Image

شرارة ردفان وافقت أهداف سبتمبر وحققت الوحدة

واحدية الثورة اليمنية شمالًا وجنوبًا ..
شرارة ردفان وافقت أهداف سبتمبر وحققت الوحدة
ـ إفشال مخطط الاستعمار في تفكيك الجبهة اليمنية الموحدة 
ـ التذكير بقيم ومبادئ الثورة اليمنية المباركة لمواجهة ملامح عودة الاستبداد الإمامي

ونحن نحتفي بالذكرى 60 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، سنحاول الذهاب نحو الفترة الزمنية التي تشكَّلت فيها ثقافة الثورة والتحرر، لدى اليمنيين شمالًا وجنوبًا، لمعرفة الهدف الأسمى الذي كان يسعى لتحقيقه جميع المناضلين والثوار من الصف الأول للثورتين المباركتين سبتمبر وأكتوبر، ومن تبعهم على نهج الثورة، والمتمثل في تحقيق الوحدة اليمنية المباركة.
لقد شكَّلت ثورة 14 أكتوبر من العام 1963م، النواة الحقيقية لتحقيق هدف اليمنيين في الوحدة، بعد تمكّنهم من التوحد نضاليًا وكفاحيًا ضد الامامة والمستعمر، وقدموا أرواحهم فداءً لليمن الواحد.
وفي يوم اندلاع الثورة من جبال ردفان ، كان اليمنيون على موعد مع حلم طرد المحتل البريطاني، وخوض معركة وجودية لإنهاء أكثر من قرن على الاحتلال وإنهاء حقبة الاستعمار، وتحقيق الهدف الأبرز في التوحد انطلاقًا من توحيد السلطنات والمشيخات في الجنوب، وصولًا إلى التوحد الكبير في 22 مايو 1990م.

الحلم الطاغي
في منتصف القرن الماضي كان التحرر من الاحتلال هو الطاغي في الوطن العربي، بدءً من مصر في عام 1952م، ومعها صعد نجم جمال عبد الناصر كزعيم عربي يناهض الإحتلال، وكان لخطاباته جماهيرية واسعة وصلت إلى جنوب اليمن، ولامست مشاعر غضبهم جراء ممارسات المحتل، وظهرت حركات مقاومة مثل جبهة التحرير القومية المدعومة من المصريين وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل.
ومنذ اندلاع الثورة استمرت الحركة المسلحة أربع سنوات تنفّذ عمليات فدائية، وتهاجم القوات البريطانية في عدد من المدن، في تشكيلات مسلحة حتى أجبرت القوات البريطانية على الخروج وغادر آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967م، وتم إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

واحدية المصير والفعل الثوري
كانت "الوحدة" هي أهم أهداف ثورة 14 أكتوبر وفي المرتبة الثالثة للفعل الثوري، بعد القضاء على الاحتلال، والخلاص من حكم السلاطين والعملاء، ومن ثم إعادة وحدة الجنوب، فيما سُمي حينها بإعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيراً نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية، ومن ثم إقامة عدالة اجتماعية.
كان الثوار يدركون حينها خطورة أهداف المستعمر في عملية التفكيك ودعم السلاطين لإذكاء الصراعات المناطقية والقبلية، ليبقى هو الأقوى يمارس سلطته ويمزق البلاد، لكن واحدية المصير والنضال الوطني كان يتعزز في اليمن كله ضد المستعمر شمالاً وجنوباً.
ففي 24 فبراير 1963م، - أي قبل اندلاع الثورة بثمانية أشهر - عُقد في صنعاء مؤتمر "القوى الوطنية اليمنية" من أجل توحيد جميع القوى، لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر، وتحرير الجنوب اليمني من الإحتلال الأجنبي.
العدوان على حريب مأرب
ولهذا الهدف كان اعتداء المحتل يشمل كل اليمن، ففي 3 أبريل 1964م، شنّت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب في مأرب (شمال اليمن)، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي تشن من أراضيها، وفي 19 يونيو 1965م، حظرت سلطات الإحتلال البريطاني نشاط الجبهة القومية في جنوب اليمن واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بإبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.

واحدية الأرض 
ويرى العديد من السياسيين اليمنيين، بأن " ثورة 14 أكتوبر كانت نتيجة طبيعية لتطور حركة التحرر الوطنية في الجنوب اليمني، واستمراراً للنمو اللاحق للثورة في الشمال، وجزء من الثورة العربية العامة الموجهة ضد الاستعمار، وقد وضع الأحرار في جنوب اليمن مهمة الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في الشمال على عاتقهم كون "الأرض واحدة"، إضافةً إلى أن الثورة المُسلحة في الجنوب دون تغيير الأوضاع في الشمال عبارة عن مُغامرة.
ويرون ان عبقرية ثورة 14 أكتوبر المجيدة تجلّت في توحيد 23 سلطنة ومشيخة وإمارة في جنوب اليمن، ضمن الهدف الأكبر بإعادة هوية الجنوب اليمني كدولة قوية موحدة تستطيع أن تحقق الإنجاز الوطني الأكبر في الوحدة اليمنية، والتي كانت هدفاً جوهرياً للسياسيين والثوار في الجنوب والشمال عقب ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
كما أنها صنعت الاستقلال لشطر الوطني الجنوبي بطرد المحتل البريطاني، وأنجزت أهم خطوة في طريق وحدة التراب اليمني بعد أن كان الشطر الجنوبي ممزقًا بين عشرات الإمارات والسلطنات والمشيخيات.

تأطر وحدوي
لم يستكن شعبنا اليمني للاحتلال أو يقبل بهيمنته على عدن والجنوب، فكانت الانتفاضات القبلية والثورات الشعبية والمقاومة مستمرة طيلة فترة وجود الإحتلال البريطاني منذ وطئت أقدام الكابتن "هنس" أرض عدن في يناير 1839م، و حتى خروج آخر جندي بريطاني منها في الثلاثين من نوفمبر 1967م، ومع اندلاع ثورات التحرر الوطني منتصف القرن العشرين، كانت القوى الوطنية الحية في عدن قد تأطرت في تنظيمات سياسية أو نقابية ومهنية لمقاومة خطط الاستعمار ضمن حركة تحرير وطني انخرط فيها كل الأحرار من "بقاع اليمن قاطبة".
وكانت وجهة الأحرار من الشمال، اقليم تعز وتهامة نحو عدن، خاصة موجات نزوح الأحرار اليمنيين من صنعاء وتعز بعد فشل ثورة الدستور سنة 48، وحركة الجيش في 55 ضد الإمامة قد أعطى للحركة الوطنية في عدن زخماً أكبر، حيث تركّز النشاط السياسي والثقافي المناوئ للإمامة والاحتلال معًا -بحسبهما سبب تأخر اليمن وتمزق اليمنيين- وشكّل احتضان أندية عدن للأحرار واحتفاء صحفها ومنابرها الإعلامية بمقالاتهم وخطاباتهم منبراً للوعي والتثقيف والتعريف بالقضية اليمنية في سبيل التخلص من النظام الامامي المتخلف وطرد الاستعمار الأجنبي من عدن والمحميات.

"واحدية الثورة"
وكانت للصحافة الوطنية والأندية الثقافية في عدن والمكلا ، صوتًا للأحرار ضد الإمامة في الشمال، كما هي صوت للثورة ضد الاستعمار البريطاني، لتكتمل تلك المنظومة الإعلامية الثورية مع اذاعة تعز التي كانت صوت الأحرار في الجنوب. 
ومن خلال هذا التداخل والتكامل ظهر ما عُرف لاحقًا بمصطلح "واحدية الثورة اليمنية أكتوبر وسبتمبر"، كثورة وطنية بأهداف وغايات موحدة في وجدان الشعب، مختلفة الأدوات والأدوار بحسب طبيعة الاستبداد السياسي والاحتلال الأجنبي الذي قامت ضده.
وفي مواجهة ذلك، شرع المستعمر في تقنين سياسة التمييز بين المواطنين اليمنيين في عدن والقادمين من خارجها - مواطني المحميات وشمال الوطن - بعد أن ربط مصير عدن بحكومة التاج البريطاني مباشرة، كما حاول زراعة كيان تابع له من خلال تكوين ما سُمي باتحاد إمارات الجنوب العربي، لكنه فشل في اختراق الفكر الثوري وتدميره من عقول اليمنيين الاحرار حينها، فقامت الثورة في اكتوبر 63 ضده.

أساس التحرر .. مسيرة شاقة
وفي هذا الإطار، قامت ثورة 14 أكتوبر المجيدة على أساس التحرر من الاستعمار البريطاني وبناء دولة يمنية حديثة، كما هي في أدبيات وتصورات الجبهة القومية، المحرك الأساسي للثورة والحزب الوحيد الذي حكم اليمن الجنوبي بعد توحيده في الثلاثين من نوفمبر 1967م حتى تحقيق وحدة نظامي الحكم في الشطرين يوم الثاني والعشرين من مايو عام 90.. وهذه الأفكار التحررية الوحدوية كان يتشاركها كل عناصر حركة القوميين العرب فرع اليمن- بحسبهم العمود الفقري للجبهة القومية - وهم ينحدرون من كل أصقاع اليمن دون تمايز مناطقي أو مذهبي أو جهوي.
وقد انعكست هذه الأفكار والمبادئ أولاً في توحيد جنوب اليمن في دولة موحدة عشية يوم الاستقلال، وإعلان استمرار النضال لتحقيق بناء دولة (اليمن الديمقراطي الموحد) في مسيرة نضال شاقة ومرهقة.

كتيبة التحرير الأولى
لقد تخلّقت الكتيبة الأولى لجبهة التحرير الوطني -الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل- من الاستعمار البريطاني في أفياء جمهورية سبتمبر الخالدة بمدينتيّ صنعاء وتعز، وتعاقبت دورات قيادتها ومؤتمرات تنظيمها في (جبلة)، وفتحت لها مخازن السلاح وميادين التدريب في صالة وغيرها وكان الشهيد راجح بن غالب لبوزة قد جمع بين رمزية النضال لإسقاط الإمامة في صنعاء وشرف تفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر من جبال ردفان الشماء، وعندما فتحت بريطانيا لفلول الملكيين أبواب إمارة بيحان وحدود حريب لخنق ثورة سبتمبر في صنعاء، هبّ رجال أكتوبر وكتائب الحرس الشعبي لكسر حصار السبعين وإنقاذ ثورتهم الأم وجمهوريتهم الفتية،
إلا أن صراعات داخلية وتحولات فكرية ايدلوجية عصفت بقيادة الدولة في عدن، قد أخّرت إنجاز بناء مشروع الدولة الوطنية على كل التراب اليمني، حينما انتهجت الدولة الوليدة مسارًا بعيدًا عن فلك دول الجوار والمنطقة. 
ومع نهاية الحرب الباردة عاودت جهود التوحيد الوطني نشاطها بشكل حثيث لتنجز مشروع وحدة الوطن الذي تعثّر قرابة الربع قرن منذ فجر الثورة والاستقلال الوطني.
اخيرا .. إن الانتكاسات التي مُنيت بها مسيرة بناء الدولة في اليمن سواءً قبل أو بعد التوحيد في العام 90 لم تكن ذات جذور اجتماعية أو تاريخية بقدر ما كانت أخطاء النخبة السياسية في الشطرين ثم في دولة الوحدة، فعلى مدى نصف قرن من الإستقلال لم يكن يعكر استقرار الشعب اليمني في الجنوب والشمال وعلاقاته الأسرية والأخوية إلا عراك الساسة ومطامع قوى النفوذ.

استذكار وتطلعات
ونحن نحتفي بثورة أكتوبر العظيمة في ذكرها الـ 60، يجب ان نستذكر بكل فخر أهدافها الوطنية الكبيرة، وتطلعات قادتها وأحلام شهدائها الأبطال في بناء (يمن ديمقراطي موحد نفديه بالدم والأرواح)، هذا الشعار الذي رفعه الثوار عنوانًا لمرحلة النضال الوطني الديمقراطي، تتأكد أهمية التذكير بأهدافه السامية وقيمه النبيلة اليوم، في ظل ملامح عودة شبح الاستبداد والتمزق الذي فتح شهية القوى الطامعة في العودة بشعبنا اليمني لعهود الجهل والتخلف وتقسيم الوطن وتمزيق نسيجه الاجتماعي. 
وهذا ما يحتم علينا توحيد الجهود وحشد الطاقات نحو خلاص الشعب وتحرير مؤسسات الدولة من قبضة مليشيات الحوثي الإيرانية ومشروعها السلالي العنصري لينعم شعبنا بتقرير مصيره ورسم مستقبله في ظل دولته الوطنية الديمقراطية وحماية مكتسبات ثورته الخالدة.