Image

آخر تطورات مسرحية البحر الأحمر .. الشعوب تدفع ثمن اللعبة ومراكز القوى تنتظر المكاسب .. إيران تتحكم بالقراصنة

تواصلت تداعيات الهجمات الإرهابية التي تشنّها مليشيات الحوثي الإهابية ذراع إيران في اليمن، على السفن التجارية والملاحة الدولية في البحر الأحمر منذ التاسع من نوفمبر 2023، وصلت هذه المرة إلى تهديد الحالة المعيشية للشعوب على مستوى المنطقة والعالم.

اليمن والعرب .. ترقب الانهيار
وكما هو الحال في اليمن، حيث بأتت أزمة مغامرة إيران وذراعها الحوثيين في البحر الأحمر، تنعكس بشكل كبير على حياة اليمنيين البسطاء وتدق جرس إنذار خطير على مستوى غذائهم اليومي. بدأت ازمة مسرحية البحر بين واشنطن وايران تهدد وتضج مضجع العديد من الشعوب خاصة المرفهة منها.

مصر تدق أجراس السويس
ففي مصر التي تعد امتدادًا لخطوط الملاحة للبحر الأحمر وباب المندب عبر قناة السويس، أعلنت الهيئة العامة لقناة السويس المصرية "تراجع حركة الملاحة بالقناة بنسبة 30 في المائة"، في حين وضع المختصون العديد من التساؤلات بشأن السيناريوهات المُحتملة لتعامل القناة مع التهديدات الأمنية في البحر الأحمر، لا سيما في أعقاب تبادل الهجمات بين اطراف اللعبة.
وبينما رجح خبراء في مصر أن "سيناريو عودة حركة الملاحة لطبيعتها قريباً في قناة السويس، هو السيناريو الأرجح خلال الفترة المقبلة"، تواصل القاهرة اتصالاتها مع شركات الشحن لاستئناف حركة الملاحة بالقناة.
وقال رئيس الهيئة العامة لقناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في تصريحات متلفزة، مؤخرًا، إن "عائدات القناة بالدولار انخفضت بنسبة 40 المائة منذ بداية العام مقارنة بعام 2023، بعد أن أدت هجمات الحوثيين في اليمن على السفن إلى تحويل مسار إبحارها بعيداً عن هذا الممر المائي".
وأضاف ربيع أن "حركة عبور السفن تراجعت بنسبة 30 في المائة في الفترة من الأول من يناير الحالي وإلى 11 من الشهر نفسه على أساس سنوي"، وأوضح، أن "عدد السفن العابرة لقناة السويس انخفض إلى 544 سفينة حتى الآن هذا العام، مقابل 777 سفينة في الفترة نفسها من العام الماضي".
وتُعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، وبلغت إيراداتها العام الماضي 10.3 مليار دولار، حسب الإحصائيات الرسمية.

الرئيس السيسي وبداية التأثر 
من جانبه، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأربعاء، أن مصر بدأت تتأثر بما تتعرض له الملاحة من تهديدات في البحر الأحمر، واوضح في كلمته باحتفالية وزارة الداخلية المصرية بعيد الشرطة الـ72، أن تأثر بلاده بوضع الملاحة في البحر الأحمر، ناتج عن هجمات الحوثيين التي تستهدف طريقًا يتيح التجارة بين الشرق والغرب، لا سيما تجارة النفط عبر قناة السويس، ما دفع بعض شركات الشّحن الدولية إلى إعادة توجيه السفن لتجنب المنطقة.
واعتبر السيسي، أن تعقيد الظروف الإقليمية والدولية، "فرض على مصر تحديات اقتصادية كبيرة، لم تكن لتستطيع أن تصمد أمامها إلا بما حققته إرادة الشعب التي شيدت خلال السنوات القليلة الماضية، أساساً متيناً يعين على عبور التحديات الراهنة".

دول خليجية .. قلق وتوقف 
وفي هذا الصدد، طالبت المملكة العربية السعودية، المجتمع الدولي اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء انعكاسات أزمة البحر الأحمر واليمن على دول الجوار.
جاء ذلك على لسان نائب وزير الخارجية السعودي المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي، في جلسة المناقشة المفتوحة بشأن الشرق الأوسط لمجلس الأمن، التي عقدت في نيويورك أمس.
وشدد الخريجي، على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء انعكاسات هذه الأزمة على دول الجوار وعلى السلم والأمن الدوليين، والوصول إلى حل عادل ومستدام، مؤكدا بأن ما شهدته منطقة البحر الأحمر والجمهورية اليمنية من عمليات عسكرية "مدعاة للقلق".

قطر تؤجل بعض الشحنات
من جانبها أرجأت قطر، أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، بعض الشحنات إلى أوروبا بسبب الصراع في البحر الأحمر، مما أدى إلى زيادة فترات السفر، وفق ما نقلت وكالة "بلومبرغ".
وقال التقرير نقلاً عن تجار مطلعين على الأمر إن قطر أبلغت بعض المشترين الأوروبيين بالتأخير، وإعادة جدولة الشحنات.
ووفق التقرير، قامت قطر بتحويل ما لا يقل عن ست شحنات متجهة إلى أوروبا حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا منذ 15 يناير، بدلاً من المسار الأقصر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي تم جمعها بواسطة "بلومبرغ".

وقف مرور نفط الكويت من البحر الأحمر
من جانبها، قررت شركة ناقلات النفط الكويتية إيقاف مرور ناقلاتها في البحر الأحمر موقتًا، بسبب تطور الأحداث في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، على خلفية هجمات ايران والحوثيين على الملاحة الدولية فيه.
وأفادت مصادر لصحيفة الرأي الكويتية، بأن قرار الإيقاف المؤقت يخضع للمراجعة الدورية المستمرة لحين استقرار حال المنطقة، مؤكدة التزام مؤسسة البترول الكويتية التام بتنفيذ عقودها المبرمة مع الدول المختلفة، وذلك عبر ناقلات أجنبية.

تغيير مسار السفن
وتُعد عملية تغيير وجهة مسار السفن التجارية والنفطية من البحر الأحمر وقناة السويس إلى طرق بديلة كطريق الرجاء الصالح حول افريقيا، أبرز تلك التداعيات التي تجاوزت المحيط العربي إلى العالم اجمع.
وغيّرت سفن شحن كبرى مسارها للدوران حول رأس الرجاء الصالح، إثر هجمات الحوثيين وإيران والولايات المتحدة وحلفائها.
وتسببت هجمات إيران وذراعها الحوثيين في البحر الأحمر بتراجع حركة التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة، خلال الشهرين الماضيين، حسب تقرير معهد "آي إف دبليو" الألماني للاقتصاد، فيما أرسلت شركات شحن كبرى مثل "ميرسك" الدنماركية، و"هاباغ لويد" الألمانية، سفنها في رحلات أطول وأكثر تكلفة عبر طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا.

تأمين الملاحة
وفي السياق، أفادت شركة الشحن البحري الألمانية هاباغ لويد بأن "الهجمات التي يشنّها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر تسببت بتكبيدها تكاليف إضافية شهرية تقدر بعشرات الملايين من اليوروهات".
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن متحدث باسم المجموعة، إن الهجمات "تؤثر على الصناعة بأكملها وعلى الشركة أيضاً بشكل كبير". وأضاف: أن "التأخيرات الناجمة عن التحويل عبر رأس الرجاء الصالح، هائلة"، حيث أدت إلى تأخير الرحلات إلى الولايات المتحدة بمقدار أسبوع إضافي، وإلى أوروبا بمقدار أسبوعين إضافيين، وإلى شرق البحر الأبيض المتوسط بمقدار 18 يوماً إضافياً".

ثلاث دول اوروبية
وأظهرت بيانات اقتصادية نُشرت أمس الأربعاء،  تضرر أكبر ثلاث اقتصادات في أوروبا نتيجة اضطراب حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر  التي أدت إلى مشكلات عديدة لسلاسل الإمداد  بدءًا من ارتفاع أسعار الواردات  في بريطانيا إلى طول الفترة الزمنية اللازمة لوصولها في ألمانيا وفرنسا.
وأشارت بيانات المؤشر المجمع لمديري المشتريات في بريطانيا إلى "تزايد التقارير عن ارتفاع أسعار الشحن"، مما ساعد في رفع معدل التضخم في قطاع التصنيع إلى أعلى مستوياته منذ مارس الماضي، في حين ارتفعت الفترة الزمنية اللازمة لوصول الإمدادات لأول مرة منذ 12 شهرًا.
وفي المانيا واصل النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص انكماشه للشهر الماضي، في حين تباطأت وتيرة تراجع نفقات مستلزمات التشغيل إلى أقل مستوياتها منذ 9 أشهر. كما وصل زمن توصيل الإمدادات في فرنسا إلى أعلى مستوى له منذ عام.
وذكرت وكالة الانباء الالمانية "د ب أ"، الأربعاء، أن قطاع الصناعة في أوروبا يكافح بالفعل للحصول على قوة دفع في ظل ضعف الطلب الاستهلاكي، في حين يحاول امتصاص صدمة سلاسل الإمداد التي بدأت في منتصف ديسمبر الماضي، عندما قررت كبرى شركات النقل البحري في العالم تغيير مسار سفنها بعيداً عن توترات البحر الأحمر.
وأدى تغيير مسارات السفن التجارية إلى طريق رأس الرجاء الصالح إلى طول زمن الرحلة بنسبة كبيرة وبالتالي حدوث تأخير كبير في تسليم البضائع إلى وجهتها في أوروبا مع ارتفاع في تكلفة النقل.

أمريكا ليست معنية !
وفي تصريح غريب، كما هي عادتها الولايات المتحدة، تقول أنها "ليست معنية بالتصعيد مع جماعة الحوثي"، وفقًا لنائب متحدث الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، أوردته السفارة الأمريكية لدى اليمن، عبر حسابها على منصة "إكس".
وأضاف باتيل: "فيما يتعلق بالحوثيين، فإن الولايات المتحدة ليست مهتمة بأي تصعيد (مع الجماعة اليمنية)، لكن من غير المقبول أبدًا أن تُستهدف السفن الدولية والتجارة التي تتدفق عبر البحر الأحمر".
وأشار إلى أنه "يتدفق عبر البحر الأحمر 30 بالمئة من شحنات الوقود، و15 بالمئة من التجارة الدولية المنقولة بحرا".
وتابع باتيل: "هذا ممر مائي حيوي، وسنستمر باتخاذ الخطوات المناسبة لمحاسبة الذين يُعرِّضون التجارة والمدنيين والأفراد الأمريكيين للخطر".

الصين تدق أجراس تأمين السفن
ورغم ابتعادها عن الازمة منذ بدايتها في غزة وانتقالها بالتنسيق بين أطرافها " ايران واسرائيل وامريكا" إلى البحر الأحمر والبحار المحيطة، الا ان الصين التي تعد اكبر الدول المصدر للسلع في العالم لم تقدر احتمال تأثير الهجمات على الملاحة في المنطقة ودخلت اللعبة من أوسع أبوابها.
وفي هذا الصدد، أعربت الصين عن قلقها العميق إزاء التوترات في البحر الأحمر التي أدت إلى تعطيل التجارة العالمية وإجبار كثير من شركات الشحن على تجنب قناة السويس.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، في مؤتمر صحافي الأربعاء، إن الصين على اتصال وثيق مع جميع الأطراف المعنية، وتبذل جهوداً إيجابية لتهدئة الوضع؛ وفق وكالة "أسوشييتد برس".
وأضاف وانغ "تدعو الصين إلى وقف المضايقات والهجمات على السفن المدنية، وتحث جميع الأطراف المعنية على تجنب تأجيج النيران في المنطقة، والضمان المشترك لسلامة وأمن الطريق في البحر الأحمر".
وقال وانغ: "نحن نشعر بقلق بالغ إزاء التصعيد الأخير للوضع في البحر الأحمر. البحر الأحمر طريق تجارية دولية مهمة للسلع والطاقة، واضاف : "الصين مستعدة للعمل مع الأطراف كافة لتهدئة الوضع، والحفاظ على الأمن والاستقرار في البحر الأحمر".
وصدّرت الصين ما يزيد على 3.5 تريليون دولار من السلع في عام 2022، وهو العام الأخير الذي تتوفر عنه أرقام. وهذا يزيد بنحو 1.5 تريليون دولار عن الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر في العالم.
تجدر الإشارة إلى أن ما لا يقل عن 90 في المائة من سفن الحاويات التي كانت تمر عبر قناة السويس، تغير الآن مسارها حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح؛ وفقاً لشركة "دريوري" الاستشارية للأبحاث البحرية.
وقفزت تكلفة شحن حاوية قياسية طولها 40 قدماً من الصين إلى شمال أوروبا من 1500 دولار إلى 4000 دولار، وفقاً لمعهد «كيل» للاقتصاد العالمي في ألمانيا. لكن هذا لا يزال بعيداً عن مبلغ 14000 دولار الذي شوهد خلال الوباء.
وأسهمت التأخيرات في انخفاض التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة في ديسمبر ، مما يعكس البضائع العالقة على السفن بدلاً من تفريغها في الموانئ.

أكثر الدول تضررًا
والمفارقة هنا هي أن أكثر الدول تضرراً من هذه الأزمة هي الصين والهند بالإضافة إلى روسيا، هذه الدول التي تتمتع بعلاقة قوية مع بعض أطراف الصراع، وهو ما أدى إلى سعيها الحثيث لوقف التصعيد وإيجاد الأجواء المناسبة لحرية الملاحة وللتعبير عن الانزعاج من عمليات القصف التي لم تؤثر في إسرائيل بقدر ما أضرت بالعديد من الدول التي تعتمد في تجارتها بصورة كبيرة على باب المندب وقناة السويس، ومنها الهند والصين، حيث تمر 80% من تجارتهما مع أوروبا بالبحر الأحمر.

مسار المواجهات .. تبادل القصف الغير مؤثر
وفي هذا الاطار، واصلت مليشيات الحوثي تنفيذ ما رسم لها من قبل طهران بالتنسيق مع واشنطن وحلفائها، شن هجمات غير مؤثرة فعليًا على سفن التجارة والملاحة في البحر الأحمر، حيث شنت هجومين بصواريخ موجّهة الأربعاء.
وأعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، الأربعاء، أنها تلقت بلاغًا عن حادث أمني على بعد 50 ميلًا بحريًا جنوبي المخا في اليمن، وبلاغًا آخرًا  حول حدوث انفجار على بعد 100 متر تقريبًا من جانبها الأيمن في البحر الأحمر. وأضافت هيئة البحرية البريطانية، أن السفينة التجارية وطاقمها بخير ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار بها.
إلى ذلك أفادت مصادر مطلعة، أن مليشيات الحوثي الأرهابية الإيرانية، أطلقت صاروخًا من جنوبي تعز نحو باب المندب، كما أطلقت صاروخًا ثانيًا من البيضاء نحو خليج عدن، في اطار تصعيدها ضد سفن التجارة والملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

قراصنة تدعمهم إيران
إلى ذلك قال وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، إن على العالم ان يدرك خطورة إيران التي تدعم القراصنة الحوثيين في اليمن، مشيرا إلى أن، المخاطر على الملاحة العالمية في البحر الأحمر "مستمرة".
وأضاف في تصريحات صحفية، الأربعاء، "الحوثيون هم مجموعة قراصنة تدعمهم إيران، يزعمون أنهم يدعمون حركة حماس، الا أن تاريخهم يثبت العكس".

حجم التدخل الإيراني في اللعبة

وكشفت مصادر يمنية عن زيارة غير معلنة لعدد من قيادات الصف الأول لمليشيا الحوثي الإرهابية، إلى العاصمة الايرانية طهران، فيما تحدثت مصادر غربية عن حجم تدفق الاسلحة الايرانية للحوثيين، ما دفع واشنطن لطلب مساعدة الصين لكبح جماح ايران في المنطقة.
ونقلت "قناة الحدث" عن مصادر يمنية، أن عددًا من قيادات الصف الأول للحوثيين في زيارة "غير معلنة" إلى طهران بتعليمات من الحرس الثوري الإيراني.
من جانبها، نقلت صحيفة "فايننشيال تايمز" عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن الولايات المتحدة طلبت من الصين حث طهران على كبح جماح الحوثيين الذين يهاجمون السفن التجارية في البحر الأحمر؛ لكنها لم تتلقَّ أي مؤشر يُذكر على المساعدة من بكين.
وذكرت الصحيفة، أن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، ونائبه جون فاينر، ناقشا الأمر خلال اجتماعات هذا الشهر في واشنطن، مع ليو جيان تشو، رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية بالحزب الشيوعي الصيني، الا انهم يعتقدون أن الصين لم تمارس أي ضغوط على إيران لكبح جماح الحوثيين، بخلاف بيان فاتر أصدرته بكين الأسبوع الماضي.
يأتي ذلك فيما قال مسؤولون ومستشارون غربيون، إن "إيران ترسل أسلحة متطورة بشكل متزايد" إلى ذراعها في اليمن مليشيا الحوثي المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة،  لافتين إلى أن الحوثيين استخدموا هذه الأسلحة في هجماتهم على السفن بالبحر الأحمر.
واشاروا إلى ان الحوثيين أضحوا مؤخرًا من أكثر وكلاء إيران من حيث الإمكانيات العسكرية، وذلك بسبب تدفق الأسلحة من طهران اليهم، فضلًا عن إرسال مستشارين وخبراء عسكريين لتدريبهم على استخدامها ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ومن المعدات المتطورة التي زودت بها إيران الحوثيين، أجهزة تشويش للطائرات بدون طيار، وأجزاء من الصواريخ والقذائف بعيدة المدى، وفقًا لمصادر امريكية.
وتسببت هجمات الحوثيين في تعطيل حركة الشحن العالمي، وأثارت مخاوف بشأن التضخم على مستوى العالم، كما عمقت المخاوف من أن تؤدي الهجمات الحوثية إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط.

من "الغدير" إلى "الطوفان"
وأوضح مسؤولون ومستشارون غربيون أنه في 11 يناير، أي قبل يوم واحد من أولى تلك الضربات الغربية المضادة، احتجزت قوات البحرية الأميركية سفينة محملة بأحدث التقنيات العسكرية الإيرانية.
وشملت تلك المعدات مجموعات تجميع صاروخ "الغدير"، وهو صاروخ إيراني مضاد للسفن يصل مداه إلى أكثر من 200 ميل ولم يستخدمه الحوثيون من قبل.
كما شملت المعدات فوهات لمحركات صواريخ "طوفان"، وهي صواريخ باليستية كشفت عنها الجماعة مؤخرًا، بالإضافة إلى أجهزة بصرية مصممة لتحسين دقة هجمات الطائرات بدون طيار، وفق "وول ستريت جورنال".
وقبل 3 أيام، صادرت السلطات العمانية أيضًا أجهزة تشويش على الطائرات بدون طيار، والتي قال مسؤولون ومستشارون غربيون إنها "قدمت أيضًا من إيران".
وإلى جانب الأسلحة، أرسل الحرس الثوري الإيراني وذراعه في لبنان حزب الله اللبناني ، مستشارين إلى اليمن للمساعدة في شن الهجمات البحرية، وإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار، وفقًا لمستشارين ومسؤولين أمنيين غربيين.
وأضافوا أن "طهران تستعين بمهربين لجلب الأسلحة إلى اليمن من إيران، وعن طريق وسطاء لشراء قطع الغيار عبر شركات أخرى".

خبراء ايران يديرون اللعبة
وقال المستشارون الأمنيون والمسؤولون، إن "مهندسين في اليمن ودول أخرى في المنطقة، يساعدون في تجميع الصواريخ والطائرات بدون طيار وتشغيلها، في حين يقدم عمال صناعة الشحن معلومات استخباراتية بشأن السفن التي سيتم استهدافها".
ودفعت المساعدات العسكرية الإيرانية المتزايدة للحوثيين، واشنطن، إلى تقديم شكوى إلى طهران عبر السويسريين، حسب "وول ستريت جورنال".
وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير في وقت متأخر الإثنين: "إن إيران هي المورد للحوثيين، وقدمت المعدات والتدريب والخبرة لمنظمات أخرى تعمل بالوكالة في المنطقة"، مضيفًا: "لقد أبلغناهم، أننا نعتبر هذا النشاط غير مقبول".
ولم يرد متحدث باسم الوفد الإيراني في الأمم المتحدة في نيويورك على طلب "وول ستريت جورنال" للتعليق.
وتساعد إيران الحوثيين بواسطة بعض من أبرز الضباط في الحرس الثوري، إذ أوضح مستشارون أمنيون ومسؤولون غربيون أن "رئيس عمليات طهران في اليمن هو عبد الرضا شهلائي، الذي سبق له أن أشرف على تنفيذ هجمات على جنود أميركيين في العراق".

الوحدة 340 الإيرانية 
وقال المستشارون والمسؤولون الأمنيون الغربيون، للصحيفة، إن علميات نقل تقنيات الصواريخ الباليستية والتدريب عليها "تشرف عليها الوحدة 340، التي دربت أفراداً من الحوثيين في إيران ولبنان، ويقودها الرئيس السابق لبرنامج الصواريخ الفضائية الإيراني، حامد فاضلي".
وقال مسؤولون أمنيون غربيون وإقليميون في وقت سابق، إن القوات الإيرانية (الحرس الثوري) توفر أيضًا معلومات استخباراتية وأسلحة في الوقت الفعلي، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ، للحوثيين في اليمن، والتي يستخدمها المتمردون لاستهداف السفن التي تمر عبر البحر الأحمر".

الحوثيون "والمهام القذرة"
وتصر إيران على أنها لا تشارك في عمليات الحوثيين، وأن تصرفات الجماعة مدفوعة فقط بالغضب من "العدوان على غزة".
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، في ديسمبر، في إشارة إلى حلفائه في اليمن، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط: "المقاومة لها أدواتها الخاصة وتتصرف وفقاً لقراراتها وقدراتها".
لكن محللين إيرانيين أوضحوا أنه في حين أن الحوثيين يتصرفون "بشكل مستقل إلى حد كبير، فإن إيران تسمح للوضع بالتصعيد، لأنه يخدم أجندتها المتمثلة في الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، دون خوف من الانتقام المباشر".
وقال سعيد جولكار، وهو أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة تينيسي"في تشاتانوغا، الزميل غير المقيم لشؤون السياسة الإيرانية في "مجلس شيكاغو للشؤون العالمية"، إن "الحمض النووي العسكري الإيراني يعتمد على إنكار المسؤولية وإجبار الآخرين على القيام بالمهام القذرة".
ومن أجل العمل على تآكل ترسانة الحوثيين، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بقصف مواقع إطلاق الصواريخ ومخابئ الأسلحة في اليمن، والقيام بدوريات في المياه لعرقلة تدفق الأسلحة إلى الحوثيين.
ومع ذلك، فإن "الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين يتكيفون مع الضغوط، فبعد تحرك السفن الحربية الأميركية إلى البحر الأحمر، بدأ المتمردون في استهداف السفن شرقًا في خليج عدن، حيث لا وجود للولايات المتحدة"، كما يقول مسؤولون تنفيذيون في مجال الشحن.

اليمن ساحة تجارب إيرانية
وقال بهنام بن طالبلو، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: "هناك أدلة تشير إلى أن اليمن ساحة معركة مهمة لاختبار الأسلحة الإيرانية والتطوير المحتمل"، مضيفاً أن "طهران لديها ترسانة في الداخل وترسانة في المنفى".
ويقول المسؤولون والمستشارون الغربيون للصحيفة، إن الحوثيين "يتنقلون أيضًا بالمعدات والأفراد لتجنب الضربات، ويبدو أنهم يتلقون الأسلحة في عبوات عائمة، وليس في عمليات نقل من سفينة إلى سفينة يمكن رؤيتها بشكل أكبر من الجو".
وفي الوقت نفسه، أشاروا إلى أن "سفينة تجسس إيرانية قدمت معلومات عن أهداف في البحر الأحمر غادرت، لتجنب استهدافها من قبل الولايات المتحدة".

تهويل إعلامي أمريكي لصالح الحوثي
وتحمل أزمة البحر الأحمر الناجمة عن ضرب جماعة الحوثي لبعض السفن التجارية جانبين، أحدهما دعائي لكسب بعض التأييد الشعبي للجماعة وحلفائها مستغلةً الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والآخر عملي يتمحور حول تأثر التجارة الدولية المارة بهذا الممر الحيوي، وذلك رغم تهويل وسائل الإعلام لتأثيرات عمليات قصف السفن، ذلك أن موازين القوة بين الحوثي والتحالف الذي شُكل لوقف هذه الهجمات ولضمان حرية الملاحة في بمضيق باب المندب لا تقارن حتى بحدها الأدنى.
وفيما لو اتُّخذ قرارٌ جدي بوقف هذه الهجمات لأُنجزت المهمة في غضون أيام، إلا أن ما يتم عملياً هو ضربات محدودة من الجانبين ضمن ما يسمى «قواعد الاشتباك» المتفق عليها بين الأطراف المتصارعة، مع حرص هذه الأطراف على منع امتداد الصراع إلى ما هو أبعد من ترتيباته الحالية. وهو ما ينطبق أيضاً على القصف المتبادل بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني.

تحذير اقتصادي
وحذر بعض كبار الاقتصاديين فى العالم من أن الصراع المطول في البحر الأحمر والتوترات المتصاعدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط قد يكون لها آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، مما يؤدى إلى إشعال التضخم وتعطيل إمدادات الطاقة.
ويقول الاقتصاديون في البنك الدولي، إن الأزمة تهدد الآن بالتأثير على ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض النمو، والتضخم المستمر وزيادة عدم اليقين الجيوسياسي.
ومن جانبه قال الدكتور جمال القليوبى أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية، إن حجم التدفقات النفطية التى تعبر مضيق باب المندب تبلغ نحو7.3 مليون برميل نفط يوميا باتجاه أوروبا والأمريكتين.
وأضاف الدكتور جمال القليوبى، أن هناك ثلاث أنواع من الشاحنات والتى تعبر مضيق باب المندب يوميًا منها حاويات النفط الخام وتصل إلى 6.5 مليون برميل يوميًا وناقلات الغاز المسال وتصل حجم تجارة الغاز المسال من باب المندب نحو 3.5 مليار قدم مكعب غاز يوميًا باتجاه دول الاتحاد الأوروبى.
وأضاف أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية، أن شركات التأمين قامت برفع القيمة التأمينية لـ30% وبالتالى زيادة تكلفة عمليات النقل البحري 30.5%.