Image

اليمن .. زواج القاصرات "تجارة رقيق" في زمن مليشيات الحوثي

"تجارة رقيق، أو زواج المتعة"، سميها ما شئت، لكنها كارثة جديدة تَحِلُ على اليمنيين، استقدمتها مليشيات الحوثي الإرهابية من النموذج الإيراني، إلى شعب يُعْرَف بالمحافظ، استفقرته الحوثية خلال التسع سنوات، واستباحت أشياءه الجميلة.

خطر الظواهر الاجتماعية
ومع استمرار حروب المليشيات الحوثية المختلفة على اليمنيين، سواء بالسلاح أو مصادرة أراضيه وممتلكاته، او بفرض مزيدٍ من الإتاوات المالية والجبايات، وفرض الضرائب، والقيود على حركة السلع والبضائع، أو بمنع مؤسسات الدولة الخدمية من تقديم خدماتها وتحويلها لصالح عناصرها، أو المتاجرة بها، وصولًا إلى مصادرة حقوقه الأُسرية، والمتاجرة بفتياته الصغيرات.
لقد تزايدت الظواهر الاجتماعية الدخيلة على المجتمع اليمني بفضل الحوثيين، لكن أخطر هذه الظواهر الاجتماعية (زواج القاصرات)، ويعود ذلك إلى العديد من الأسباب المتوارثة والمستحدثة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد جراء الصراعات السياسية، بالإضافة إلى جملة من العناصر أهمها غياب التوعية بمخاطر الزواج المبكر.

واقع زواج متعة إيرانية
وعلى الطريقة الايرانية في استباحة أعراض، وحقوق الفتيات الصغير، لا يكاد يمر شهر دون حدوث واقعة زواج قاصر في مناطق سيطرة الحوثيين، وبماركة ودعم المليشيات، ومعظمها لصالح قياداتها الإرهابية.
تؤكِّد العديد من التقارير الحقوقية اليمنية، تعرُض العشرات من الفتيات القاصرات للزواج، من قيادة حوثيين أو موالين لهم، معظمهم سنهم كبير، ولديهم العديد من الزوجات،  لكن من النادر جدًا وصول الأخبار إلى وسائل الإعلام، إذ يجري التكتم على مثل هذه الأمور; لاعتبارات تتعلق بالعادات والتقاليد القبلية المتشددة التي تعتبر التعاطي مع هكذا أمور ونشرها جريمة من جرائم العار القبلي (العيب)، لذلك يتجنب الجميع نشر مثل هذه الحالات.

الاتجار في البشر
وتشير التقارير، إلى أن عشرات الأطفال تعرضوا خلال أقل من عام إلى جرائم قتل، وتعذيب من قبل آبائهم في حوادث لم تشهد لها البلاد مثيلًا في السنوات الماضية، التي سبقت انقلاب مليشيات الحوثي، معظمها جرائم بحق الأطفال نتيجة الأوضاع المعيشية التي تشهدها اليمن جراء الصراعات الداخلية، والحرب التي تشهدها منذ تسع سنوات، والتي أدت إلى انهيار الأوضاع الاقتصادية، ما يدفع بالآباء إلى التخلص من أبنائهم بطرق وحشية.
ويذكر أحد سكان العاصمة صنعاء المحليين، بأن أحد قيادات مليشيات الحوثي الميدانية، يتزوج من فتاة صغيرة كل ثلاثة أشهر، بمساعدة زوجته الأولى، من زوجاته الثلاث الأخريات، والتي تعمل على طلب الفتاة من أهلها بالترغيب والتهديد، ومن ثمه تقودها بعقد صوري إلى زوجها في زواج متعة، أو "تجارة رقيق" مكتملة الاركان، يظل مع تلك الطفلة مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر قبل أن يعيدها إلى أهلها مع هدايا واموال بسيطة، لتبدأ زوجته بالبحث عن ضحية أخرى.
ويضيف، أن ذلك يحدث لدى العديد، إن لم يكن معظم قيادات مليشيات الحوثي، تجسيدًا لما يبيحه دينهم ومذهبهم فيما يُسمى "بزواج المتعة" المحرم شرعًا.

راي القانون
يجرم القانون اليمني في المادة 248 من قانون العقوبات اليمني، المتاجرة بالبشر، حيث تنص على "حبس كل من باع أو تصرف ب"إنسان" مدة لا تقل على عشر سنوات، إلا أن المُشَرِع اليمني الذي حدد سن الزواج بـ 15 عام لم يجرم زواج الأطفال تحت هذا السن، رغم مطالبة الكثير من نشطاء منظمات المجتمع المدني، والمثقفين، والخبراء الاجتماعيين والأطباء، وغيرهم، وكذلك رغم المناشدات التي أطلقتها منظمات حقوقية وإنسانية للحكومة اليمنية لمعالجة هذه الظاهرة التي تشكل انتهاك خطير لحقوق الأطفال في اليمن.
ومع انقلاب الحوثيين في 2014، ووقوع العديد من المناطق تحت سيطرتها بما فيها العاصمة صنعاء، عمدت تلك الجماعة على إدخال العديد من التشريعات التي تخدم فكرها وتوجهها الطائفي على القانون اليمني المعتدل، وحرفت العديد من مواد القانون، وأسقطت مسؤوليات عدة عن القضاء والنيابة لصالح ما يُسمى اليوم، ب"الهيئة العدلية"، برئاسة القيادي الارهابي "محمد علي الحوثي".

تقارير دولية
أن تجاهل الحكومة اليمنية تجاه هذه الظاهرة يتعارض مع حقوق الطفل، وفق المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن، وأصبحت بموجبها جزء من تشريعاتها الوطنية، ومن التزاماتها أمام المجتمع الدولي، كما يجعل مليشيات الحوثي الإرهابية في دائرة الاتهام، والتساؤل الدولي حول تنصلها من العمل بتلك المعاهدات والاتفاقيات.
وتشير تقارير المنظمات الدولية، إلى معاناة الطفولة في اليمن، وسوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال. وفي أوقات سابقة، قال صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف): " أن ربع الفتيات في اليمن، ما زلن يتزوجن في سن الخامسة عشرة".

قصص واقعية
وذكرت تقارير حقوقية يمنية،  أنه خلال الشهرين الماضيين ضجت وسائل الإعلام، بأخبار واقعة بيع طفلة يمنية بمحافظة ريمة شمال اليمن من قبل والدها، وخالتها زوجة والدها لرجل آخر، وقال ناشطون:" أنه ينوي الزواج من الطفلة قبل أن تقوم زوجة المشتري بتهريب الطفلة، التي تبلغ من العمر 11 عامًا فقط، و تعرضت لتعنيف أسري، ومعاملة قاسية من قبل والدها، وزوجته، وأخوها.
وظلت الطفلة الضحية وتدعى "علا عبده غانم"، من منطقة مزهر محافظة ريمة اليمنية، منذ فقدت والدتها تعيش تحت التعذيب اليومي، إذ استخدم أقاربها كافة أشكال التعذيب تجاه الطفلة حتى فقدت النظر في إحدى عينيها، بالإضافة إلى معاناتها من صعوبة النطق، وإصابتها بحالة نفسية، حسب شهود عيان، وقام عم الطفلة باستخراج وثائق لشهادة ميلاد مزورة جرى فيها تزوير عمر الطفلة شروعاً بتزويجها من الرجل الذي بيعت له بمبلغ مائتي ألف ريال يمني فقط.
هناك الكثير من القصص والحكايات التي تناولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وهي جزء يسير من الأعداد الحقيقية، ففي 31 أغسطس/أب عام 2019 قام رجل من أبناء محافظة إب بشمال اليمن ببيع طفلته وتدعى "ليمون" التي لا يتجاوز عمرها 8 سنوات لشخص آخر مقابل مبلغ مالي بهدف سداد ديون عليه، حسب ما تداولته وسائل الإعلام حينها، قبل أن يقوم الأهالي بجمع التبرعات وسداد المبلغ وتحرير الطفلة ليمون قبل تسليمها للمشتري.
وفي العام 2015، توفيت طفلة في الثامنة من عمرها تدعى "روان" متأثرة بجراح عميقة في ليلة زفافها، حيث تزوجها رجل في الأربعين من عمره، عندما قام بنقل الطفلة روان -التي كانت لا تعي ماذا يعني الزواج- لأحد الفنادق بمدينة حرض بمحافظة حجة شمال اليمن، واغتصبها بوحشية لتلقى حتفها متأثرة بجروح عميقة، وتمزق في الرحم، والأعضاء التناسلية.

ووفقًا لوكالة سبوتنيك الروسية، فانه خلال الأشهر الأخيرة وبالتحديد في 4 نوفمبر2022م، قضت محكمة دمت الابتدائية، بفسخ عقد زواج طفلة تدعى (نُهى..ج) تبلغ من العمر 10 أعوام، بعد زواجها على رجل خمسيني، وتم إعادة الطفلة لأمها وحبس الأب والزوج والأمين الشرعي.. وحالة أخرى نالت شهرتها إعلاميًا عالميًا، وهى للطفلة" نجود الأهدل" (8 سنوات) التي كانت أسرتها تعيش في فقر مع أشقائها الـ 13، غير أن هذه الحالة مغايرة لأن زوجها أجبرها على المعاشرة، وقد اعترف بذلك، وتمكنت نجود من الهرب من زوجها واللجوء إلى المحكمة، وقضت محكمة غرب صنعاء ببطلان زواجها، وأمرت بفسخ عقد الزواج.

الاسباب القاهرة  
إن أهم الاسباب القاهرة التي تدفع الاسرة إلى تزويج، أو بيع طفلتها بسن مبكر لرجل يكبرها بعشرات السنين، او بعمر والدها، هو الحاجة الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها تلك الاسرة والتي تسببت بها مليشيات الحوثي  الارهابية نتيجة انقلابها على الدولة، وشنها حروبًا مختلفة على اليمنيين، ومنها الحرب الاقتصادية، وسياسة التجويع والافقار.
كما أن من أهم أسباب زواج القاصرات في اليمن، غياب حقوق المرأة جراء الضغوط التي مارستها الجهات المتشددة باسم الدين، كما أن للمشكلة ارتباط بالعادات والتقاليد الاجتماعية للقبيلة ومسميات العار التي تغلف نظرة المجتمع تجاه المرأة.

معاناة مستمرة
وتقول قمر جابر، المدير التنفيذي لمؤسسة حرو للتنمية والحقوق، والمسؤول في إتحاد نساء اليمن بالوادي والصحراء بمحافظة حضرموت للوكالة الروسية:" إن ظاهرة زواج القاصرات اللاتي لم يبلغن سن الزواج، هذه الظاهرة لم تكن موجودة ببعض المناطق اليمنية كحضرموت، وإنما في المناطق الريفية من شمال اليمن أو جنوبه، والغالبية ممن يقومون بهذا الأمر غرضهم غير المعلن المتاجرة ببناتهم وهن قاصرات".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، "أن هناك فهم خاطىء للدين لدى البعض بسبب جهلهم وقلة وعي الأهالي والتي تحرم البنت طفولتها وتجعلها تتحمل مسؤولية وحياة قاسية أكبر بكثير من سنها، وتتعرض البعض منهن إلى أمراض وضغوط نفسية أو أعراض مرضية، وفي الأخير يتخلى الزوج عنها أو يتزوج عليها ويتركها لأهلها كالمعلقة لا متزوجة ولا مطلقة، أو يتم الطلاق وتظل حياتها ضياع وحسرة وندم، والطامة الكبرى إذا كان لديها أطفال وتخلى الأب عن مسؤوليته تجاه أبنائه، فتظل تائهة ومذلولة ومحتاجة للغير".
وتابعت جابر: "تستمر معاناة الفتاة حتى بعد الخلاص من تلك العلاقة القاسية، فعندما تترك بأطفال وهى مطلقة تعيش محنة كبيرة لا نهاية لها في الأفق، لأنها لا تمتلك مايسد حاجتها أو حاجة أبنائها، الأمر الذي تضطر معه بعضهن للعمل بالبيوت أو المزارع أو خدمة إخوانها وزوجاتهم فتظل كسيرة مهانة غير قادرة عن التحرر من هذا الوضع الظالم عليها وعلى أبنائها".

أسباب متعددة
ولخصت جابر أسباب تلك الظاهرة في ظل التدهور الاقتصادي والمعيشي الراهن في عدد من النقاط أهمها، العادات والتقاليد حيث يندرج تزويج القاصرات بالمجتمع اليمني في خانة العادات والتقاليد والتي انتعشت أخيرًا بسبب الحروب، فقد كادت أن تنتهي تلك الظاهرة قبل الحرب، إلا أن الوضع الاقتصادي السئ وعودة الأمية جعلت البعض يتمسكون بعاداتهم بالزواج بسن مبكر، مثلما حدث مع أهلها سابقا، علاوة على العادات هناك الفهم الخاطىء للدين خاصة في الشمال".
وتكمل جابر: "إضافة إلى ما سبق، نجد أن النزوح من مناطق الحرب وحاجة الأسرة للمال يضطر بعض الأهالي إلى تزويج بناتهم قبل النزوح ليخففوا على أنفسهم عناء التكاليف، أو تزويجهم بالأماكن التي تم الاستقرار فيها، ولنفس السبب وهو التخفيف من الأعباء، أضف إلى ذلك المخاوف من الفضيحة والعار بعد انتشار التكنولوجيا وتواصل الفتيات مع الشباب وظهور الكثير من قصص هروب الفتاة مع عشيقها مما سبب شعور بالخوف عند الأهالي من وصمة العار، فأصبحوا يسارعون إلى تزويجهن".
وأشارت جابر، إلى أن الطمع شجع بعض الأهالي في الآونة الأخيرة على تزويج بناتهم من المغتربين أو الأجانب الذين يدفعون مبالغ كبيرة، ما يجعل الآباء يوافقون على الزواج دون السؤال عنهم أو عن مصير بناتهم، وغالبًا ما تنتهي تلك الحالات والقصص بواقع مأساوي للفتيات وأطفالهن، وفي بعض المناطق القبلية تتحكم الأموال في الأمر حتى إن لم تكن شرعية كالمتاجرة في الممنوعات، ويمتنع الأب عن تزويج ابنته للشاب ذو الراتب البسيط كالموظف، لأنه لن يستطيع أن يتحمل تكاليف الزواج الباهظة والتفاخر الذي يحدث بتلك المناطق".
واختتمت جابر بقولها:" ليس هناك نصًا قانونيًا يحدد سن الزواج الآمن في اليمن، مما يسمح للآباء تزويج بناتهم بأي سن كان ولا تٌفرض عليهم أي عقوبة ولا على المأذون الشرعي الذي يزوج الفتيات وإن كن قاصرات أو أطفال".


ظاهرة قديمة
ورغم ان "زواج القاصرات في اليمن ظاهرة موجودة منذ زمن، بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية، وفقدان الوعي والجهل المنتشر في المناطق الريفية وبالأخص ي اوساط القبائل، الا ان تفاقم الظاهرة زاد منذ انقلاب مليشيات الحوثي وحربها على اليمنيين، التي تسببت في تفاقم الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للاسر بشكل كبير.
وزادت الأوضاع التي تسببت بها الميليشيات في ظل الفوضى التي تعم البلاد، وتنصلها عن تفعيل القوانين الرادعة، في تفاقم الظاهرة، وأصبحت بعض الأسر تبيع بناتهن، وذلك دونما خوف من عقاب، وخوفًا من الجوع، وأيضًا بدافع آخر حماية بناتهن.