Image

بلوغ أسعار الفائدة ذروتها يبث التفاؤل في الأسواق

لم يتوقع أغلب النقاد والمراقبين للأسواق، ونحن منهم، ارتفاع «ستاندرد آند بورز 500» بقرابة 20% في أواخر العام 2023. ولكن ها نحن ذا. لقد عاد التفاؤل بقوة من جديد خلال شهر نوفمبر الجاري. يأتي ذلك فيما تلوح ذروة الفائدة في الأفق على ما يبدو، في أعقاب بعض الأنباء السارة بشأن التضخم والنمو القوي الملحوظ.

وكما أشارت كاتي مارتن في عمودها في «فاينانشال تايمز» خلال نهاية الأسبوع، فإن نسبة قياسية تبلغ 61% من المستثمرين ترجح انخفاض العائدات في 2024، وذلك وفق استطلاع مديري الصناديق الذي يجريه «بنك أوف أمريكا».

وكان رد فعل السوق حاسماً، فخلال الشهر الماضي، تراجعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات بنحو 40 نقطة أساس وارتفعت الأسهم 10%، وهي تحركات منطقية.

إن مكاسب الأسهم والسندات ليست العلامة الوحيدة على التفاؤل، فاستطلاع معنويات المستثمرين للرابطة الأمريكية للمستثمرين الأفراد شهد صعوداً حاداً الشهر الماضي. كذلك هناك توقعات صعودية للأرباح تشير إلى نموها بنسبة 8% على أساس سنوي في 2023، يتبعها توسع في الأرباح قدره 11% في 2024.

وهذا بالتأكيد ليس ركوداً، ولا يكاد يكون تباطؤاً أيضاً. ويشير مقياس «غولدمان ساكس» المفضل لقياس توقعات أسواق الأسهم للنمو الاقتصادي، الذي يقارن الأسهم المسايرة للدورة الاقتصادية بتلك الدفاعية، إلى نمو حقيقي قدره 2% للناتج المحلي الإجمالي.

ويعكس ائتمان الشركات معنويات السوق أيضاً، فقد تراجعت العائدات المطلقة هذا الشهر رغم أن تدفقات الصناديق لسندات الشركات، خاصة مرتفعة العائد، تسجل أعلى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام. وتظل فروق السندات المرتفعة العائد مقابل سندات الخزانة ضعيفة، بتسجيلها 3.9% مقابل متوسطها التاريخي البالغ 5.4%.

ويعكس ذلك عدم حصول المستثمرين على الكثير من المقابل لقاء تحملهم مخاطر الائتمان. وعوضاً عن ذلك، تراهن الأسواق على تمتع المستثمرين في السندات بمكاسب رأسمالية من انخفاض العائدات، في حين ستُبقي مرونة النمو على المعدل المنخفض لحالات التخلف عن السداد. إذن، تبشر الأمور بعالم سيشهد هبوطاً سلساً.

وقد يتساءل بعض القراء حول كيفية شعور الأسواق بمثل هذا التفاؤل رغم ارتفاع مخصصات المستثمرين من النقد، وهي عادة ما تكون إشارة على ازدياد الحذر. والأمر صحيح، فهناك قدر كبير من أموال المستثمرين، قرابة 6 تريليونات دولار، يتواجد في صناديق أسواق النقد في الوقت الراهن. وهذا التصاعد الأخير للتدفقات إلى صناديق النقد مثير للإعجاب حقاً.

ربما يحمل ذلك في طياته الكثير بشأن جاذبية الفوائد المرتفعة وليس اتخاذ مراكز دفاعية. وصار النقد فئة أصول ملائمة، بعدما كان هراءً، مع قفزة الفوائد من الصفر وربما إلى الأبد، وهكذا، فقد زادت التدفقات. وقد يُعاد تخصيص قدر من الأموال الموجودة في أسواق النقد إلى أصول خطرة، لكن الأرصدة النقدية المرتفعة اليوم لا تناقض بالضرورة شهية المخاطرة.

ثمة أمر آخر بشأن السوق، وهو أنها ليست بالقوة التي تبدو عليها، إذ إن غالبية مكاسب «إس آند بي 500» نابعة من «السبعة الرائعة»، بأسهم التكنولوجيا. وارتفع بالكاد «إس آند بي» متساوي الأوزان هذا العام، بل يسجل مستويات أقل من ذروته المُسجلة في يناير 2022 بنسبة 10%، ما يُعد دليلاً للبعض على إشارات قاتمة كامنة في السوق.

لكننا نرى الأمر بشكل مختلف. وقد تمتعت السوق بمكاسب مدهشة في عامي 2020 و2021، ما دفع التقييمات إلى مستويات جامحة للغاية، ولم تلحق الأرباح بهذا الركب إلا حالياً. والجدير بالملاحظة هنا ليس تماسك غالبية الأسهم أو تحركها في نطاقات جانبية طيلة عامين بعد مكاسبها الجامحة بل استمرار ارتفاع حفنة قليلة من الأسهم الكبيرة للغاية التي تشكّل أكثر من ربع السوق.

ما الخطب الذي قد يحدث إذن؟

نعتقد بأن تفاؤل السوق يستند إلى أسس معقولة. وقد تحدثنا منذ ثلاثة أسابيع بقدر من التفاصيل حول أسباب اختلافنا مع وجهة النظر التي تنطوي على أن الاقتصاد معلق في الهواء فوق هوّة. وتتمثل هذه النظرة في أن عوامل مؤقتة هي التي حالت دون إضرار الفوائد المرتفعة على نحو بالغ بالطلب.

لكن تقرير التضخم المشجع لشهر أكتوبر أسكت أصوات بعض مؤيدي وجهة النظر هذه كما ينبغي. ومع ذلك، سيكون التجاهل التام لكل أولئك المشككين باباً من أبواب الحماقة، خاصة إذا تبين خطأ وجهة النظر المُتبناة على نطاق العالم تقريباً بأننا بلغنا مرحلة ذروة الفائدة.

وقد يكون الأمر خاطئاً، سواء على المدى القصير أو الطويل، أو كليهما. فعلى المدى القصير، تتوقع السوق بنسبة 12% رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مرة أخرى بحلول اجتماعه في يناير، بحسب «سي إم إي»، ما سيدفع بها إلى نطاق يتراوح بين 5.5% و5.75%.

لكن السوق تستبعد فعلياً ارتفاع الفائدة أعلى من هذا المستوى. ويُعد هذا معقولاً، مع اقتراب التضخم من مُستهدفه وفي ظل التباطؤ المعتدل للاقتصاد. لكن التاريخ يوصي بالحذر، وفق ما يقوله دونالد ريسميلر، الشريك المؤسس لـ«استراتيغاس»، منذ أشهر. وفي السابق، وفي أغلب البلدان، تنحسر الموجة الأولى من التضخم لتفسح مجالاً للثانية.

شيء آخر، وهو أن هناك خطراً يتمثل في انخفاض الفوائد طويلة الأجل، التي ارتفعت بقرابة 4 نقاط مئوية من مستوياتها المنخفضة إبان الجائحة وبمقدار نقطتين ونصف مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، لأننا نرجح عودة التضخم لمُستهدفه وتراجع الفوائد قصيرة الأجل تبعاً لذلك.

ولكن كما أشار أوليفييه بلانشار في حواره الأخير مع «أنهيدجد» في فينانشال تايمز، فنحن لا نعلم حقاً السبب وراء ارتفاع الفوائد طويلة الأجل، لا سيّما الحقيقية، على هذا النحو. هنا، التضخم والسياسة النقدية لا يقدمان تفسيرات كافية.

وربما يتعلق الأمر بانعدام المسؤولية المالية، أو عدم اليقين بشأن الفوائد الحقيقية المستقبلية، أو الزيادة المُتوقعة في تقلبات التضخم، أو ربما شيء آخر. لكن ستكون هناك تداعيات على تقييمات الأصول، وربما على النمو الاقتصادي أيضاً، إذا ظلت الفوائد طويلة الأجل مرتفعة، خاصة في غياب نمو اقتصادي مرتفع على نحو مُستدام.

أمر آخر، وهو تخميني تماماً. ربما تكون الأجواء مشحونة بحالة النشوة إزاء الوصول لذروة الفائدة، ويستند ذلك إلى أن الأصول الخطرة ستشهد أداءً جيداً إذا ما انتهت زيادات الفائدة، وهو افتراض مفهوم، إذا وضعنا في الاعتبار أداءها الجيد في حقبة الفوائد المنخفضة بعد مضي الأزمة المالية العالمية. لكن الأمر يتعلق بالأسواق ذاتها على نحو أكبر من الفوائد.