الجماعات الدينية السياسية .. وخصخصة الدين الإسلامي ..!!

09:23 2023/08/29

بدايةً ...... 
كم هو جميل عندما يبدأ الخطباء والوعاظ التابعين للجماعات الدينية السياسية ، ذات الأطماع السلطوية ، خطابهم الديني ومحاضراتهم بالوعظ والتذكير ، والحديث العام حول الإسلام ، مسترشدين بالآيات القرآنية ، وبالأحاديث النبوية ، والحديث عن الدين الإسلامي كدين هداية للعالمين ، لكن مع مرور الوقت تتغير بوصلة خطاباتهم من العمومية إلى الخصوصية المذهبية أو الطائفية ، ومن العالمية إلى الفئوية والعنصرية والشعبوية ، ومن الشمول والإتساع إلى الإنحصار وضيق الأفق ، حيث ينتقلون من الحديث حول عموميات الإسلام كدين ، إلى الحديث حول الفكرة السياسية والسلطوية التي يقوم عليها منهجهم.الفكري والسياسي في الحكم ، وفي سبيل ذلك لا مانع لديهم من نسف أسس الإسلام القائمة على العالمية والعموم والرحمة والإنسانية ، لمصلحة أفكارهم المذهبية أو الطائفية ذات النزعة الخاصة والضيقة والمتعارضة مع عالمية وعموم وشمول الدين الإسلامي ، وصولاً إلى اختزال الاسلام في مذاهبهم أو طوائفهم ( خصخصة الدين لمصلحة المذهب أو الطائفة ) ..!!

ويا للعجب ...... 
كيف يستغفل هؤلاء الوعاظ والخطباء عقول عامة الناس ، من خلال تكييف كل خطاباتهم ووعظهم وإرشادهم ، خدمةً لأغراضهم ومصالحهم المذهبية والطائفية والسياسية وأطماعهم السلطوية ، وياليت أن الأمر يتوقف عند هذا الحد ، من التحوير للخطاب الديني لمصلحة هذه الجماعة أو تلك ، بل ٱن الأمر يتعدى ذلك بكثير ، حيث أن القائمين على تلك الجماعات ، وسعياً منهم لكسب التأييد الجماهيري ، لا يألون جهداً في تسخير كل طاقاتهم وقدراتهم العقلية والفكرية ، لتكييف ولي أعناق الأحكام والتشريعات والآيات والأحاديث الدينية ، لتتناسب مع فكرهم السياسي ، مهما كانت المسافة شاسعة بين الأحكام والتشريعات الدينية وبين فكرهم السياسي ، ومصالحهم السياسية ، وأطماعهم السلطوية ، ومهما كان التناقض قائماً بين هذا وذاك ، مستغلين حالة الغفلة والجهل والتعصب ، التي يعاني منها غالبية أفراد المجتمعات المسلمة ..!!

وياللعجب ...... 
عندما تشاهد كيف يتم تكييف وتحوير دين أنزله الله تعالى رحمةً للعالمين ، دين يحمل صفة العمومية والعالمية ، إلى دين جاء خدمةً لهذه الجماعة أو تلك لهذه الطائفة أو تلك ، من دين أنزله الله تعالى ليعالج كل الأمور والمعاملات والعلاقات الحياتية ، إلى دين جاء ليؤكد فقط أحقية هذا الطرف أو ذاك في السلطة ، من دين أنزله الله تعالى لتحرير البشر من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد ، إلى دين جاء ليجعل مجموعة من الناس أسياد والآخرين عبيد ، من دين أنزله الله تعالى لمحاربة كل صنوف الاستبداد والطغيان والظلم ، إلى دين جاء ليفرض على الناس الطاعة العمياء للسلاطين والحكام ، ويحرم عامة الناس من الإنتصار لحقوقهم وحرياتهم ، ويحرمهم من الثورة ضد الطغاة والمستبدين ، وهكذا ..!!

والغريب في الأمر ...... 
أن الفكرة السياسية والسلطوية للجماعات الدينية السياسية ، ترتكز في مجملها على حديث نبوي أو حديثين ، لا يعلم مدى صحتها إلا الله تعالى ، كون الأحاديث النبوية لم يتم تدوينها إلا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بأكثر من مائة عام تقريباً ، ما جعل الكثير من الأحاديث النبوية تتعرض للتدليس والإضافة والحذف ، والقليل منها هي التي سلمت من ذلك ، وهي التي تتطابق في المعنى والدلالة والغاية مع الأيات القرآنية الكريمة . ورغم كل ذلك تقوم القيادات الدينية لتلك الجماعات ، بتحوير ، وتكييف ، وتطويع ، وتأويل كل الآيات والأحاديث والأحكام والتشريعات ، لمصلحة هذا الحديث أو ذاك ، الذي يقوم عليه فكرهم السياسي ، وهنا يكمن العجب ، ويصاب الٱنسان بالذهول ، من هول ما تعرض له الدين الإسلامي من تجريف جائر لأحكامه وتشريعاته وغاياته وأهدافه ، خدمةً لأغراض دنيوية ، ومصالح سياسية ، وأطماع سلطوية ..!!

والمؤسف أن سياساتهم وأفعالهم تلك قد تسببت في  تفريغ الدين الإسلامي العظيم والخالد ، دين الرحمة والعدالة والمساواة والعالمية والإنسانية من محتواه وأهدافه وغاياته الحقيقية العظيمة ، التي تهدف إلى تحقيق الخير والرحمة والسلام والمساواة والصلاح والسعادة لكل بني الإنسان ، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة ، وكارثة ما بعدها كارثة ، وهم بتلك التصرفات الأنانية والسلبية ، قد تسببوا في حرف بوصلة الإسلام عن اتجاهها ومسارها الصحيح ، وكل ما يعانيه الإسلام والمسلمون سابقاً وحالياً ولاحقاً ، من تخلف وتراجع حضاري ، وحروب وصراعات وفتن ، هو النتيجة الطبيعية لخصخصة الدين لصالح أصحاب الأهواء والنزوات ، وأصحاب المصالح السياسية والأطماع السلطوية ..!!