بإنشاء قاعدة لها في إريتريا لمد الحوثيين بالسلاح عبر رحلات بحرية إلى المناطق القريبة من سواحل مينائي مِيِدي واللُّحَية القريبين من صعدة.
وهناك أنباء تشير إلى قيام السفن الإيرانية الموجودة في منطقة خليج عدن - بحُجة المساهمة في مكافحة القرصنة - إضافة إلى سفن تجارية إيرانية؛ بتهريب كميات من الأسلحة عبر قوارب صيد يمنية إلى داخل اليمن.
إن تحقيق نفوذ إيراني في اليمن لا يمكن أن يتم في ظل وحدة مجتمعية ودولة مهيمنة ومستقرة؛ لذلك فهي تسعى في سبيل تقوية حلفائها إلى تفجير الأوضاع العسكرية في اليمن، وإيجاد حالة من الفوضى العارمة التي يمكن معها إعادة صياغة موازين القوى.
وسعت إيران من خلال أنشطتها التوسعية داخل اليمن إلى تحقيق عدة أهداف، ومنها الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، وزيادة قوتها الإقليمية، فقد عمدت الى ارسال فرق من الحرس الثوري وحزب الله إلى ميناء ميدي في حجة لتطويره وتحويلها إلى قاعدة للسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب.

قضية عالمية
وقد سبق وكشف تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الصادر بتاريخ 26 يناير 2018 أن النفوذ الإيراني في اليمن لم يعد قضية إقليمية بقدر ما أصبح قضية عالمية، وأشار التقرير إلى مخلفات قذائف ومعدات وطائرات عسكرية مُسيرة من أصل إيراني جُلبت إلى اليمن، كما تم إمداد جماعة الحوثيين بقذائف تسيارية قصيرة المدى من طراز بركان إتش 2 وصهاريج خزيم ميدانية لمؤكسد سائل ثنائي الدفع للقذائف وطائرات عسكرية من نوع أبابيل –T قاصف1.
واليوم بات قضية النفوذ الايراني في اليمن لا تقتصر على هيمنتها على السواحل اليمنية، بل كونها قضية عالمية تتقاطع فيها مصالح المنطقة والعالم، وتؤثر على التوازنات الاقليمية واقتصاديات العالم.
من ثم يمكن القول إن اليمن يُعد بمثابة ساحة للتجاذب بين المصالح الإيرانية وتنافر قوى الداخل علاوة على الدور الأمريكي الذي صار من الثوابت الأساسية في حركة التفاعلات في الشرق الأوسط وأحد المكونات التي تعد من قبيل المسلَّمات السياسية.