Image

وقفات الاحتجاج الطلابية في صنعاء تفتح الباب للتساؤل: هل سيحكم اليمن قضاة بثقافة شوارع طهران؟

نفّذ العشرات من الطلبة الخريجين من كلية الشريعة والقانون في صنعاء وقفة احتجاجية، للتنديد باستبعادهم بشكل تعسفي من الدراسة في المعهد العالي للقضاء، وحصر الدراسة فيه على الأتباع والمنتمين إلى سلالة زعيم مليشيات الحوثي الإرهابية ذراع إيران في اليمن.
وخلال الوقفة التي نُفّذت أمام وزارة العدل المختطفة من قبل الحوثيين، وهي الثانية التي ينفذها الطلاب خلال أسبوع، رفع المحتجون شعارات منددة ورافضة للقرارات الحوثية، حيث رفض قادة الجماعة تنفيذ قرار صادر عن المحكمة الإدارية يقضي بتمكين الطلبة المستبعدين قسراً من دخول امتحانات القبول للمعهد، وتمكينهم من إتمام إجراءات المفاضلة لذلك الامتحان.
ورفض المشاركون أساليب الاحتكار الحوثي للدراسة في المعهد، وحصره فقط بالأتباع والمنتمين للجماعة سلالياً دون غيرهم من الطلبة اليمنيين ممن لديهم مؤهلات علمية وأكاديمية واستوفوا كامل الشروط.

السيطرة على القضاء
و سعت مليشيات الحوثي منذ انقلابها في 2014، إلى فرض سيطرتها على القضاء ومصادرته لصالح عناصرها الطائفية،  في اطار توجهها للسيطرة على المؤسسات التي تهتم بالفكر ومنها المؤسسات التعليمية والأوقاف والإرشاد، من أجل الترويج لفكرها الطائفي المستمد من ثقافة الشوارع في اليمن.
واتهم المحتجون قيادات حوثية باتخاذهم إجراءات مجحفة وغير قانونية تهدف إلى استبعادهم وزملائهم من امتحانات القبول على الرغم من استيفائهم كل الشروط التي تمكّنهم من مواصلة تعليمهم في المعهد.
وسبق أن نفذ الطلبة المستبعدون وقفة احتجاجية مماثلة أمام بوابة معهد القضاء العالي بصنعاء؛ للمطالبة برفع الجور عنهم وتنفيذ جميع مطالبهم المشروعة.

قضاء بلا نساء 
واستبعدت الجماعة الإرهابية ذات التوجه الإيراني الشهر الماضي، نحو ألف متقدم ومتقدمة من الطلاب ذوي الكفاءة العلمية ، وأوائل كليات الشريعة والقانون والحقوق ، مع استبعاد كلي للإناث ، دون وجود أي سبب أو مبرر قانوني ، ودون إخضاعهم لأي مرحلة من مراحل المفاضلة المقررة في النصوص القانونية.
واكتفت قيادات الجماعة التي تدير معهد القضاء بصنعاء بقبول مَن تمت تزكيتهم من قِبل وزير العدل في حكومتهم غير المعترف بها ، وغالبيتهم من الأتباع الذين التحقوا بدورات تعبوية مكثفة.
ويأتي استبعاد الحوثيين لكافة النساء اللائي تقدمن للالتحاق بمعهد القضاء العالي في صنعاء للمرة الأولى، بعد 17 عامًا من بدء التحاق النساء به، تذكيرًا بما كان عليه القضاء والتعليم في عهد حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي بات اليمنيون نادمون على صمتهم تجاه فوضى الإخوان والحوثي في 2011 التي قادت لما تعيشه البلاد اليوم.

هيمنة حوثية
وذكرت مصادر عاملة في مجال القضاء في مناطق الحوثيين، بأن ما يسمى مجلس القضاء الخاضع لسيطرة الحوثيين يهيمن على عضويته عناصر متشددون يعارضون عمل المرأة بشكل عام والقضاء بشكل خاص.
هذه العناصر الحوثية إلى جانب جهاز المخابرات والأمن الذي أوكلت إليه مهمة تزكية المتقدمين يقفون - بحسب المصادر - وراء هذه العملية التي جعلت النساء خارج المعهد ، وأقصت المئات من الذكور لأسباب ترتبط بعدم الولاء أو تفضيل زملائهم المتقدمين الذين ينتمون لنفس سلالة الحوثي.

تنديد واستغراب
منتدى قاضيات اليمن أصدر بيانًا قال فيه: إنه "وقف مذهولًا مما أطلع عليه من قوائم القبول الأولى للمتقدمين للمعهد العالي للقضاء لهذا العام بعدد 250 لقضاة المحاكم ، و403 لقضاة النيابة العامة ، وخلو الدفعتين المشار إليهما من العنصر النسائي ، رغم أن المتقدمات للامتحان كان عددهن 52 طالبة لقضاء المحاكم ، و70 طالبة لقضاء النيابات".
المنتدى عبّر عن أسفه واستغرابه لإسقاط كل المتقدمات من الامتحان ، في تصرف «ينم بوضوح عن انتهاج تمييز عنصري ضد المرأة وتجاوز للمعايير الموضوعية التي دأب عليها المعهد العالي للقضاء منذ فتح أبوابه للمرأة اليمنية ، حيث كانت الكفاءة العلمية معياراً للمفاضلة بين المتقدمين ذكوراً وإناثاً».
وأكد المنتدى ، أن مثل هذا التصرف يعد مخالفاً للدستور والقوانين النافذة التي كفلت تكافؤ الفرص لكل المواطنين دون تمييز بين الذكر والأنثى ، كما يعتبر تراجعاً إلى الوراء عما قطعته اليمن في مجال تجسيد المواطنة المتساوية ، ومنح المرأة حقوقها التي كفلها الدستور والقانون ، وكانت من أوائل الدول العربية التي منحت المرأة حق الولوج في السلك القضائي.
وطالَب المنتدى في بيانه الحوثيين بسرعة التراجع عن أي قرارات تمثل إقصاء للمرأة اليمنية ، وتمييزاً ضدها واحترام حقوقها المكفولة لها في الدستور والقانون ، وإعادة النظر في معايير قبول الدفعتين المشار إليهما وفقاً للمعايير الموضوعية المنصوص عليها قانوناً على نحو يسمح للمرأة بالمنافسة المتكافئة ، ويضمن الاختيار على أساس الكفاءة العلمية والشروط القانونية.

الانتماء السلالي .. شرط 
ونقلت مصادر قضائية في صنعاء عن طلبة تقدموا للدراسة في معهد القضاء ، بعضهم من أوائل أقسام الشريعة والقانون قولهم ، إنهم حُرموا من القبول ، نتيجة عدم انتمائهم إلى السلالة الحوثية ، إذ أسقطت الجماعة أسماءهم بينما قبلت محسوبين عليها أقل كفاءة منهم.
ووصفت المصادر تلك الممارسات بالتمييزية العنصرية الرامية إلى منع عموم الراغبين في دراسة القضاء من الالتحاق بالمعهد ، وحصر ذلك في أنصار الانقلاب ، وعناصر جماعة الحوثي.

خصخصة القضاء 
ويسعى الحوثيون إلى خصخصة المعهد العالي للقضاء في صنعاء ، وحصر الدراسة فيه على أنصارهم وأفراد سلالتهم ، بغرض إحلال مخرجاته في مؤسسات وأجهزة القضاء التي يعملون على السيطرة المطلقة عليها.
وتداول ناشطون محليون على منصات التواصل الاجتماعي وثائق صادرة عن الانقلابيين الحوثيين تتضمن شروطًا جديدة للتقدم للدراسة في المعهد.
ووصفت مصادر قضائية في صنعاء تلك الشروط بالتمييزية العنصرية والتعجيزية لمنع عموم الراغبين في دراسة القضاء من الالتحاق بالمعهد ، وحصر ذلك في أنصار الانقلاب وعناصر جماعة الحوثي.
وتضمنت الوثائق المتداولة شروطًا جديدة للتقدم للدراسة في المعهد عقب فتح باب التسجيل والقبول ، وهي أن يكون المتقدم للتسجيل في المعهد من أسرة لها دور فاعل في الحرب ومواجهة الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها ، وتقديم ما يوضح إسهاماته في ذلك ، وأن يكون حاصلًا على دورات ثقافية وفكرية حوثية، ومشاركا في القتال.
كما وضع الحوثيون للمتقدمين الجدد للدراسة في قسم الدراسات التخصصية العليا (قضاء) ودبلوم العلوم الجنائية (نيابة) التي تبدأ السبت المقبل، شرطاً بتحملهم بصفتهم طلابا جميع نفقات الدراسة والتدريب حال تم قبولهم. الأمر الذي قوبل برفض طلابي ومجتمعي واسع لانتهاكه القانون الذي ينص على مجانية التعليم والتدريب في المعهد.
ومن الشروط التي وضعت أمام المتقدمين للالتحاق بالمعهد أن يكتب كل منهم نبذة عما يسمى «الرصيد الجهادي»، والتزام المتقدم بجاهزيته في أي وقت وظرف للالتحاق بجبهات القتال في حال تم استدعاؤه من قبل القادة الميدانيين.

تنديد حقوقي
قال المركز الأميركي للعدالة (ACJ) ، إنه تلقى عشرات الشكاوى من خريجات وخريجي كلية الشريعة والقانون ممن تقدموا للتسجيل في معهد القضاء بصنعاء والذين تم إقصاؤهم على الرغم من استيفائهم متطلبات القبول كافة.
وأكد المركز، وهو منظمة حقوقية تعمل من الأراضي الأميركية، في بيان حديث له، أن إدارة المعهد الخاضعة للجماعة أصدرت قراراً تضمن استبعاد 1000 متقدم ومتقدمة من الطلاب ذوي الكفاءة العلمية وأوائل كليات الشريعة والقانون، واستبعاد كلي للإناث دون وجود أي سبب أو مبرر قانوني، ودون إخضاعهم لأي مرحلة من مراحل المفاضلة المقررة في النصوص القانونية.
وبحسب المعطيات التي قال المركز إنه تحصل عليها، فقد اختارت إدارة معهد القضاء بصنعاء 205 متقدم، جميعهم من الذكور والذين تمت مفاضلتهم بناءً على تزكية من قِبل مشرفي الجماعة في المديريات تحت سيطرتهم.
وشدد البيان على أن ذلك الاستبعاد يشكل مخالفة صارخة للمعايير الموضوعية التي تواتر عليها المعهد طيلة السنوات الماضية منذ تأسيسه.
ورأى أن قرار استبعاد مئات المتقدمين ارتكز على الانتماء المذهبي في الاختيار وعلى اعتبارات ترتبط بالولاء والجنس والمولد، حيث يُطلب من كل خريج يرغب في التقدم للمسابقة أن يُحضر تزكية موقّعة من مشرف جماعة الحوثي في منطقته، الأمر الذي يعكس بشكل واضح نية جماعة الحوثي الواضحة في حصر التعيينات في الوظيفة العامة بعناصرها مع إقصاء تام لباقي الفئات.

انتهاك للقانون والمساواة
ويمثل ذلك القرار انتهاكاً مقلقاً لمبدأ سيادة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص التي كفلها الدستور اليمني لعموم اليمنيين، لا سيما المادة (41) التي نصت على «المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة»، والمادة (25) التي أكدت بالقول: إن «المجتمع اليمني يقوم على أساس العدل والحرية والمساواة وفقاً للقانون».
وقال المركز: إن "حرمان النساء من الحق في شغل منصب القضاء يعد انتقاصاً خطيراً لحقوق المرأة اليمنية التي كفلها دستور البلاد في المادة (31) ويتعارض القرار مع اتفاقية «سيداو» التي صادقت عليها اليمن".
وأبدى الرفض المطلق لاستبعاد الجماعة ثلثي المتقدمين لمعهد القضاء، داعياً إلى سرعة إلغاء القرار وإقامة مسابقة قضائية تستند إلى مبدأ تكافؤ الفرص، وتمكين الخريجين من التقدم دون أي اعتبارات مذهبية وضرورة احترام الجماعة لحرية وكرامة وحقوق اليمنيين جميعاً دون تمييز بسبب الجنس أو الولاء أو العرق أو الانتماء.


طلاب بلا مؤهلات
في عام 2018 أعلنت الحكومة اليمنية عدم الاعتراف بمخرجات المعهد العالي للقضاء تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين، وأقرت نقل المعهد إلى العاصمة المؤقتة عدن، وشرعت حينها بترتيب الأوضاع لتسهيل التحاق الطلاب والدراسة فيه.
جاء ذلك بعد أن دفعت الميليشيات الحوثية بأعداد كبيرة من عناصرها وأبناء قادتها للدراسة في المعهد العالي للقضاء، بعد أن استغنت تباعًا عن خدمات الآلاف من الضباط والعاملين في وزارة الداخلية والمخابرات وضمت عشرات الآلاف من عناصرها إلى قوام هاتين المؤسستين.
وأكدت مصادر مطلعة في صنعاء أن كثيراً من المنتسبين الجدد لمعهد القضاء رسبوا في اختبارات القبول، متهمة الميليشيات بإلحاق طلبة لا يحملون مؤهلات جامعية، في إخلال لنصوص القانون، ضمن خطتها للسيطرة على السلطة القضائية والهيمنة على جهاز القضاء.
وواجهت الميليشيات الحوثية في فترات سابقة موجة انتقادات وضغوط واحتجاجات لطلاب ونشطاء ومحامين يمنيين على خلفية إلحاقها كل عام المئات من عناصرها ممن لا تنطبق عليهم شروط الالتحاق بالمعهد، ومن ذلك إلحاقها عبر قطاعي الدفاع والداخلية اللذين تسيطر عليهما أكثر من 120 منتدباً للدراسة في المعهد في عام 2021، غالبيتهم من العناصر الأمنية للميليشيات.