Image

الدور السياسي للرئيس الشهيد الزعيم صالح في اليمن .. اليمنيون يبكون عهده .. التاريخ لا يُكتب مرتين

"التاريخ لا يُكتب مرتين"، هذا هو لسان حال اليمنيين في جميع مناطق الجمهورية، يبكون رحيل الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، الذي شهدوا في عهده كل ما لم يتمكنون من عيشه خلال فترة فوضى 2011م، وما تلاها من انقلاب لميليشيات الحوثي على الدولة، والحروب التي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات.

لا يكاد يختلف اثنين على أن الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، هو من أذكى الرؤساء في العالم، وأكثرهم حنكة في إدارة شؤون الحكم، والتعامل مع الأزمات المحلية والاقليمية والدولية.

والرئيس الشهيد صالح الذي أنتخب رئيسًا لليمن الشمالي في 17 يوليو 1978م، وهو في 36 من عمره، وتولى حكم اليمن الموحدة في 22 مايو 1990م، كرئيس معتدل، كأن له علاقات وثيقة بجميع القوى الغربية والعربية والاسلامية المؤثرة، لانتهاجه سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين، واحترام المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومشاركته المجتمع الدولي في محاربة الارهاب.

سماته القيادية

عُرف بأنه لا يخشَ شيئاً، فكان شجاعاً ومقداماً ، فأثارت شجاعته وجرأته إعجاب رؤسائه بالجيش، فترقى في الرتب العسكرية ليصبح من أهم القيادات العسكرية اليمنية في سبعينيات القرن الماضي، ما أكسبه نفوذاً كبيراً، ومكانة محلية وعربية حيث مثّل اليمن حينها في عدة محافل خارج البلاد.

الطريق إلى الرئاسة

تُعَدُ محافظة تعز نقطة إنطلاقه الأولى نحو مسيرته السياسية والقيادية، حيث تولى مسئولية أمنها وقيادتها مطلع السبعينيات، حيث كانت تُعَدُ العاصمة الثانية لليمن الشمالي حينها، ومدينة الثقافة والعلم، ما أكسبه العديد من المعارف والعلوم في مجالات عدة ومنها السياسة وفن القيادة، كما اكتسب شهرة ونفوذاً في اليمن الشمالي، وارتبط بعلاقة قوية مع شيوخ القبائل في جميع مناطق اليمن.

بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها اليمن الشمالي نهاية السبعينات، والتي أدت لمقتل الرئيسيان الحمدي والغشمي، شهدت البلاد فراغّا سياسيًا كبيرًا; نتيجة عزوف العديد من السياسيين عن تولي زمام الأمور في ظل تلك الاضطرابات.

لكن القدر كان له راي آخر في اختيار من ينقذ اليمن الشمالي حينها، فتقدم المقدم علي عبدالله صالح، عارضًا ومنذرًا نفسه لخوض غمار تجربة إنقاذ بلاده من تلك الحالة البائسة التي وصلت لها، فتم انتخابه بالإجماع من قبل مجلس الشعب رئيسًا لليمن الشمالي في 17 يوليو 1978م، ليصبح علي عبد الله صالح عضو مجلس الرئاسة، رئيس الجمهورية العربية اليمنية.

تحقيق الوحدة

تمكن الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، من تجاوز كل عقبات الماضي التي حالت دون توقيع إتفاقية الوحدة بين شطري اليمن، ليقطف الرئيس الشهيد ثمار جميع الجهود السابقة في لحظة تاريخية وحدوية سيخلدها التاريخ، لتكون الوحدة اليمنية أحد أهم منجزات علي عبدالله صالح السياسية.

فتمكن في 22 مايو من العام 1990م، من إعلان الوحدة مع علي سالم البيض رئيس الشطر الجنوبي حينها، من مدينة عدن، وأصبح شطري اليمن وبموجب اتفاقية الوحدة "يمناً واحد"، تحت مُسمى "الجمهورية اليمنية"، وأصبح علي عبد الله صالح رئيساً لليمن الموحد، وعلي سالم البيض نائباً له، وأصبح لكل من حزبي المؤتمر الشعبي العام والإشتراكي نصيبًا متوازنًا في السلطة.

وفي في 27 ابريل 1993م، تم تنظيم أول انتخابات نيابية في اليمن، ليتم في 11 أكتوبر من نفس العام، انتخاب الرئيس الشهيد صالح رئيسًا لمجلس الرئاسة، ليتم في 7 يوليو من صيف 1994م، تثبيت الوحدة بعد وأد فتنة الانفصاليين في جنوب البلاد، ليقوم الرئيس الصالح بمعالجة آثار تلك الفتنة في 2002م، بإصدار عفو عام عن قائمة المتهمين فيها، أو ما عرف حينها بقائمة الـ (16).

السياسة الخارجية

لم يتردد علي عبد الله صالح خلال مسيرته السياسية التي ناهزت ثلاثة عقود في التحالف مع ألد أعدائه للحفاظ على اليمن وتعزيز مواقعها السياسي و الحضاري

و استطاع بسياسته الحكيمة أن يجنب اليمن الكثير من المشاكل انطلاقاً من حنكته ورؤيته البعيدة والثاقبة للأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية.. فاليمن مرت بمراحل صعبة جداً وتحديات كبيرة واستطع وبفضل قيادته السياسية أن نتجاوز ونحفظ أمننا واستقرارنا وبالتالي بفضل هذه السياسة الحكيمة أصبحت اليمن في عهده تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع دول العالم، والمجتمع الدولي يدعم اليمن وذلك نتيجة للسياسة الخارجية اليمنية المتميزة، كشركاء مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، شركاء في التنمية، شركاء في الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة وبالتالي فإن واقع السياسة الخارجية اليمنية سياسة ناجحة،.. ولعل أبرز النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية لليمن وجود علاقات جيدة مع كل دول العالم أهمها العلاقات الوطيدة والمتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي والدعم الذي تحظى به اليمن لأمنها واستقرارها ووحدتها

و استطاع الوقوف في وجه العواصف والأحداث وإخراج البلاد مما كانت عليه بالعقل والحكمة والحنكة السياسية، كما أدخل فخامته عنصراً هاماً في الدبلوماسية اليمنية وهو عنصر الحوار الذي هو فعلاً لحل كل المشاكل سواء الداخلية أو الخارجية، وصار هذا المبدأ أساسياً في سياستنا الخارجية حيث نحن في المجال الدبلوماسي نعمل وفقاً لهذا المنطلق وسيبقى كونه أثبت جدواه وأثمر بعلاقات دولية وطيدة نجني ثمارها اليوم على مختلف الأصعدة.. وهذا جاء وفقاً للسياسة الحكيمة التي انتهجها فخامة الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح منذ توليه دفة قيادة البلاد.

 ولان اليمن هي مصدر العروبة وبالتالي توجهاتها وحرصها الدائم في فترة حكمة على التضامن العربي وعلى الوحدة العربية من خلال تقديمها العديد من المبادرات من أجل إيجاد تكتل عربي يستطيع من خلاله الوطن العربي “أو المجتمع العربي” الوقوف بشموخ أمام تلك التكتلات التي وجدت.

الحقيقة اليمن تقدمت بمبادرات عدة منها مبادرة فخامة الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح لعقد اجتماعات الجامعة العربية بشكل دوري ونجحت، والمبادرة الأخرى وهي مبادرة إنشاء اتحاد الدول العربية لما من شأنه تحريك المياه الراكدة.

تمرُد الحوثيين

في 2003م، خرج المدعو حسين بدر الدين الحوثي، من محافظة صعدة القريبة من الحدود السعودية، متمردًا على الدولة، ومناديًا بعودة النظام الإمامي الزيدي الذي قضت عليه ثورة 26 سبتمبر في شمال اليمن، ليخوض صالح حربًا جديدة للدفاع عن مبادئ وأهداف ثورة سبتمبر، وحماية الجمهورية والوحدة من هذه الفئة الضالة.

اعتبر الحوثي الدولة اليمنية خارجة عن الإسلام بسبب دورها في الحرب على الإرهاب، وحملتها ضد التطرف الديني، وأعلن عليها حرباً قبلية.

حاولت الدولة إحتواء التمرد، وانتهج صالح سياسة المصالحة مع المتمردين، لكن حسين الحوثي رفض كل ذلك مدعومًا من حليفته الرئيسية، وعدوة العرب والمسلمين "إيران"، فأصبحت البلاد مهددة بحرب طائفية، كما أن الدعم الذي تلقاه من جهات خارجية ومحلية جعل الأزمة تتضخم، خصوصاً مع التعاطف الذي لقيه من بعض الأحزاب اليمنية الرسمية، وجهات متشددة دينياً في الدولة مثل حزب الإصلاح "ذراع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في اليمن"، حتى تم قتل المدعو حسين الحوثي، خلال معارك عنيفة في جبال صعدة، لكن هذه لم تكن نهاية فتنة الحوثي، فقد خرج الأب بدر الدين الحوثي بعد أشهر مطالباً بإقامة دولة الإمامة من جديد في اليمن، ليستمر الصراع بين الجمهورية والإمامة حتى اليوم.

وخلال ست جولات من الحرب من 2004م إلى 2011م، تمكن الرئيس الشهيد صالح من تحجيم الحوثيين والإبقاء عليهم في كهوف صعدة، حتى جاء الإخوان المسلمين في فوضى 2011م، ليتم إحياء تلك الجماعة وقيادتهم على العاصمة صنعاء.

تحقيق التعددية

اعتمد الرئيس الشهيد الزعيم علي عبد الله صالح، خلال فترة حكمه بعد إعادة الوحدة اليمنية في عام 1990م، خيار الديموقراطية واحترام الرأي الآخر، وأصبح أول رئيس يمني ينتخبه الشعب مباشرة في انتخابات 1999م، حيث تم تأسيس العديد من الأحزاب على أسس فكرية، كحزب المؤتمر والحزب الاشتراكي وحزبي البعث, وأخرى دينية كحزب الإصلاح، وأخرى على اسس طائفية كحزب الحق، وغيرها، وبذلك أصبحت التعددية والديموقراطية نهجًا للحكم في عهده المبارك، حتى تم انتخابه مرة أخرى رئيسًا لليمن في العام 2006م.

فوضى 2011م

شهدت اليمن إحتجاجات فوضى وتخريب مطلع العام 2011م، من قِبل الجماعات الإرهابية المتطرفة "الإخوان والحوثيين"، وهما ذراعان ينتميان إلى جهات خارجية تسعى لتدمير اليمن وعدد من  البلدان العربية، فيما عُرف حينها بما يُسمى "الربيع العربي"، تم استغلال الشباب وصغار السن والنساء فيها.

بلغت تلك الاحتجاجات ذروتها في اليمن، في 18 مارس 2011م، بعد إقدام جهات لها مصالح في تحويل العملية الإحتجاجية من سلمية إلى دموية، وتسببت بمقتل 52 شابًا يمنيًا من ادأجل تحقيق مصالح وثروات على حساب دمائهم الطاهرة.

ومع محاولة اغتيال الرئيس الشهيد الصالح، وعدد من رموز الدولة اليمنية في جامع دار الرئاسة في أول جمعة من رجب الحرام، الثالث من يونيو 2011م، حيث تم استهداف الجامع أثناء صلاة الجمعة بالقذائف والصواريخ الموجهة، استشهد على إثرها رئيس مجلس الشورى الشهيد عبدالعزيز عبدالغني، وعدد من القيادات الوطنية العسكرية والسياسية، فيما أصيب الرئيس الصالح بحروق، لتدخل البلاد بعدها حالة احتقان سياسي وأمني كبيرين، تمكن الرئيس الشهيد من معالجته من خلال إصدار توجيهاته للجيش والأمن بعدم الرد على جامع الرئاسة حقنًا لدماء اليمنيين.

وفي فبراير من العام 2012م، تنازل الرئيس الصالح عن السلطة سلميًا بطريقة ديمقراطية، لنائبه عبدربه منصور هادي، وسلمه العلم الجمهوري كأمانة يحافظ عليها باعتباره رمز  الجمهورية، والوحدة، والديموقراطية، وجميع مكتسبات اليمنيين، إلا انه فشل في ذلك لصالح جماعة الإخوان والحوثيين بعد ذلك.

حيث استفادت مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيًا أعظم استفادة من ضعف هادي، وتمادي حزب الإصلاح في السيطرة على مرافق السلطة في عهده والتربح المالي والسياسي والعسكري على حساب اليمنيين، واستطاعت جماعة الحوثي السيطرة على السلطة بعد انقلابها على الدولة في 21 سبتمبر 2014م

اليمن بعد الشهيد الصالح

ظل اليمن ينعم بجميع مكاسب الدولة الحديثة في عهد الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، حتى جاءت فوضى 2011م، التي أتت على جميع مكاسب اليمنيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، وجميع المنجزات في إطار الخدمات المتعارف عليها من كهرباء وماء وطرق وصحة وتعليم، وعلى رأسها الأمن والأمان، وباتت البلاد بعد حروب وفوضى تجاوزت 12 عامًا على مشارف المجاعة والانهيار في كل تلك الخدمات والمجالات التي أفقدت اليمني حق العيش الكريم.

أدت حرب اليمن منذ مارس 2015م، إلى مقتل أكثر من (8400) شخص بينهم (1500) طفل على الأقل، وأصيب (48) ألف شخص، أغلبهم مدنيون. كما أثارت بحسب الأمم المتحدة أسوأ أزمة انسانية حول العالم، فيما انتشر وباء الكوليرا الذي أودى بحياة أكثر من ألفي شخص وسط مجاعة تهدد عدة محافظات.