سرطان مُميت للحصول على جواز سفر !
سأحكي لكم كارثة تكشف حقائق مُرَّة عن واقع مُرَير يعيشه أبناء هذه البلاد الكئيبة، و التي لا تُشبه سوى نفسها من بين جميع الدول، إنها نكبة تجاوزت حدود الخيال، حيث تتخللها ألوان من اليأس و الألم و تزرع جذورها في أعماق قلوب المعنيين.
أنا ورفاقي هنا، في هذا المكان الرطب المشبّع بمشاريع الجدب و الحزن، نستشعر كيف تبددت أحلامنا و طموحاتنا في زحمة هذه البلاد، و خصوصًا مدينة المكلا عاصمة أغنى محافظة نفطية، إنها مدينة تُهدر ثرواتها ومواردها الضخمة في أعراسٍ تافهة و احتفالات لا تليق سوى بأذهان الجاهلين، في حين يستمر الظلام و انعدام الخدمات في التمسك بزمام الأمور، حيث تنقطع الكهرباء مدةً طويلة قرابة ١٥ ساعة في أقل تقدير، كأنها لعنة تطاردنا دون هوادة.
و بالوقوع في التفاصيل ياعزيزي القارئ، هناك ألم متجدد سيرافقك و يجعلك تثق بأنك إذا فكرت بالهجرة أو السفر لأي أمر كان، فلن تتمكن من الخروج من هذه الهاوية إلا عبر ممر ضيق وملتوٍ، و هو ممر الحصول على جواز السفر الأسود القاتم، فقد أصبح الحصول عليه أصعب من استخراج جنسية من دولة الفاتيكان لشخص مسلم أسمه محمد.
و من أول الشروط التي يستوجب عليك فعلها في حالة فكرت أن تُقدمْ لاستخراجه في هذه الفترة. عليك أن تصاب بورم خبيث، نعم أقصد أن تصاب بالسرطان لأنك إذا كنت معافى و مستور الحال لن تستلم هذا الكتيب بيمينك ولا بشمالك، أما عن الخطوة الثانية، يجب أن تحضر أوراق من أحد المشافي التي تؤكّد إصابتك بالسرطان.
عزيزي، أنا لم انتهي، فالمستشفيات تُرغمنا على السير في متاهات من البيروقراطية المرهقة، حيث يجب عليك البحث عن تقارير طبية سابقة تثبت بأنك مصاب بهذا المرض، ليتسنى لك الانتظار ، و بعدها يُطلب منك جواز سفر قديم لكي يتم تسجيل البيانات، و كأنك تستخرج هوية من جديد، أما إذا كنت لا تملك شيء، فهناك اجراءات لا أعلم بها ولا أريد أن أعلم عنها شيء لأنه بعد كل هذا عليك أن تؤمن بالمغامرة و السفر سباحة من مضيق باب المندب إلى جمهورية مصر العربية و الخوض بعدها في تيار الهجرة على الأقدام أو المكوث فيها.
هكذا نحن، نعيش في هذه البلاد الطاردة ذات الواقعية المريرة، فكيف يُمكن للبسمة أن تتسلل إلى وجوهنا في ظل هذا الوضع الأسود المشؤوم؟
تصحبكم لعنات الفقراء يا فاسدين.