Image

بدون قانون وبتكلفة اولية 100 مليون دولار.. "البطاقة الذكية" مشروع بلا هوية يمنية

في 30 نوفمبر 2023 وبدون "سابق انذار"، أعلن وزير الداخلية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ابراهيم حيدان، تدشين العمل بإصدار "البطاقة الذكية" في "عدن وتعز ومأرب وحضرموت والمهرة".
وبدون صدور "قانون" ينضم العمل بهذا المشروع الاستراتيجي النوعي الضخم، الذي تنفذه دول وأنظمة مستقرة لتقوم من خلاله بتنفيذ عمليات تخطيط استراتيجي لعملها على مختلف المستويات، بدأ العمل بالمشروع كبقية المشاريع المرصود لها مبالغ ضخمة، دون الرجوع إلى الأطر الدستورية والقانونية المنظمة للعمل الحكومي.

من المسيري إلى حيدان
يقول ضابط في مركز الإصدار الآلي في مديرية خور مكسر بعدن، "فضل عدم الكشف عن اسمه" لـ "المنتصف"، ان المشروع كان طرحها وزير الداخلية السابق احمد المسيري، الا انه اؤجل من قبل الحكومة والرئاسة حينها، باعتبار ان البلاد غير مهيأة لتنفيذ مثل هكذا مشروع استراتيجي ضخم.
ويتابع:" لقد فوجئنا بالوزير الحالي ابراهيم حيدان، وهو يدشن المشروع رغم اننا نعمل في اطار الاصدار الآلي الذي تم من خلاله اطلاق المشروع"، وتساءل قائلا :" متى تم اقرار العمل بالمشروع، وكيف واين تم تدريب العاملين عليه، ولماذا لم يتم الترويج له؟ هناك اسئلة كثيرة تدور حول هذا الموضوع .. حسب قوله.

أضخم مشروع .. ولكن!
ورغم اتفاق الجميع على ان المشروع يعد من اهم المشاريع التي تعمل بها معظم الانظمة والدول في العالم، لما له من اهمية في تنظيم ورسم الاستراتيجيات المختلفة، فضلا عن كونه أهم مشروع يخدم الأمن القومي للبلاد".
"الإ" .... ان يتم المشروع في ظل الظروف التي تعيشها البلاد من انقسامات وصراعات وحروب، وتكتلات سياسية وقتالية واجتماعية ... الخ، رغم الميزانية الضخمة التي رصدت له، ودون عمل دراسات ميدانية وتخطيط ومناقشته من قبل الجهات ذات العلاقة، يضع العديد من التساؤلات حول اطلاق المشروع بهذا التوقيت، وبهذا الوضع الذي لا توجد فيه مؤسسة دولة واحدة قائمة بكافة إداراتها وفروعها.
يقول ضابط الاصدار الالي بهذا الخصوص لـ"المنتصف" :" ان المشروع رصد له في مرحلته الاولى 100 مليون دولار، كميزانية تجهيزات، فيما لم يتم الكشف عن الشركة المنفذة ومقرها ومن يديرها، ونوع برامج الحماية فيها ".

مشروع مكشوف 
وفي هذا الصدد يقول احد الفنيين اليمنيين المتخصصين في البرمجة والتأمين الالكترونية وعضو في جمعية الانترنت في اليمن "فضل عدم ذكر اسمه"، لـ "المنتصف"، ان المشروع يحمل "الرقم الوطني الموحد" وهو مشروع جيد ونوعي، الا ان العمل به حاليا يشكل خطرا على الأمن القومي اليمني برمته.
ويتابع :" لم يتم تقديم أي معلومات حول الشركة المنفذة للمشروع، فضلا عن مقرها، ومن خلال الملاحظات الأولى لما تم تقديمه من روابط للحصول على استمارة البطاقة، اتضح لنا ان الشركة مقرها في دولة شقيقه وتديرها كوادر اجنبية، وان انظمة امنها لا ترقى إلى مستوى المحافظة على سرية معلومات وبيانات دولة".
من جانبه يقول الموظف في الاصدار الالي بهذا الخصوص:" ان جميع البيانات التي يتم تجميعها من قبل المتقدمين للحصول على البطاقة والرقم الوطني، إلى جانب التصوير يتم ارسالها إلى مقر المعلومات والارشفة الرئيسي التابع لمصلحة الهجرة والجوازات اليمنية المتواجدة في العاصمة السعودية الرياض، وهم يقومون بالموافقة والتصديق على الإصدار، وهذا الامر يحصل ايضا منذ سنوات مع اصدار الجوازات".

بلاد .. بلا سيادة
ومع مرور الايام يتكشف ما هو غير معقول وغير مقبول بأن البلاد تم تسليمها بكل مقوماتها ومعلوماتها لدول اجنبية، ولم يعد يوجد أي معلومات سرية ذات طبيعة امن قومي للبلاد، فمليشيات الحوثي الارهابية سيطرة على كل بيانات أجهزة الدولة المختلفة عند سيطرتها على صنعاء، ونقلتها إلى ايران، وطوعتها عبر فنيين من ايران وحزب الله لصالح خدمة مشروعها الطائفي.
وفي عدن، تم تسليم جميع المعلومات حتى وان كانت تخص قوائم الجيش والامن وجميع البيانات الخاصة بالأطباء والمهندسين والموظفين والعاملين والمواطنين، وحتى "المخبرين" إلى السعودية، من خلال هذا المشروع والمشاريع التي سبقته مثل قاعدة تشكيل القوات المختلفة، وقاعدة بيانات المرتبات  لموظفي الدولة بشقيه المدني والعسكري.
لم يعد لليمن أي تأثير استراتيجي في المنطقة بعد فوضى 2011، وتدمير نظام الدولة والحكم الذي كان قائم في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي بات اليمنيون اليوم "يندبون حظهم على ما فرطوا فيه"، فكل شيء بات يتحكم به "الاصدقاء الأعداء"، فهل يأتي هذا ضمن المخطط الذي رسم لتدمير البلاد؟؟

مكونات المشروع
يتكون المشروع وفقا لضابط الاصدار الالي، من استمارتين تحتوي على خانات يتمي ملأها بالبيانات والمعلومات حول المتقدم للحصول على البطاقة الذكية، فيما يتم تصوير المتقدم الكترونيا ، بعد الحصول على ضمانات من شخصين او ما يسمون بالوكلاء الضامنين للمعلومات التي تم تقديمها في الاستمارتين.
ويضيف :" بعد ذلك يتم ارسال المعلومات الى الرياض للحصول على الموافقة وعمل ارشفة لتلك المعلومات كي تكون مرجع مستقبلي حول صاحب البطاقة الذكية والتي تحمل "رقما وطنيا" سيكون لها دورا كبيرا في حياته مستقبلا، سيتم ربط جميع المعاملات الخاصة بها في جميع الجهات عبر ذلك "الرقم الوطني" بما فيها رقم "حسابه البنكي" ورخصة قيادة السيارة، الى جانب العديد من المعاملات التي تبدأ بالجامعة وتنتهي بالعيادة".
مشروع استراتيجي
وعن المشروع يتفق الجميع بانه استراتيجي ونوعي، الا ان يتم تنفيذه في ظل هذا الوضع وعبر شركة مجهولة متواجدة في دولة اخرى، هنا تكمن المشكلة والكارثة الحقيقية التي تفقد البلاد معنى الدولة في المستقبل القريب.
ويقول موظف الاصدار الالي:" المشروع طموح حيث يتيح "الرقم الوطني" الموحد فرصة رائدة للتحول نحو الحوكمة الإلكترونية، وطرق أبواب المستقبل إلى عالم المعاملات الإلكترونية، لتسهل الكثير منها".
ويضيف:" أن هذه الخطوة ستساهم وبشكل كبير في تقليص التلاعب والتزوير وتخفيض معدلات الجريمة وتسهيل تتبع المطلوبين أمنيًا، وأنها تأتي وفق متطلبات وأهداف الحكومة في المجال التكنولوجي والإلكتروني لتطوير البنية التحتية المعلوماتية في البلاد"، لكنها يتابع " كلها مرتبطة بالسعودية" وهنا تمكن الخطورة، وتكشف لماذا عملت على دعم الوزير حيدان بهذا المشروع وهو الذي كان مهددا بالاقالة.

أهمية البطاقة الذكية
تحمل البطاقة الشخصية الذكية تفاصيل دقيقة للأفراد لتكوّن قاعدة بيانات دقيقة تشمل معلومات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية، ومن المتوقع أن تعزز حوكمة الدولة وتعزز دور الحكومة الإلكترونية في توفير الخدمات والبحوث والمعلومات.
والبطاقة الذكية "ستساهم في رفع المستوى الأمني من خلال توحيد البيانات واحتوائها للبصمة العشرية للمواطن، لا سيما وأنها غير قابلة للطمس أو التلف أو التزوير".
ويؤكد الموظف في الاصدار الالي بعدن، ان عمليات اصدار البطاقة الجديدة تتم وفقا لقاعدة بيانات جديدة، حيث لم يتم الاعتماد على البيانات السابقة بالنسبة للبطاقة السابقة، بحجة ان البيانات ما زالت لدى الحوثيين بصنعاء، مشيرا إلى وجود ثغرة في هذا العملية وتتمثل بامكانية المتقدم للحصول على البطاقة تغيير "اسمه وعمره" وتصحيح النسب وغيرها من القضايا التي تحددها قوانين وتشريعات،، حاليا يكفي فقط ان يأتي بالضامنين الاثنين ليؤكدوا وتحصل على كل ما تريد من خلال الهوية حتى وان كنت اجنبي.!
.... اخيرا: وفي ظل هكذا مشاريع مفروضة على الحكومة واليمنيين، لا يمكن الحديث عن "سيادة ودولة ونظام وقانون يمني خالص" فالبلاد اصبحت ملوثة بالعمالة والمتاجرة بكل شيء حتى في "الهوية".