Image

السياسة تخذل الجامعات البريطانية

إنه سياسي من نوع نادر، ذلك الذي يأخذ على عاتقيه مشكلة معقدة لا تقدم له مكاسب انتخابية ملموسة قبيل انتخابات، يتوقع أن يخسرها.

هذه الحقيقة تؤرق الاستراتيجيين في حزب العمال، الذين يخشون قيام حزب المحافظين بتكديس عدد من القضايا في ملف بعنوان «مشكلة الحزب الآخر»، وأزمة التمويل المُتفاقمة في التعليم العالي في المملكة المُتحدة، واحدة من بين هذه القضايا وما يجعل الأمر مُحزنًا بشمل خاص، هو أن هذه الجامعات العظيمة واحدة من قصص نجاح المملكة المتحدة.

حيث تُظهر التصنيفات العالمية أن بريطانيا تتباهى بمؤسسات ذات تصنيف أعلى من بقية دول الاتحاد الأوروبي حيث تُصنف جامعات أكسفورد وكامبريدج وإمبريال بين العشرة الأوائل وهناك 4 جامعات أُخرى بين أفضل 50 جامعة. قد كانت المملكة المُتحدة منذ زمن بعيد، الوجهة الرائدة للطلاب والأكاديميين ومع ذلك، تواجه الجامعات تحديات قاسية.

وهو وضع لا يساعده وجود حكومة لا تَكنّ كثيراً من الحب لقطاع تتهمه بتربية القيم المناهضة للمُحافظين. ويُجادل المُحافظون، مع بعض المُبررات، بأن هناك عددًا كبيرًا من الطُلاب الجامعيين، غالبًا ما يدرسون دورات ذات قيمة اقتصادية محدودة في الفنون والعلوم الإنسانية، وأن البلاد بحاجة إلى تحويل تركيزها نحو المهارات المهنية.

أما الأكثر إلحاحًا، فهو تفاقُم أزمة التمويل، حيث تتآكل رسوم الدراسة الجامعية في إنجلترا، التي لا تتجاوز 9,250 جنيه إسترليني (9,000 في ويلز)، بفعل التضخم، بينما تتراجع المنح الدراسية والبحثية كنسبة مئوية من الدخل.

وتُقدِر جامعات المملكة المُتحدة أن قيمة الرسوم البالغة 9,250 إسترليني، ستُصبح بقيمة 5,800 جنيه بحلول 2025 - 2026. وهناك نقص في تمويل أبحاث الدراسات العُليا. كما تقع الجامعات تحت وطأة ضغوط مالية إضافية، بسبب مدفوعات معاشات التقاعُد.

حتى الآن، كان الحل هو الاعتماد على الرسوم غير المُحددة للطُلاب الدوليين. رغم ذلك، فالتغيُرات الأخيرة في قوانين الهجرة، تعني انخفاض طلبات الالتحاق. وبعض الجامعات، مثل جامعة يورك، قد استجابت بتخفيف متطلبات قبول الطلاب. وخَلِصَ تقرير «برايس ووترهاوس كوبرز» لجامعات المملكة المُتحدة إلى أن الجامعات ستواجه عجزًا إذا انتهت طفرة التحاق الطُلاب الأجانب بالجامعات.

هناك بعض الأعباء التي يجب أن تقع على عاتق الجامعات. بعضها يُجرب التعاون الوثيق في الدورات الدراسية ومهام المكاتب الخلفية.

والبعض الآخر يشكو من اِضطرارهم إلى خفض بعض الدورات الدراسية، لكن لا يجب استثناء الجامعات من الخضوع لسياسة التقَشُف. ويُصر الوزراء خفية على استعدادهم لرؤية انهيار حتى كُبرى المؤسسات في الوقت نفسه، من المتوَقَع أن تصل قيمة القروض الطُلابية غير المُسددة إلى 460 مليار إسترليني بحلول منتصف أربعينيات القرن الجاري.

وقد حسّنت التغييرات الأخيرة في قواعد السداد، إمكانية استرداد الأموال، لكن لا يزال 39 % من الطُلاب لم يُسددوا قروضهم بالكامل. حاليًا، تقود الجامعات حملة قوية لربط سقف رسوم الدراسة البالغ 9,250 جنيه بمؤشر التضخم، وهو اقتراح يبدو منطقيًا من الناحية الاقتصادية.

ولكن لا يبدو أي من الحزبين الرئيسين مُستعدًا لتأييد أي زيادة. ودون توضيح الكيفية، تَعَهد حزب العُمال بتخفيف عبء الديون على الخريجين، دون أي تكلفة إضافية على دافعي الضرائب. لا توجد إجابة سهلة، ما لم ترغب الحكومات من كلا الطرفين السياسيين زيادة التمويل العام بشكلٍ كبير، وهو أمر يبدو مُستبعدًا. لكن هناك بعض التساؤلات الواضحة التي يجب طرحها.

هل يجب استثناء الطُلاب من إحصاءات الهجرة، بما أن غالبيتهم يغادرون المملكة المُتحدة في نهاية المطاف؟ قد يعترض مؤيدو سياسات الهجرة الصارمة على ذلك، لكن هذا قد يُخفف الضغط السياسي لاستعادة تأشيرات الطُلاب.

وفي حين أن هناك تجاوزات لا شك فيها في تأشيرات الطلاب، إلا أنه توجد حُجج قوية ضد جعلها أصعب في استقطاب الطُلاب الأجانب، الذين لا يُمثلون مصدر دخل فحسب، بل يعززون أيضاً قوة بريطانيا الناعمة. كما يجدر بنا التساؤل عمّا إذا كان نظام القروض الطُلابية الحالي في إنجلترا فعّالًا، حيث يواجه الطُلاب عقودًا من الديون. ولا تزال الجامعات تشعُر بعدم كفاية التمويل، ولكن يصعُب سياسيًا زيادة الرسوم، ودفع الحكومة لمليارات لن تُسترد أبدًا.

يُمكن للوزراء رَفع أو إلغاء الحد الأقصى للرسوم الدراسية البالغة 9,250 إسترليني، لخلق سوق حقيقي، لكن هذا قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الدراسة..

وعدم تمكُن العائلات الفقيرة من إرسال أبنائهم إلى جامعات النُخبة، أو الدورات التي تُمهد الطريق إلى مهن رفيعة المستوى. فهل يجب على الدولة ببساطة الاكتفاء بزيادة الإنفاق على المنح الدراسية، رغم شح موارد المالية العامة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يجب توجيه الجامعات إلى ما عليها تقديمه؟.

وأخيراً، والأهم، هل يخدم النموذج الحالي المُجتمع والفرد على حد سواء، حيث يتخرج عدد كبير من الخريجين بدرجات علمية لا تضمن لهم المسار المهني الذي كانوا يتوقعونه؟ هل يجب تقليص عدد مقاعد الدراسة الجامعية، وتشجيع عمليات الدمج، ودفع المزيد من الطُلاب نحو البدائل التي تُركز على الوظائف؟

يمكنهم كما يدعو مراكز الفكر التابعة لحزب المُحافظين، الاطلّاع على النموذج المُتدرج في الولايات المُتحدة الأمريكية أو دعم قطاع تعليمي نخبوي بتمويل مركزي أعلى، مع تطور بقية التعليم العالي نحو المهارات المهنية. ربما، ولكن الأحزاب ترى مخاطر تقنين حُلم التعليم الجامعي. من الواضح أنه ليس بإمكان كل كُلية أن تكون ذات تصنيف عالمي

تُثير هذه التساؤلات مشاكل سياسية واجتماعية غير مُستحبة. ولكن، وبينما يعترف كلا الطرفين بالتحديات، يبدو أنهما يعتمدان على المؤسسات التعليمية، أو ببساطة على تلقائية مسار الأحداث، لإيجاد حل. على الأحزاب، وهي تتطلَّع إلى ما بعد الانتخابات، أن تُفكر في مكانة التعليم العالي، الذي تأمل أن يحتلها بعد 10 سنوات من الآن، وأن تبدأ في التساؤل عن كيفية تأمين مُستقبل إحدى مزايا البلاد التنافسية، التي لا خلاف عليها.