Image

احتفالات الأسهم لا تنفي تسلل التوتر إلى المتفائلين الأكثر حماساً

تقيم الأسواق المالية حفلاً، لكن الدعوات لجميع المدعوين يبدو أنها ضلت طريقها في البريد. وسجل مؤشر الأسهم الأمريكية الرئيس، «ستاندرد آند بورز 500»، مستوى مرتفعاً قياسياً منذ أيام، ليقفز من جديد إلى أعلى مستوياته التي بلغها قبل عامين.

واختتم المؤشر تداولات الاثنين الماضي عند مستوى مرتفع قياسي جديد. وحدث ما ربما تعلمه بالفعل يوم الأربعاء أيضاً. إذن، نحن على شفا سوق تصاعدية، مع ارتفاع بنسبة 20 % عن المستويات المنخفضة الأخيرة.

وعادة ما تكون مثل هذه اللحظات ملائمة للاحتفال. فها هي الرأسمالية تتألق أمام أعينكم! وحان وقت قطف ما تفيض به من ثمار كثيرة لذلك، انضم «يو بي إس» لإدارة الاستثمارات إلى المغتبطين، ورفع، في مذكرة لعملائه، الرقم المستهدف للمؤشر خلال العام الجاري إلى 5.000 نقطة، بزيادة قدرها 3 % عن توقعاته السابقة التي اخترقها المؤشر بالفعل.

وقالت سوليتا مارسيللي، كبيرة مسؤولي الاستثمار المتخصصة في شؤون الأمريكتين لدى «يو بي إس» لإدارة الثروات: «في حين ما تثير أعلى المستويات على الإطلاق مخاوف من بلوغ الأسواق ذروتها، فإن تحليلاتنا تشير إلى أن كثيراً من أوجه القلق عادة ما تكون غير مبررة»، متابعة: «الصعود الحالي ما زال أمامه مجال للاستمرار».

وتبدو السوابق التاريخية واعدة، حيث ذكر «يو بي إس» أن البيانات المستقاة من الستين عاماً الماضية تشير إلى اتباع المؤشر أنماطاً نموذجية كلما بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق، ويحقق مكاسب قدرها 12 % في المتوسط خلال عام واحد، و23 % في عامين، و39 % على مدى ثلاثة أعوام. علاوة على ذلك، تميل السوق إلى التمسك بالمستوى القياسي لدى بلوغه، ما يعني أن «تكلفة انتظار التراجع قد تكون كبيرة للغاية».

لكن القلق ينسل حتى إلى المتفائلين الأكثر حماساً. فقد تحدث إد يارديني، المحلل المخضرم، الذي حدد مستهدفاً لنهاية العام لمؤشر «إس آند بي 500» عند 5.400 نقطة، من 4.890 نقطة أو نحو ذلك حالياً، عن «انهيار» في أسهم التكنولوجيا، مشيراً إلى علامات على «طفرة لا عقلانية».

أما فريق الأصول المتعددة لدى «إتش إس بي سي»، الذي عادة ما يكون مبتهجاً، فقد حذر من أن «الشقوق واضحة»، وأن مطاردة السوق في رحلة صعودها من مستوياتها الحالية محفوف بالمخاطر.

ويتمثل أحد أسباب القلق في أن المكاسب المسجلة منذ الربع الأخير من العام الماضي سريعة للغاية، بصورة لا تبعث على الطمأنينة. والمثبط الأكبر هو أن هذه المستويات القياسية مزيفة قليلاً، لكونها تحدث منفردة. فما زال مؤشر «راسل 2000» للشركات الأصغر يسجل مستويات أقل من الذروة التي بلغها في 2021 بنحو 20 %، وهو منخفض بنسبة 1.2 % حتى الآن هذا العام.

وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، كان ارتفاع الأسهم الأوروبية بمقدار 0.8 % فقط. كذلك، فقد استنفدت أسواق السندات زخم مكاسبها. لذلك، فإن المكاسب الإجمالية التي حققها مؤشر «إس آند بي»، مائلة نحو أكبر العناصر المكونة له، وهي مجموعة أسهم التكنولوجيا الكبيرة التي تعرف باسم «السبعة الرائعين».

لذا، كما شهدنا في 2023، تقوم السبعة الرائعون، وهي «أبل» و«أمازون» و«ألفابيت» و«إنفيديا» و«تسلا» و«ميتا» و«مايكروسوفت»، بالحمل الأكبر، أو غالبيتها على الأقل.

وعلى النقيض، تبدو النسخة متساوية الأوزان من «إس آند بي» التي لا تتحيز لأكبر العناصر المكونة له، متراجعة طفيفاً حتى الآن هذا العام. وهذه ليست مشكلة في حد ذاتها، وهي بالتأكيد ليست ظاهرة جديدة كلياً. لكنها تطرح الكثير من التحديات.

لقد علمنا أن اقتصاد الولايات المتحدة نما بنسبة 3.1% في العام الماضي، لكن يتمثل أحد هذه التحديات في أنا لا نعلم حقاً ما إن كان سيتمكن من تحقيق معجزة تفادي الوقوع في ركود جسيم. فحال وقوع مثل هذا الركود، يرى سيزار بيريز رويز، كبير مسؤولي الاستثمار لدى «بيكتيت ويلث مانجمنت»، أن «هذه الأسهم ستكون في طليعة المنخفضين، حيث سيبيع الناس ما يحتفظون به».

ثمة مشكلة أخرى، وهي أن قليلاً منا ممن هم في دوائر السوق يحبون الأفلام على ما يبدو. لكن لحسن الحظ، لدينا أمثال ديفيد كوستين، كبير الخبراء الاستراتيجيين المتخصصين في الأسهم الأمريكية لدى «غولدمان ساكس»، لكي يصحح مسارنا.

فقد طرح كوستين سؤالاً على نحو 200 من مديري الصناديق الذين احتشدوا في البهو الضخم للمصرف بلندن خلال حدث في وقت مبكر من الشهر الجاري: «هل يعلم أحد من أين جاء هذا الاسم؟ السبعة الرائعون أو العظماء السبعة؟».

أومأ الجميع حينها برؤوسهم، إذ يعلم الجميع أنه اسم فيلم أنتج عام 1960 شارك في بطولته يول براينر وستيف ماكوين، اللذين قادا أبطالاً مدججين بالأسلحة في التوجه إلى قرية مكسيكية لحمايتها من العصابات (حسناً، لقد بحثت عن ذلك في «غوغل»).

لكن المشكلة، حسبما لفت كوستين، تتمثل في «مقتل أربعة من العظماء السبعة في نهاية الفيلم». هنا صدرت ضحكات مرتبكة من الحضور. وبالنسبة لهذا العام، قال كوستين: «إما أن تأخذوا السبعة أو الحقل نفسه»، في إشارة إلى 493 شركة أخرى في المؤشر.

وأضاف: «لنأخذ الحقل». يعتقد كوستين أن المؤشر يتجه صوب 5.100 نقطة بحلول نهاية العام الجاري. لكن افتراض حدوث ذلك سريعاً وعلى نحو مباشر، دون مساعدة من أسهم كبيرة أخرى في المؤشر، سيكون رهاناً غير مضمون النتائج.

فقد انخفض سعر أحد أسهم الرائعين السبعة بالفعل، وهو «تسلا»، بأكثر من 20 % منذ نهاية العام الماضي، وتعد أرباح الربع الرابع الكئيبة، المعلنة هذا الأسبوع، مبررة للحذر. وأطاحت هذه الخسارة بـ 240 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة، وهي قيمة مكافئة لـ «كوكا كولا» بأكملها.

لقد أخفى الأداء المفعم بالحيوية لبقية أسهم «السبعة الرائعين» هذا الضرر، وهو برهان على مخاطر التركيز. ويدرك مديرو الصناديق تماماً مدى السرعة التي قد يتغير بها هذا الاتجاه المهتاج ظاهرياً، لا سيما في ضوء المخاطر التنظيمية التي تحيق بكبرى شركات التكنولوجيا.

قد لا يتذكرون أن الكثير من السبعة الرائعين لاقوا مصيراً محتوماً في نهاية الفيلم الكلاسيكي، لكنهم حكماء بما يكفي لمعرفة أن الكثير من أهالي القرية الأبرياء قضوا كذلك خلال تبادل إطلاق النيران.