Image

ماذا بعد أزمة الطاقة في أوروبا؟

رغم برودة شهر يناير، بإمكانك أن تشعر بالحرارة السياسية المنبعثة من بروكسل، مع استعداد الاتحاد الأوروبي للانتخابات بين 6 و9 يونيو المقبل، وهو ما يتصادف مع موعد توجه البلجيكيين لصناديق الاقتراع لانتخاب حكومة جديدة.

ومن المدهش أن قضية الطاقة غائبة، رغم أنها غالباً ما تكون مهمة ضمن مناقشات الحملات الانتخابية. وكان يمكن للمشهد أن يكون مختلفاً، لو أُجريت الانتخابات في هذا الوقت من العام الماضي، أو في 2022، حينما كانت أوروبا في خضم أزمة غاز ناجمة عن الحرب في أوكرانيا. حينها، سجلت أسعار الغاز ضِعف ما هي عليه اليوم.

وأجرى الاتحاد الأوروبي، وهو مستورد صافٍ للطاقة، إصلاحات ضخمة لمصادر إمداداته من الغاز وعزز مخزوناته، وهي ممتلئة بنحو 85 % حالياً رغم انتصاف الشتاء، لكن الطقس المعتدل كان عاملاً مساعداً في ذلك.

وفيما مضى، كان الاتحاد الأوروبي يحصل على خُمسي إمداداته من الغاز من روسيا، من خلال أنابيب تمر من الشرق إلى الغرب، لكن هذه النسبة انخفضت إلى 13 % العام الماضي، بحسب «إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس»، فيما صارت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المُسال للاتحاد الأوروبي، حيث تبلغ حصة إمداداتها 45 %.

وأخبرني توبي رايس، الرئيس التنفيذي لدى «إي كيو تي»، أكبر منتجة أمريكية للغاز الطبيعي، على هامش قمة المناخ «كوب 28» بدبي الشهر الماضي، بأن الإبقاء على الوضع القائم الجديد وتثبيت الأسعار عند مستويات ما قبل 2022 أمر متروك لحلفاء الاتحاد الأوروبي. وقال: «علينا جعل أوروبا قوية حتى تعود إلى المشهد».

وأكد رايس قدرة «إي كيو تي» على تشييد بنية تحتية لواردات الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا، من شأنها تغطية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطاقة ولن تكلّف أكثر من 100 مليون دولار في تكاليف بناء مقدمة، وتابع:

«من شأن ذلك وحده توفير أمن الطاقة، ليس لعام فقط، ولكن طيلة 30 عاماً مقبلة»، لكن هذا الأمر يتوقف على قدرة «إي كيو تي» على إقناع المشرعين الأمريكيين بمنحهم التصريح اللازم للإنتاج ولإقامة البنية التحتية. وأوضح رايس: «يمكن لحلفائنا المساعدة بإشارتهم إلى الحاجة لذلك».

وثمّة عامل حاسم آخر، وهو مدى رغبة الاتحاد الأوروبي في توقيع عقود طويلة الأجل للوقود الأحفوري، بينما يستهدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050. وقال رايس: «إذا وصلت خطط أوروبا إلى مرحلة لن تحتاج فيها لهذا، فيمكن استخدام الغاز الطبيعي المُسال في أماكن أخرى حول العالم ليحل مكان الفحم».

وتمثّلت المفارقة في الموقف الأمريكي، خلال قمة المناخ، في إصرارها على دعم اللهجة الواردة في الاتفاق النهائي، الذي دعا إلى «خفض تدريجي» للوقود الأحفوري، رغم بلوغ الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز مستويات مرتفعة قياسية. كما أن الولايات المتحدة في طريقها نحو تمديد هيمنتها على سوق الغاز الطبيعي المُسال هذا العام.

وسوّق رايس، لأسباب واضحة، للغاز باعتباره وقوداً يراعي المستقبل ومنخفض الكربون عند اقترانه بتكنولوجيات التقاط الكربون، ولا يوارب في الحديث عن تأثيرات «استبعاد شركات النفط والغاز خارج تحوّل الطاقة».

وقال رايس: «أدى بنا هذا إلى العالم الذي نعيشه اليوم، حيث لديك انبعاثات مرتفعة للغاية، وحيث أمن الطاقة مشلول، وفقر الطاقة في ازدياد. وأعتقد بأن الوقت قد حان لنأخذ خطوة قصيرة للوراء لكي نفكر في بعض الحلول البديلة».

لكن ترى، ما الذي يعنيه نظام تداول الانبعاثات الخاص بالاتحاد الأوروبي لواردات الغاز الطبيعي المُسال؟ لقد امتد نظام تداول الانبعاثات الخاص بالاتحاد الأوروبي «إي تي إس»، وهو آلية تداول لرخص إطلاق الانبعاثات، مُصمم لفرض رسوم على الأطراف المسببة للتلوث مقابل انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، إلى صناعة الشحن اعتباراً من 1 يناير من هذا العام.

وأحدثت هذه الخطة، المُعتزم إدخالها على نحو متزايد تدريجياً لكي تغطي صناعة الشحن بالكامل بحلول 2026، إلى ضجة بين بروكسل والدول الأعضاء في جنوب أوروبا.

كما قد تؤثّر على الأسعار المتقلبة للغاز الطبيعي المُسال. وقال محللون إن وقوع موجة صقيع بشمال أوروبا وواردات قياسية للغاز الطبيعي المُسال في آسياً، يُحتمل أن يسفرا عن زيادة أسعار الغاز في السوق الفورية هذا الشهر.

نوّه جيورجي فارغا، الرئيس التنفيذي لدى «إم إي تي إنترناشونال» السويسرية لتجارة الطاقة، بأن هذه التدابير «ستؤثّر حتماً على سعر الغاز»، مع تطبيقها على ناقلات الغاز الطبيعي المُسال.

وستؤثّر أيضاً زيادة تسعير الانبعاثات على أي الحاويات التي سيستخدمها التجار لتخزين الغاز الطبيعي المُسال.

وأوضح: «هناك أنواع مختلفة لحاويات الغاز الطبيعي المُسال»، وتابع: «بلغ عمر بعضها ما يتراوح بين 30 و40 عاماً، والبعض الآخر حديث، لكن هناك اختلاف هائل بين استهلاك كل نوع منها للوقود».

تشير تقديرات «إم إي تي» إلى زيادة تصل إلى 5 % للتكاليف اليومية لشحن الغاز الطبيعي المُسال، بسبب أسعار الكربون، التي تقترب من 78 يورو لطن ثاني أكسيد الكربون.

وأفاد محللون بأن ذلك قد يُفضي إلى تكاليف أعلى على نحو طفيف لملّاك السفن، أو زيادات في التكاليف التي تعانيها الشركات والمستهلكين بالفعل، بعد عامين من الفواتير المرتفعة القياسية.

ورغم أن التكاليف الإضافية «ليست قائمة بعد»، لكن يعتقد غرايم وايلدغوس، من شركة بوتن آند بارتنرز لوساطة الطاقة، أنها «دليل على الاتجاه الذي تهب فيه الرياح، وسوف تزداد التكاليف بالفعل».

إن الخطر لن يزول، لا سيّما في ضوء النقاشات الأخيرة عن فرض ضريبة عالمية على انبعاثات الشحن، ستُخَصَص لتمويل المشروعات المناخية.

ومع ذلك، تظل هناك معارضة قوية لهذه الخطة، خاصة من جانب البرازيل وتشيلي، منذ أن طُرحت الخطة من خلال المنظمة البحرية الدولية العام الماضي.

وتشي الطريقة التي هيكل بها الاتحاد الأوروبي نظام تداول الانبعاثات، بأن مشغّلي السفن، لا ملّاكها، هم من سيتحملون وطأة التكاليف.

لكنها ستخصص الإيرادات التي ولّدها هذا النظام لابتكارات تساعد السفن في التخلص من الكربون، وفقاً لما جاء عن روابط ملاك السفن بالاتحاد الأوروبي.

وقال جيمس واديل، محلل الغاز في «إنرجي أسبكتس»، بأن المشكلة في أوروبا تتعلق بالتنافسية. وتشير تقديرات الشركة إلى أن تكاليف الانبعاثات ستضيف قرابة 7 % للأسعار بحلول 2027. وأضاف: «إذا كان لديك إنتاج في أوروبا يميل إلى الاتجاه نحو أماكن أخرى من العالم، فإن هذا يعزز حافز الإنتاج بالقرب من هذه الأماكن».