Image

العلوم الاجتماعية.. مكون مهمل في مساعي التطور والابتكار

تتطلب الوصفة الفعالة لكي يُصبح كيان ما قوة عُظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا، أكثر من مُجرد التفوّق في العلوم والتكنولوجيا. فثمّة مُكوِّن مُهمَل بإمكانه الربط بين استراتيجية البحث والتطوير لدولة ما.

وياللمُفاجأة، فوفقاً لتقرير نُشر الأسبوع الماضي عن أكاديمية العلوم الاجتماعية في المملكة المُتحدة، فالمُكوِّن الأساسي هو العلوم الاجتماعية. وحسبما وَرَد في التقرير، ففي ظل انشغال الحكومات بالتقنيات الجديدة البرَّاقة من ذكاء اصطناعي إلى اندماجٍ نوويّ، فإن قادتنا ليس لديهم سوى القليل لقوله حيال كيف يُمكن لكفاءة البلاد المعروفة عالمياً في العلوم الاجتماعية، والتي تشمل تخصصات متنوعة، مثل إدارة الأعمال والجغرافيا وعلم الاجتماع والإحصاء، المُساعدة في تشكيل مُستقبلنا.

لقد أدّى التركيز الاستثنائي على عامل الإثارة إلى «خطر تحيُّز استراتيجية البحث والابتكار في المملكة المُتحدة وإغفال أجندة مُحكمة، وثرية، وطموحة بالقدر ذاته.. لمُعالجة أولويات المملكة المُتحدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

والتقرير مُصيب بالتأكيد. فهو يدعو إلى دور أكبر لـ «سندريلا» العلوم في البحث والابتكار، بما في ذلك استخدامه في مُراجعة الإنفاق لعام 2025، لاستهداف تمويلات أكثر للمشاريع مُتعددة التخصصات، وبعض التفكير الجاد من المكتب الحكومي المعني بالعلوم، ووزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا، بما في ذلك وَضع إطار عمل للعلوم الاجتماعية، يُشبه إطار عمل العلوم والتكنولوجيا المنشور أخيراً.

ومع ذلك، فإن ما ينقُص التقرير، هو فكرة طُرحت لأول مرة منذ أكثر من عِقد، وبرزت مرة أُخرى في المحادثات التي جَرَت خلال فعّالية نشر التقرير الذي أُقيمت الأسبوع الماضي في لندن: أنه على الحكومة تعيين كبير عُلماء اجتماع، ليعمل جنباً إلى جنب مع كبير مُستشاريها العلميين، وكبير الأطباء.

بالفعل، يُقدم موظفو الخدمة المدنية الأبحاث والمشورة الاجتماعية والسلوكية للوزراء، من خلال مسار يُعرف بالبحوث الاجتماعية الحكومية. لكن مع ذلك، قد يُساعد وجود كبير عُلماء اجتماع مُشترك بين الإدارات، في الحفاظ على إبقاء هذه التخصصات في المُقدمة بأذهان الوزراء.

وعَقَبت البروفيسورة سوزان ميتشي مُديرة مركز تغيير السلوك في كلية لندن الجامعية: «أعتقد أن هذا المنصب سيكون مُفيدًا للغاية». ولفتت إلى أنه لو كان هناك كبير علماء اجتماع ضمن فريق القيادة في 10 دوانينغ ستريت خلال فترة الجائحة، لكان من المُحتمل أن يُرفض مفهوم «الإنهاك السلوكي»، الذي أَخَر الإغلاق الشامل، وساهم في زيادة عدد الوفيات التي كان من المُمكن تجنُبها في وقتٍ مُبكر.

هناك الكثير في التقرير الجديد، الذي يحمل عنوان: «إعادة تَصَوُّر وصفة البحث والابتكار»، تجعله يستحق أن نوصي بقراءته. وانطلاقًا من فكرة الطهي في العنوان، يصف التقرير العلوم الاجتماعية بأنها «الصلصة السرية»، التي بإمكانها إبراز نكهة الأبحاث التكنولوجية المُتقدمة الغنية، بدلاً من إضافتها كفكرة لاحقة، حيث يتم فقط استدعاء عُلماء الاجتماع في اللحظات الأخيرة للمُساعدة في التبعات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للتطورات المُستقبلية، مثل تعديل الجينوم.

إن هذه الجوانب الاجتماعية يجب أن تحظى بأهمية منذ البداية، إذ إنه حتى أكثر العلوم تطوراً، لا تستطيع مُجابهة مثل هذه التحديات بمُفردها. كما يشهد الانتشار الحالي لمرض الحصبة، فاللقاحات الفعّالة ليست ناجحة، إلا إذا اختار الناس أخذها. وهذا يتطلب مُعالجة قضايا مثل ارتياب العامة والمعلومات المُضللة.

ويتطلب ذلك وجود مُتخصصين مثل علماء الاجتماع والمُحاميين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء النفس، جميع علماء الاجتماع الذين يدرسون الناس وتفاعُلاتهم مع الآخرين ومع العالم. ويقول إد بريدجز رئيس قسم الشؤون العامة والسياسات في الأكاديمية، إنهم لم يقدموا بعد التماسًا محددًا لتعيين كبير علماء اجتماع، لكن «الفكرة طرحت في الماضي... وقد تكون شيئًا بإمكان الحكومة الجديدة، أيًا كان الفائز بالانتخابات، أخذه بعين الاعتبار»، مع العلم بأنه في عام 2011 طَرَح مجلس اللوردات هذه الفكرة، لكنها لم تُعتمد.

وهناك أيضاً سبب آخر يجعل المملكة المُتحدة بحاجة إلى نظرة بحثية تتجاوز الخطاب الذي يركز بشدة على العلوم. ومؤخراً، كتب ديفيد إدجيرتون، المؤرخ في جامعة كينجز كوليدج في لندن، أن انهيار شركة بريتيش فولت يكشف عن استراتيجية القوى العُظمي كغطرسة محكوم عليها بالفشل: «لا يقتصر الأمر على مُبالغة تقدير قوة الابتكار في المملكة المُتحدة، بل إن نموذج التحوّل الوطني من خلال الابتكار.. قد طبق في المملكة المُتحدة لمدة 40 عامًا دون نجاح يُذكر».

وقال إنه بدلًا من ذلك، يُمكن للقادة اعتماد نهج «الاقتصاد التأسيسي»، الذي يُكثف التفكير على «البنيات التحتية المُتعددة التي تدعم المعيشة اللائقة»، بما في ذلك: الغذاء والوظائف، والإسكان، والرعاية الصحية، والنقل. في هذا المُستقبل، تَقِل أهمية الإنجازات التكنولوجية الفائقة البرَّاقة، مُقارنةً بالخيارات السياسية المُستنيرة اجتماعيًا، التي من شأنها تحسين حياة الناس بشكلٍ ملموس.