Image

لجنة مثيرة للتحقيق في شحنة الديزل الملوث.. فساد كهرباء عدن مفضوح بوثائق وأرقام رسمية

لم يعد فساد الكهرباء في عدن، قضية فساد عادية ترتكبها جهات حكومية وأشخاص ومسؤولون ليس لديهم أدنى مسؤولية أو ضمير حي يردعهم عن ممارسة فسادهم بشكل دائم منذ عقد من الزمن، بل استفحل ليصل إلى مرحلة ارتكاب الجرائم بحق المدنيين جراء استفحال فساد الكهرباء بكل أنواعها وأشكالها، والجهات والأشخاص المشتركين فيها، والذين يشكلون منظومة فساد تشبه "المافيا".
 
فساد لا يمكن تخيله
"فساد لا يمكن تخيله ولا تقبله ولا تفهمه"، بهذه العبارة يمكن وصف منظومة فساد الكهرباء الذي يشهده قطاع الطاقة في عدن منذ بداية الفوضى في البلاد في 2011، زاد من حدته مع وصول أدوات التحالف الفاشلة إلى سدة الحكم في المناطق التي تم تحريرها من مليشيا الحوثي الارهابية.
ومن خلال التقارير الصادرة من الجهات الرسمية والجهات الإعلامية والصحفية، خلال الفترة الماضية، حول فساد الطاقة والحالة المزرية التي وصلت إليها الخدمة الأهم في المناطق الحارة، تم الكشف عن كثير من الجهات والشركات والاشخاص المساهمين في استفحال منظومة الفساد في هذا القطاع الهام.
 
شركات من الفوضى
ومن خلال التتبع لتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الصادرة خلال السنتين الماضيتين حول فساد عقود شراء الطاقة في عدن وعمليات الصيانة، وشراء المشتقات النفطية الخاصة بالكهرباء، يتضح ان معظم الشركات التي تم ابرام العقود معها في هذا المجال تتبع جهات بعينها ومعظمها شركات وهمية لا أساس ولا وجود لها على أرض الواقع.
 
ففي العام 2021، أبرمت الحكومة اليمنية برئاسة معين عبدالملك، عقد "مهمة فحص الوقود الداخل إلى اليمن"، إلى شركة مجهولة الملكية اسمها (سوبليت)، وتم التعاقد معها بمئات الآلاف من الدولارات شهريا.
 
تنحصر مهمة هذه الشركة في فحص الوقود ومعرفة ما إذا كان صالحا لدى الشركة المجهولة ذات المكتب الواحد في منطقة البريقة شمال غرب عدن. تقوم الشركة بتحليل الوقود عبر معامل شركة مصافي عدن، حيث يقوم أفراد معمل المصافي بفحص الوقود وإصدار التقرير.
وبعد الفحص الذي يتم في منشأة يمنية، يأخذ مكتب الشركة الوهمية التقرير ويختمه ويمنح الشحنة أمر السماح بالدخول أو رفضها، ويحصل المكتب على 200 ألف دولار شهريا مقابل ذلك.
 
نموذج آخر
وفي نموذج فساد آخر لفساد عقود شراء الطاقة، حيث يتم إبرام عقود دون وجود ضمانة تجارية للشركات التي يتم التعاقد معها وهي ثلاث شركات تتبع قيادات في حزب الإصلاح الذي يسيطر على مفاصل حكومات الأدوات الفاشلة في المناطق المحررة.
 
ووفقا للتقارير رقم (70) للجهاز المركزي للرقابة المحاسبة الصادر في 30 سبتمبر 2018، فإن الشركات الرئيسية التي أبرمت الحكومة معها عقد شراء الطاقة في عدن هي "مجموعة السعدي، والمكلا ريسوت، وباجرش، وأخيرا الأهرام".
 
ووفقا لتقرير الجهاز حينها، تم إبرام عدد من العقود مع تلك الشركات دون مراعاة أبسط الحقوق القانونية، وكان مبررها أنها عقود في ظروف استثنائية، وهي الشماعة التي تعمل منظومة في إطارها لنهب الأموال العامة بطرق عقود شبه قانونية تبرم مع الجهات الرسمية المعنية في توفير الخدمة الكهربائية لعدن ومحيطها. الغريب في الأمر أن العقود يتم تنفيذها خلال فترة الشتاء، وفي الصيف تتنصل الشركات عن توفير الطاقة بحجج المطالبة ببقية الأموال وعدم تجديد العقود التي تكون عادة عقودا لفترات أشهر.
 
وهكذا يتم الاحتيال على المواطن بأن تلك العقود مبرمة بحجة مواجهة حرارة الصيف، ويتم عملية التوليد للطاقة خلال فترة الشتاء، وعندما يحل فصل الصيف الحار تبدأ عملية المماحكات بين الشركات المستأجرة والجهات الحكومية يكون ضحيتها المواطن. آخر تلك العقود وفقا لتقرير الجهاز المركزي كان قيمته 16 مليونا و849 ألف دولار، تم التلاعب بفوارق اسعار الوقود وفترات التشغيل لصالح الشركات.
 
الأزمة الحالية
ومرورا بعدد من الأزمات المتواصلة والسنوية في قطاع الكهرباء رغم الوعود الحكومية والتي كان آخرها الحديث من قبل رئيس وزرائها معين عبدالملك أن قيمة تشغيل 8 ساعات كهرباء في 24 ساعة لمدينة عدن وحدها قيمة فاتورتها الشهرية ٥٥ مليون دولار.
 
مبلغ مبالغ فيه ويكشف مدى حالة الفساد الذي يجري في هذا القطاع الذي يبدأ من رئيس الحكومة مرورا بوزارة الكهرباء والمؤسسة ومحطات التوليد الحكومية، وفي نهاية المطاف لم يكتفوا بسرقة كل هذه الأموال من مال الشعب، بل وصل بهم الأمر لتزويد المحطات بوقود تالف ومغشوش، وقود عمل على إخراج عدد من محطات التوليد عن الخدمة ووصلت حالة تشغيل الطاقة بمعدل ساعتين لاصي مقابل 6 ساعات طافية، وسط ارتفاع كبير في درجة الحرارة والرطوبة.
 
لجنة فساد 
ومما زاد الطين بلة، أصدرت السلطة المحلية ممثلة بمحافظة عدن قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق حول رداءة الوقود من المتهمين بالفساد، مسؤولي الفساد في الجهات المعنية بتوليد الكهرباء، ما أثار سخرية واسعة في الاوساط المحلية داخل مدينة عدن.
 
وحمل قرار تشكيل اللجنة أن يكون رئيس اللجنة المهندس محسن سعيد وهو رئيس الإدارة الفنية في لجنة الوقود المكلفة أساسا بشراء الوقود لمحطات الكهرباء وهو المسئول الأول عن القضية بمجملها.
 
وعضوية كل من المهندس ياسر علي أحمد، وهو مدير المختبر في شركة النفط منشأة البريقة وهو الرجل المختص بمعاينة الوقود قبل ذهابه إلى محطات الكهرباء، وهو من يصدر تقارير صلاحية الوقود من عدمه، أي أنه كان هو الرجل كان يجب أن يقول هذا وقود تالف ويجب ألا يذهب (فيما يخص وقود شركة النفط).
 
وجاءت عضوية اللجنة من المهندس زكي محمود رئيس قطاع المنشآت في شركة مصافي عدن، كما ضمت اللجنة في عضويتها معن محمود وهو مدير قطاع الوقود في مؤسسة كهرباء عدن وهو الرجل الذي يفترض به أن يتحقق من صلاحية أي وقود داخل إلى مؤسسة كهرباء عدن.
وتضمنت اللجنة أيضا نائبا معينا، وهو المهندس قيصر صويلح وجاء سادسا أنوار عباس مختص الشؤون الفنية للجنة الإشراف على الوقود.
 
مطالب للنائب العام
وعلى خلفية هذا القرار الصادر خلال الساعات الماضية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حالة من السخرية والمطالبة من النائب العام القيام بواجبه والتحقيق مع الجهة التي شكلت هذه اللجنة من المتهمين والمسؤولين عما وصلت إليه حالة الكهرباء اليوم في المدينة الساحلية.
ووفقا لمنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الجهات الحكومة والسلطة المحلية والمسؤولين على الخدمة، باتوا يمارسون كل هذا الفساد في وضح النهار لأنهم يدركون أن مؤسسات الدولة معطلة ولن يحاسبهم أحد.