Image

صعود أسواق الأسهم قد يكون إشارة أخرى خادعة

هناك من يعتقدون أن المصرفيين الذين يدفعون بالشركات للإدراج في سوق الأسهم، باعتبارها وسيلة لكسب العيش من أكثر الفئات تفاؤلاً بين من تراهم بالأسواق المالية. فهم ينأون بأنفسهم عن التذمر المهني الملازم للمتجهمين في أسواق السندات في ظل أمور لا تسير على ما يرام. وبغض النظر عن مدى سوء الأوضاع في السوق، ستجدهم متمسكين بعادة وسيط العقارات الذي يتوقع دائماً ازدهار الأمور مستقبلاً، تحت شعار «قيد التخطيط والتجهيز».

بين الحين والآخر، يتوقف مسار الإدراجات الجديدة التي تصل إلى الأسواق العامة. وحين يحدث ذلك، ترى المصرفيين يقولون بثقة إن الأمور «قيد التخطيط والتجهيز»، على شفا الإتيان بإدراجات جديدة. هم يعدون بإدراجات جيدة، وشركات ذات جودة عالية، وما عليك سوى الانتظار.

لقد بدأ هذا المسار يضعف بعض الشيء، بعدما ساءت المعنويات على نحو لافت، حتى إن بعض أكثر المتحمسين للأسواق العامة يواجهون صعوبة في الظهور بمظهر شجاع في وجه كل ذلك. وانخفض «إس آند بي 500» بقرابة 5 % من القمة التي بلغها في يوليو، مدفوعاً إلى حد كبير بالقبول المتنامي لفكرة أن أسعار الفائدة يتوقع لها أن تظل مرتفعة لمدة أطول. ويُعد هذا ضاراً على صعيدين: فهو يزيد من العقبات أمام اهتمام المستثمرين بفئة الأصول في المقام الأول، إذ لماذا العناء والمخاطرة، في حين أن السندات الحكومية الأمريكية أو الأوروبية قصيرة الأجل، توفر عائداً يصل إلى 5 %؟ كما أن الأمر يؤثر بالسلب في الميزانيات العمومية للشركات.

وقالت فيرجين ميزونوف كبيرة مسؤولي الاستثمار لدى «أليانز غلوبال إنفستورز»: «تؤدي بيئة أسعار الفائدة العالية لأمد أطول، إلى تحول هائل في المنظومة البيئية للشركات»، وتابعت: «بعد أكثر من عقد من الفائدة شديدة الانخفاض، قد تواجه بعض الشركات منخفضة الجودة صعوبة في البقاء».

وفي هذا الصدد، يثبت المستثمرون أنهم جادون في عدم تقبلهم للهراء. وبما أننا بصدد موسم إعلان الأرباح، فسوف تنخفض أسهم الشركة التي تخالف التوقعات. وأوضح مصرفي متخصص في الأسهم: «السوق لن تطيق صبراً». وأضاف: «الشركات التي تخالف توقعات الأرباح ستعاني كثيراً وبشدة، وسيكون هناك الكثير من الضرر والألم».

وفحص محللو «تشارلز شواب» الأرقام، وتوصلوا إلى أن الشركات التي فاقت التقديرات، شهدت فائضاً في العائد يتخطى مؤشر «إي آند بي 500» بنسبة 0.7 % في المتوسط، خلال أول جلسة تداول بعد إعلان الأرباح. أما التي تسجل نتائج دون التقديرات، فإن فائض العائدات يبلغ سالب 3.3 %. واختلال التوازن هذا ليس بجديد، بل كان دائماً موجود إلى حد كبير، لكنه صار واضحاً للغاية في الوقت الحالي. ويشير كل هذا إلى ما تصفه ليز آن سوندرز وكيفين غوردون، المحللان لدى «تشارلز شواب»، بأنه «فتور في الحماس».

فضلاً عن ذلك، لفتت سوندرز وغوردون إلى أن كبرى شركات التكنولوجيا، هي التي تقوم بالعمل الشاق المتعلق بنمو الأرباح. وأضافا: «الواقع هو أنه هناك تشعّب قوي في السوق، فعند استثناء الشركات الكبيرة، وهي أكبر الرابحين هذا العام، فإن نمو الأرباح والأداء منذ بداية العام وحتى اليوم، لا يزالان منخفضين أو مستويين في أفضل الأحوال». وأضافا: «نعتقد بأن السوق لن تجد مخرجاً من هذا التصحيح حتى يتحسّن نطاق السوق».

وليست الشركات الكبيرة بمعزل عما يحدث. فقد انخفضت أسهم «ألفابيت» المالكة لشركة «غوغل»، على سبيل المثال، بنسبة 8 % خلال الشهر الماضي، بعدما كشفت عن بعض الضعف في أعمال الإعلانات. وشهدت أوروبا خيبات أمل كبيرة بدورها. كما هوت أسهم شركة «أورستد»، عملاق طاقة الرياح البحرية التي يفضلها المستثمرون المهتمون بالبيئة، بمقدار الربع، بعد تخليها عن مشروعين في الولايات المتحدة. كما هبطت أسهم مصنعة القطارات الفرنسية «ألستوم» بأكثر من الثلث، بعد خفضها توقعاتها للتدفقات النقدية الحرة.

هل أنتقي أمثلة سيئة لإثبات نقطة بعينها؟ بالطبع، فالأمر مُتعمد، لأن المستثمرين أيضاً يفكرون بالطريقة نفسها. هم يرغبون حقاً في تفادي أي أخطاء غير مقصودة، خاصة في هذا الوقت من العام.

ثمة ما يمكن إضافته لهذا المزيج السام، وهو الأداء المحبط للأسهم الجديدة اللامعة التي رُوِّج لها، باعتبارها تبشر بانتعاشة مهمة للإدراجات الجديدة في سوق الأسهم. فقد شهدت أسهم «آرم» لتصميم الرقاقات، طفرة مبكرة عند إدراجها بالسوق، لكنها منخفضة حالياً بنسبة 6 %، مقارنة بمستويات التداول عند أول جلسة. وهوت أسهم تطبيق «إنستاكارت» للبقالة، بواقع 36 % مقارنة بسعر إدراجها. أما مجموعة البرمجيات «كلافيو» فقد انزلقت بنسبة 20 %.

ولا عجب، بعد سلسلة الكوارث هذه، أن تجمّد مجموعة «سي في سي» للاستثمار في الأسهم الخاصة هذا الأسبوع، أخيراً، إدراج أسهمها الذي طال انتظاره في بورصة أمستردام، وذلك خوفاً من الإحراج المُحتمل.

ومع ذلك، أتت نهاية الأسبوع، بما يبعث على الارتياح، بعد اللهجة الحذرة التي تبناها جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وبيانات الوظائف الضعيفة. فقد أحيا ذلك الآمال من جديد، بأن الفيدرالي بلغ أخيراً المرحلة التي يشعر عندها بوخز الألم، ما دفع الأسهم للارتفاع. وها نحن ذا مجدداً!

هذا الألم هو ما يتطلع إليه المصرفيون المتخصصون في الأسهم، بحسب ما أخبرني أحدهم هذا الأسبوع، حيث إنه إذا أصاب الركود الاقتصادي الولايات المتحدة في وقت مبكر من العام المقبل، فربما يتراجع الفيدرالي في ما يتعلق بالفائدة، وهو ما يعني أن البيئة ستكون داعمة بدرجة أكبر للأسهم.

قد يحدث ذلك، لكن الركود سبب غريب للابتهاج، كما أن احتمال إيقاف الفيدرالي لمساره يبدو ضعيفاً في أحسن الأحوال. إن الرهان بشكل كبير على تحوّل موقف الفيدرالي يتطلب جرأة كبيرة، وهي استراتيجية أثبتت فشلها عدة مرات هذا العام بالفعل. وعلى أية حال، فإن المكاسب اللامعة التي شهدناها مطلع العام الجاري، والتي كانت مدفوعة بعدد من الشركات أقل من أن تحصيه على أصابع اليد، يبدو أنه مجرد تحرك خادع. ولكن، كما تعلمون، فهناك الكثير «قيد التخطيط والتجهيز»!