لسلطات الحاكمة .. و احترام إرادة الشعوب .

07:20 2023/08/16

احترام إرادة الشعوب، من أهم الفوارق التي تُميز بين السلطات الحاكمة الاستبدادية و السلطات الحاكمة غير الاستبدادية; فالأولى لا تعطِ إرادة الشعوب أي إهتمام، بل قد تراها و هي تستهدف تلك الإرادة بالإنتقاص و التهميش المتعمد والمقصود ، بعكس السلطات غير الاستبدادية، التي تراعي و تهتم بإرادة شعوبها بكل الطرق والوسائل الممكنة .

و إرادة الشعوب تتمثل، في طموحاتها، في الحصول على حقوق وحريات أفرادها ، وفي الحفاظ على ثوابتها الدينية و الوطنية و القومية ، وفي الحفاظ على عاداتها و تقاليدها و الإعتزاز و الفخر بتاريخها و تراثها الحضاري، و رموزها الوطنية والقومية ، و احترام التضحيات الكبيرة، التي قدمتها خلال نضالها و كفاحها  الثوري و التحرري، في سبيل نيل حريتها و إستقلالها ، بل إن الشعوب الحرة والحية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقبل الاستهانة بتضحياتها الثورية و إنجازاتها التحررية ، بل إنها ترى أن أي فعل يمس تلك الثوابت الثورية و التحررية هو مساس بوجودها و كرامتها و فكرها و تاريخها و وجودها .

و عادةً ما تلجأ السلطات الاستبدادية إلى النيل من كل ما له علاقة بقيم الحرية و التحرر و الثورة في حياة و وجدان الشعوب ..و عادةً ما تسعى إلى طمس كل المعالم و الأحداث التي لها علاقة بتلك الثوابت و الإنجازات و الانتصارات ; بهدف استبدالها بمفاهيم و قيم جديدة تغرس من خلالها في نفوس الشعوب كل ما له علاقة بالخضوع و الخنوع.

و من الطبيعي أن تقوم السلطات الاستبدادية بمحاربة ثقافة الحرية و التحرر ، فهذه الثقافة تعتبر العدو الأول والأخطر على وجودها واستمرارها ، وبالتالي فإن المعركة بين هذه السلطات وبين قيم و معالم و مفاهيم الحرية، معركة وجودية بالنسبة لها ، و هي في سبيل ذلك تعمل على استبدال ثقافة الشعوب القائمة بثقافتها الجديدة ، و استبدال الرموز الوطنية و القومية لتلك الشعوب برموزها السلطوية ، و لا تتوقف عن العمل على استبدال الثوابت الشعبية و الوطنية الجامعة بثوابت جديدة قد تكون دينية أو مذهبية أو طائفية أو شخصية مفصلة على مقاسها ، ثوابت تعزز حقها في السلطة و الحكم و الاستبداد .

و السلطات الاستبدادية بذلك تسعى إلى فرض إرادتها و ثقافتها على أفراد تلك الشعوب ، لتصبح إرادة السلطة المحدودة بحدود مصالح قياداتها هي الإرادة النافذة ، و لتصبح إرادة الشعوب لا قيمة لها ولا اعتبار لها ، و لتصبح إرادة ورغبات قيادات السلطات الحاكمة مقدمة على إرادة ورغبات الشعوب ، و هكذا وضع غير طبيعي يستوجب من السلطة القيام بكل ما من شأنه تعظيم و تقديس إرادتها و تهميش وانتقاص إرادة الشعوب ، و هكذا وضع يستوجب تغيير ثقافة الشعوب وطمس معالم كفاحها و نضالها الثوري والتحرري.

و السلطات الحاكمة الاستبدادية بتلك السياسات والتصرفات تضع نفسها في مواجهة حقيقية مع شعوبها ، مواجهة وجودية بين سلطات طامحة تسعى لتغيير ثقافة و إرادة الشعوب ، وبين شعوب متحمسة للدفاع عن  ثوابتها الدينية و الوطنية والقومية مهما كانت التضحيات و النتائج ، شعوب تدافع عن ثقافتها و تاريخها و نضالاتها و تضحياتها و كفاحها ، ضد سلطات حاكمة استبدادية تسعي إلى اختزال الأوطان في شخوص قياداتها و في حدود مصالحها و ثقافتها.
و بهكذا تصرفات و سياسات غير مسؤولة لا تراعي إرادة الشعوب، تضع السلطات الحاكمة نفسها في مواجهة حتمية مع شعوبها إن عاجلًا أو آجلًا.

لكن.في نهاية المطاف، تنتصر إرادة الشعوب على ما سواها من إرادات-أيًا كانت- سلطوية أو مذهبية أو طائفية أو مناطقية أو حزبية ، بحسب ما تسرده الأحداث التاريخية الموجودة على صفحات الكتب ، فالشعوب قد تمرض و قد تتعثر وقد تُخدع وقد تستغفل وفد تُستغل من هذه السلطة أو تلك ، لكنها في النهاية تستجمع قوتها و عزيمتها و كرامتها; لتنتصر لثوابتها و نضالاتها و كفاحها و تضحياتها و ثقافتها و تاريخها و تراثها و حقوقها و حرياتها و حقها في الحياة والوجود .

و للأسف لم تتعض السلطات الحاكمة الاستبدادية حول العالم من كل ذلك ، و لم تأخذ العظة والعبرة من مدرسة التاريخ ، بل تراها و هي مستمرة في غيها و غرورها و زهوها و ممارساتها السلبية، التي لا تتوقف عن استهداف إرادة الشعوب و انتقاصها وتجاهلها ، لكن يبدو أن السلطة و بهارجها و بريقها هي من تصنع تلك السلوكيات لدى القائمين عليها ، وهو ما يجعلهم يتجاهلون العظات و العبر التاريخية ، و يجعلهم يتمادون في طغيانهم و جبروتهم ، متجاهين إن إرادة الشعوب قوة لا تُقهر و لا تستسلم و لا تستكين.