Image

«الإكراميات».. معضلات جديدة بعد دخول التكنولوجيا

تختلف الرؤى كثيراً بشأن المقدار الذي يتعين علينا دفعه لقاء الخدمات، وتتباين بين العالمين القديم والحديث. عادة ما يكون الأمريكيون كرماء، ويمدون أيديهم بالكثير إعراباً عن تقديرهم، بغض النظر عمّا إذا كانت الخدمة جيدة في الحقيقة أم لا. لكن الإكراميات الكبيرة ليست مُعتادة، سواء في فرنسا أو إيطاليا، فلا يترك الزبائن سوى القليل من العملة الصغيرة بجانب قيمة الفاتورة.

وفي المملكة المتحدة، وكما هي الحال في كثير من الأمور، فنحن مراوغون عند تفكيرنا في قيمة الخدمة. ويبدو أنه كان هناك تفاهم ثقافي، طيلة عقود، على وجوب تقديمنا نحو 17% مقابل الخدمة، إن لم تكن مُحتسبة بالفعل في القيمة النهائية، وهي نسبة أعلى قليلاً من 12.5% المُتعارف عليها. ومع ذلك، فإننا نُظهر اتساقاً ضئيلاً، أو لا نُبديه، فيمن يحصل على هذه المكافآت. هل تدفعين إكرامية لمصفف الشعر في الصالون على سبيل المثال؟ وماذا عن الشابة التي عليها تدليك رأسك بينما ترطبين شعرك؟

لقد أظهر الاقتصاد الخالي من النقد، بعد الجائحة، حجم التباين الواضح في رسوم الخدمة. ندفع اليوم مقابل الأشياء من خلال أجهزة أو حواسيب لوحية تسألنا عمّا إذا كنا نرغب في إضافة إكرامية. وفي حين كانت الإكراميات اختيارية فيما سبق، وسرية وخاصة، فإن الأنظمة الجديدة تعلن على الملأ ما نحن مستعدين لدفعه، ويبدو أن الأمر بنطلي علينا.

وكما أشارت مقالة نشرتها «ذا نيويورك» أخيراً، فقد أدّى النظام الجديد إلى طفرة في الإيرادات لدى مجموعة واسعة من الصناعات. لذلك، أشار المقال إلى ارتفاع الإكراميات بنسبة 41% في المخابز والمقاهي، كما قفزت بالنسبة لموظفي شبابيك حجز التذاكر في المسارح بنحو 160%.

علاوة على ذلك، يضع النظام الجديد الشبيه بـ «آي باد»، توقعات بشأن ما يتعين على العميل دفعه. فهل أنت البخيل الذي يدفع دولاراً إضافياً مقابل مشروب اللاتيه، والذي، دفاعاً عن البخيل، كان يمكن تقديمه من على طاولة في حاوية للوجبات السريعة؟ أم هل أنت مثل شخصية «دادي واربكس» الكوميدية التي تختار دفع النسبة المُقترحة البالغة 30% كاملة؟

ثم نأتي للسؤال عمّن تذهب إليهم الإكراميات: هل يوجد وعاء تُجمع فيه الإكراميات؟ وقد اشتكى ديلان جونز، رئيس تحرير «إيفننغ ستاندرد»، أخيراً، من ظاهرة أن يُطلب منه دفع إكرامية إضافية فقط للنادلة، إلى جانب الرسوم الكبيرة للخدمة التي اضطر إلى دفعها بالفعل.

ومن واقع خبرتي، فإن عالم الإكراميات غير متسق إلى حد كبير، كما أن الفكرة السائدة واسعة النطاق عن مساعدتها لأصحاب الدخول الدنيا هي مغالطة في كثير من الأحيان. غالباً ما تتعلق الإكراميات بالنساء والتوقيت. ونادراً ما ارتبطت الإكراميات التي حصلت عليها وجلبتها إلى منزلي في العقد الأول من الألفية الجديدة أثناء عملي نادلة، بمقدار الجهد الحقيقي الذي بذلته بالنيابة عن العميل.

وعلى سبيل المثال، تحقق فترة الإفطار مكاسب هزيلة، وهي تدوم ثلاث ساعات حافلة بـ 10.000 طلب للقهوة بخيارات وتفضيلات مختلفة وحساسيات الغلوتين، وطلبات بكعك شاي محمص وكعكات مافن بغيضة مليئة بالزبيب قد تحترق لو لم يتابعها عميل يقظ من جهاز الاستخبارات البريطاني. والإكراميات كانت غالباً مثيرة للشفقة، حتى بعدما اضطررت أحياناً إلى تحميص كعك الشاي ثلاث مرات، وكانت الطاولات عبارة عن فوضى تعافها النفس من الفتات ويجب تنظيفها جيداً.

في المقابل، الإكراميات كانت سخية دائماً في الخدمة المسائية. وهنا أتذكر ذلك الرجل الذي جلب عائلته من 12 فرداً للاحتفال بمناسبة ما، ثم قدّم لي في أوجها 50 بنساً لامعة. لكن كانت أفضل الأموال التي كسبتها عند عملي في حجرة إيداع في عطلة نهاية أسبوع بالعام الجديد، إذ عدت إلى المنزل ومعي 600 جنيه إسترليني تتساقط من جيوبي، لمجرد أنني وقفت بجانب كومات من المعاطف القبيحة.

إنني أتذكر ما قاله جيري ساينفيلد، الممثل الكوميدي الذي يعد نفسه خبيراً في الإتيكيت في سلسلة حلقاته بعنوان «كوميديون في السيارات يحصلون على قهوة»، حول سارة جيسيكا باركر، وانتقاده لتعودها دفع إكرامية نسبتها 20% فقط. أما هي من جانبها فقد اعتبرت حِزَم الدولارات التي يقدّمها ساينفيلد «مثيرة للاشمئزاز»، وتشاحنا على إثر ذلك، لتخرج قائلة إنها أحسنت صنعاً بالفعل بعدم زواجها من هذا السوقي.

لقد جعل نظام الدفع غير التلامسي للإكرامية من الجميع مثل ساينفيلد. نحن الآن مجبورون على دفع إكراميات أكبر، لقاء خدمات يكون مشكوكاً فيها في أحسن الأحوال وإلا شعرنا بالخزي علناً. فعلى سبيل المثال، يتشجع المرء على تقريب فاتورته من خلال الرسوم الاختيارية للخدمة عند استخدام الخدمة الذاتية في منافذ الوجبات السريعة. وأنا من أشد المعجبين بتقريب الفاتورة لأغراض خيرية، لكن يمكن بالتأكيد لـ «ماكدونالدز» تعديل قائمة الأطعمة لديه لكي تشتمل أجور موظفيه على الـ 13 بنساً الإضافية.

لكن ماذا عن الخدمات الأخرى التي يصعب مكافأتها عن طريق الأجهزة؟ هل يتعين على موظفي الباب لدى الفنادق حمل أجهزة دفع حتى ندفع لهم إكراميات ببضع جنيهات عند إشارتهم إلى سيارة أجرة بالنيابة عنا؟ وماذا عن عمال الخدمة بدورات المياه؟ لقد تضاءل حجم الطبق الصغير الموضوع بجوار حوض الغسيل في الفنادق الفاخرة، منذ أن أصبحنا نسير دون نقد، إلى نحو لا شيء.. ربما حري بنا جميعاً حمل أجهزة تتيح لنا تلقي الإكراميات، أو الدفع لمن نشاء.