بدأت في 2015 واستغلت أحداث غزة لتوسيعها.. دراسة تكشف الدوافع والأهداف الحقيقية لإيران والحوثيين من استهداف الملاحة الدولية
تكمن مخاطر هذا المنظور أو ذلك في الآتي:
ـ احتمال بروز أزمات سياسية واقتصادية تحمل في طياتها مخاطر داهمة للعالم بأسره، إلا أن هذه المخاطر ستتعاظم في منطقة البحر الأحمر والمنطقة العربية والقرن الافريقي بالتأثير المتبادل، مع تأجج ظاهرة التنافس الدولي للهيمنة على المسطحات المائية التي ترتبط بالمنطقتين وبمحطات العالم (الخليج العربي – خليج عمان – البحر العربي – خليج عدن – باب المندب – البحر الأحمر) سعياً وراء الهيمنة على البحر المتوسط الذي يعتبر قلب الجزيرة المحيطية العظمى (أفريقيا – آسيا – أوروبا).
ـ يتعين أن يوضع في الاعتبار أن التواجد السوفيتي في البحر المتوسط، بمياهه الدافئة طوال العام، يشكل الركن الأساسي في العقيدة الاستراتيجية السوفيتية، سواء كان ذلك لروسيا القيصرية، أو لروسيا السوفيتية، أو حتى لروسيا الاتحادية وريثة النفوذ والقوة السوفيتية العظمى.
ـ وترتيباً على ذلك، ربما تصبح المنطقة، إما منطقة اصطدام عندما تصطدم هذه القوى في حرب لا يعلم أوزارها إلا الله، وتصبح المنطقة بأسرها كرة ملتهبة لا يستطيع مَن بداخلها التعامل معها، ولا يستطيع مَن بخارجها الاقتراب منها، أو أن تكون المنطقة منطقة التحام عندما تتفق هذه القوى على تقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينها.
ـ أما عدم استقرار المنطقة من الزاوية الأمنية الاقتصادية، فيرجع إلى استمرار هيمنة دول المنظومة الرأسمالية، والتكتلات الاقتصادية العملاقة على الاقتصاد العالمي، ذلك أن الأمن الجماعي الأوروبي يرتكز على دول جنوب المتوسط، بينما يرتكز الأمن الجماعي للتكتلات الاقتصادية العملاقة في شرق آسيا على دول القرن الأفريقي، والدول المتشاطئة على البحر الأحمر، لكن الأهم هو عدم قدرة أي دولة من هذه الدول على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي المنشود في المنطقتين بشكل منفرد، مهما كانت قوتها الشاملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعاظم التواجد والتدخل الأجنبي، وبالتالي يؤدي إلى ترسيخ ظاهرتي الاستقطاب والتبعية، وهو الانجذاب الحقيقي نحو التخلف.
حقائق واستنتاجات
من خلال القراءة السابقة تجلت لنا عدة حقائق واستنتاجات واعتبارات رئيسة مؤثرة إلى حد كبير على استقرار منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، يمكن اعتبارها بمثابة حقائق، كما أنها تشير إلى مدى أهميتها الجيوستراتيجية:
الأولى: تشير إلى أن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطقة العربية، خاصة دولها المتشاطئة على البحر الأحمر، بل إن بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية تعتبرهما كلاً واحداً لا يتجزأ، بحكم الاعتماد المتبادل بينهما، فالمتغير الذي قد يحدث في أي جزء منهما، يؤثر على جميع الأجزاء الأخرى سلباً أو إيجاباً، وبالرغم من ذلك فقد افتقرت المنطقتان إلى سبل التنسيق، والتعاون، والتكامل، وهي القيم الأساسية اللازمة لدرء المخاطر، والضرورية لإحداث الاستقرار والتقدم في المنطقة لتعود الفائدة للعالم اجمع.
الثانية: تشير إلى أن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن تعد من أكثر المناطق الإقليمية أهمية بحكم موقعها وثرواتها، إذ يزيد من أهميتها أنها تشرف على أكثر المسطحات المائية أهمية بالتكامل مع المنطقة العربية، سواء بالنسبة لاستراتيجيات القوى العالمية التي نشأت على مر التاريخ، أو بالنسبة لحركة التجارة العالمية، حيث أصبحت تحتوي على مصالح متعارضة متشابكة، فغدت وكأنها بؤرة تركيز، ومحط أنظار، بل ومسرح نشاط وتفاعلات هذه القوى وتلك الكيانات الاقتصادية العملاقة، فوجدت نفسها طرفاً في صراع القوى البحرية والقوى البرية في صورته الجديدة، حيث أصبحت في قلب ظاهرة “التنافس الاستراتيجي الدولي”.
الثالثة: تشير إلى أنه بالرغم من توفر جميع الاشتراطات التي تجعل من منطقة البحر الأحمر وخليج عدن نسقاً تفاعلياً واحداً، بحكم تواصلها الجغرافي الممتد، وبحكم تكامل وتماثل عناصرها الجغرافية، والاجتماعية، والثقافية، واللغوية، بل وتواجه مستقبلا واحداً، إلا أن دولها قد عجزت حتى الآن عن تأسيس نظام إقليمي يستحق أن يُطلَق عليه “النظام الإقليمي لمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
التوصيات:
وترتيباً على تلك نتائج الدراسة والحقائق والاستنتاجات، يمكن رصد أبرز التوصيات والمعالجات وهي كالآتي:
ـ بسط سلطة الدولة على كل شبر من أراضي اليمن وشواطئها البحرية، وتدعيم وجودها العسكري وتطوير منظوماتها الدفاعية البحرية والجوية؛ للحد من انتشار الاعتداءات الحوثية وتهريب الأسلحة، والأعمال الإرهابية، وأعمال القرصنة البحرية، وظاهرة تهريب البضائع والأسلحة والمخدرات، وتجارة البشر عبر سواحل البحر الأحمر وخليج عدن وغيرها؛ فهي تمثل تهديداً للأمن القومي في الحاضر والمستقبل.
ـ وضع خطط استراتيجية، واتخاذ إجراءات احترازية تجاه الوجود العسكري الحوثي الايراني في البحر الأحمر، وتقييم مدى تأثير هذا الوجود وتداعياته على الأمن الوطني العربي، والنتائج المترتبة عليه في كافة المجالات السياحية والاقتصادية والاجتماعية في الحاضر والمستقبل.
ـ التنسيق العسكري مع دول المنطقة، ومحاولة إقامة قوات بحرية مشتركة في البحر الأحمر، وزيادة الوجود في البحر الأحمر بشكل مؤثر وفعال؛ لتحقيق الأمن الذي يتطلب القدرة على المواجهة ولابد أن تكون قدرةً شاملةً؛ لأن أية سياسة أمنية يتطلب تحقيقها الاستناد إلى قوة عسكرية كافية وفعالة.
ـ العمل بالشراكة مع الدول العربية وغير العربية لحفظ الأمن والاستقرار في البحر الأحمر؛ باعتبار أن أمن البحر الأحمر ركيزة مهمة للأمن والاستقرار العربي ـ خاصةً في ظل طموح بعض القوى الدولية والإقليمية للتمركز في نقاط الاتصال بين الشرق والغرب.
ـ تكريس الوجود البشري والسياسي في الجزر اليمنية الموجودة في البحر الأحمرـ والبحر العربي خاصةً وأن بعض هذه الجزر غير مأهولة بالسكان وأن سكانها يعيشون في مستويات بدائية ومتدنية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية.
ـ مراجعة استراتيجية التحالف العربي الذي بنيت عليه القرارات الدولية في مطلع عام 2014 فكان قرار عاصفة الحزم موقفاً قوياً ومسنوداً بالقوانين والمواثيق الدولية لمواجهة خطر المتمردين الحوثيين على الملاحة الدولية وخطوط الإمداد البحري، وعليه فإن خيارات تأمين الملاحة البحرية في سواحل البحر الأحمر تتلخص في الآتي:
– تحرير السواحل اليمنية من سيطرة الحوثيين؛ والتي تمتد من الحديدة جنوباً حتى ميدي شمالاً، لكونها تمثل خطوط إمداد لوجستي، إذ تدعم إيران الحوثيين بالتقنيات والقطع العسكرية البحرية وغيرها مما بات يعرف بالطائرات المسيرة، فضلاً عن القدرات الصاروخية.
– مراقبة أنشطة السفن الإيرانية القابعة في عمق البحر الأحمر، وبالتحديد في أرخبيل دهلك الإرتيري. إذ يعتقد الباحث في معهد واشنطن، مايكل نايتسو، أن الجيش الإيراني يستخدمها لتزويد الحوثيين ببيانات استهداف؛ من أجل شنّ هجمات ضد سفن الشحن.
– السعي للحصول على قرار من مجلس الأمن يدين العمليات ويدعو إلى إخراج الحوثيين من المعادلات البحرية، بوصفهم تهديداً للأمن الدولي.
ـ عمل على تعزيز أمن الدول العربية التي تطل على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن بالوسائل الكفيلة.
ـ يمكن للدول العربية حماية منطقتها عن طريق العمل المشترك القائم على الاتفاقيات الأمنية؛ وذلك لسد الثغرات والذرائع وتفويت الفرص للمؤامرات التي تحاك ضد الامن القومي العربي.
على المستوى الإقليمي والدولي:
ـ وضع خطط استراتيجية وبرامج سياسية دائمة للإطار العربي؛ بغية التعاون الدولي والتنسيق بني الأساطيل البحرية الحربية المتواجدة في المنطقة.
ـ السعي نحو عقد مؤتمر دولي بشأن وضع معاهدة بحرية جديدة تنضّم قواعد القانون الدولي الخاص بالمياه الإقليمي.
ـ توصي الدراسة دول التحالف العربي والاقليم والعالم المساهمة الجادة والفورية بإعادة الاستقرار في الجنوب العربي ودعمه سياسيا وعسكريا حتى يتمكن من إعادة دولته وبناءها على كامل ترابها ومياهها الإقليمية بما يكفل لها تعزيز أمنها القومي وحماية المياه الإقليمية في البحر الأحمر خليج عدن وباب المندب.