Image

القومية العربية .. وجماعات الاسلام السياسي ..!!

بدايةً ....... 
رغم أن الإسلام دين للبشرية جمعاء ، ورغم أن العالمية واحدة من أهم خصائصه الحضارية ، إلا أنه لم يتجاهل بأن البشرية مقسمة إلى شعوب وقبائل ، بل ٱن هذا التقسيم سنة من سنن الله تعالى في هذا الكون ، لأهداف وغايات إيجابية وسامية ، من أهمها التعارف الإيجابي ، والتنافس الإيجابي ، والتفاعل الإيجابي بين البشر ، قال تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا )) . والقومية العربية مثلها مثل بقية القوميات البشرية ، إلا أن الله تعالى قد إختصها بتحمل أعباء نشر الدعوة الاسلامية ، إلى بقية القوميات والشعوب ، وبالفعل قام العرب بنشر الدعوة إلى أصقاع المعمورة ، رغم بعض السلبيات التي رافقت ذلك ، لأن هذا هو حال البشر ، وقد ساعد العرب في ذلك ، حالة الظلم والاضطهاد التي كانت سائدة في ذلك العصر ، حيث رأت الشعوب الأخرى في الٱسلام والعرب بارقة أمل لإنقاذهم من الأنظمة الاستبدادية التي كانت تحكمهم بالحديد والنار ، فتعاونت تلك الشعوب مع الفاتحين الجدد ، والتحق العديد منهم بركب الإسلام ، وتنفسوا من خلاله نسمات الحرية والتحرر والعدالة والمساواة ..!! 
 
طبعاً .... 
النخب الحاكمة في تلك الشعوب ' لم يكن أمامها من سبيل سوى الإنحناء أمام العاصفة ، ووصل الحال ببعضها إلى إعتناق الإسلام شكلياً ، لكي تتمكن من التأقلم مع الوضع الجديد ، وما إن إستقر المقام بأعضاء تلك النخب ، حتى بدأوا ينخرون في جسد الإسلام من داخله ، ويشوهون معالمه ، ويحرفون أحكامه وتشريعاته ، وظلوا يحملون بذور الحقد والكراهية لكل ما له صلة بالقومية والهوية العربية ، فالعرب بالنسبة لهم كانوا وما زالوا وسيظلون ألد أعدائهم ، فهم في نظرهم عبارة عن غزاة أسقطوا عروشهم وامبراطورياتهم ، وأفقدوهم بريق الحكم والسلطة لسنوات طويلة ، وساووا بينهم وبين رعيتهم وعبيدهم . وبمجرد أن دبت الخلافات داخل الصف العربي ، إبتداءاً بالخلاف بين الإمام علي ومعاوية ، مروراً  بالخلاف بين الأمويين والعباسيين ، وصولاً إلي الخلاف داخل البيت العباسي ( الأمين والمأمون ) ، حتى كشر أعضاء النخب الحاكمة للشعوب غير العربية عن أنيابهم ، وقاموا بتأجيج تلك الخلافات ، ودعم الصراعات العربية البينية ، فالنخبة الفارسية كانت السباقة في هذا المجال ، فقد رأت في تلك الخلافات فرصتها الذهبية للإنتقام من القومية العربية ، فما لبثت أن لعبت أدوار خطيرة يعرفها كل من يقرأ كتب التاريخ ، وبعد أن إستتب الأمر للمأمون علت شوكة النخبة الفارسية ، وكانت صاحبة الأمر والنهي ، حتى جاء الخليفة المعتصم وفي محاولة منه للحد من هيمنة النخبة الفارسية ، إستعان بالنخبة التركية ، لتتحول الهيمنة لمصلحة النخبة التركية ..!! 
 
وهكذا بدأت هذه النخب تتداول الهيمنة من فترة لأخرى ، وترتب على ذلك تلاشي الهيمنة العربية ، وتعاظم هيمنة النخب الغير عربية ، لتبدأ بالسيطرة والاستيلاء على السلطة ، وتزيح العرب عن المشهد شيئاً فشيئاً ، حتى عادت إلى الحكم والسلطة ' وإن كان ذلك في بداية الأمر تحت مسمى خلافة عربية شكلية ، حيث كان الخليفة العربي مجرد صورة ، لا يملك من الأمر شيئاً ، وكانت الهيمنة والسلطة الحقيقة بيد الوزراء من النخب غير العربية ، ليصل الأمر بهم في نهاية المطاف إلى إعلان السلطة بإسمهم مباشرةً ( الدولة الصفوية والخلافة العثمانية إنموذجاً ) . ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد ، بل لقد وصل الحال بهم إلى استهداف العرب وإبعادهم عن كل مقومات العلم والحضارة والقوة ، وصناعة الفتن والحروب فيما بينهم ، حتى عاد العرب لحياة البداوة من جديد ، وتحولت بلدانهم إلى مستعمرات تحت سلطنات بمسميات إسلامية ، وهي في حقيقة الأمر إمبراطوريات لا تحمل من الإسلام إلا الإسم ، فأذاقت العرب صنوف الظلم والاستبداد والتهميش ، وكانت تقوم بقمع أي تحركات أو ثورات تدعوا إلى إستنهاض القومية العربية ، كونها ترى في ذلك الخطر الداهم عليها ، وبمجرد أن ضعفت الامبراطورية العثمانية في بدايات القرن العشرين ، والتي تهالكت من داخلها نتيجة الفساد والظلم ، حتى بدأت الحركات والدعوات القومية العربية بالبروز والظهور من جديد ..!! 
 
وما أن سقطت الامبراطورية العثمانية ، حتى وجد العرب أنفسهم في معركة جديدة مع مستعمرين جدد ، ليخوض العرب وحيدين غمار معركة التحرير المقدسة ، وبعد تضحيات جسيمة قدمتها الحركات القومية العربية ، نالت الدول العربية استقلالها وحريتها ، في خمسينات وستينات القرن العشرين ، لتبدأ الحركات القومية العربية بإستنهاض همم الأمة ، والسير بها نحو طريق البناء والتنمية ، ولتنعم شعوبها بالأمن والإستقرار والتعايش السلمي ، ولتتمكن من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية ، في كثير من مجالات الحياة . وبمجرد أن رأت النخب السلطانية غير العربية ، حالة الإزدهار والنهضة التي تشهدها الدول العربية ، تحت قيادة الحركات والأحزاب القومية العربية ، لم تتمالك نفسها وعادت إليها هواجس خوفها المتجذر من القومية العربية ، لأنهم يدركون أن قوة العرب تكمن في إلتفافهم حول قوميتهم العربية ، ويدركون جيداً بأن القومية العربية هي الأجدر والأكفأ بالنهوض بأعباء الدعوة الإسلامية على أصولها الصحيحة ، القائمة على الوسطية والاعتدال ..!! 
 
فما كان من تلك النخب السلطانية غير العربية المسماه إسلامية بإختلاف توجهاتها ، إلا أن عاد لها حنينها بالسيطرة على حكم الدول العربية ، فقامت بإنشاء ودعم جماعات دينية بإسم الإسلام ذات نزعة مذهبية وطائفية ( جماعات الإسلام السياسي )  بإختلاف انواعها ، ودفعت بها إلى المشهد السياسي والديني والإجتماعي العربي ، كأدوات هدم وتخريب لكل المنجزات الحضارية والتقدمية في الدول العربية ، ومحاربة الحركات والأحزاب القومية العربية ومحاربة وازدراء كل ما له علاقة بالهوية والقومية العربية ، وتمجيد وتعظيم هويات وقوميات تلك النخب الغير العربية ، وما المخطط التآمري المشئوم تحت شعار الربيع العربي ، إلا المدخل للدفع بتلك الجماعات للمشهد وتسهيل وصولها للسلطة ' تحت شعارات مدنية وحقوقية ، وقد تمكن العرب من مواجهة ذلك المخطط في بعض الدول العربية ، نتيجة صحوة قومية عربية مضادة ، ولكن لا تزال العديد من الدول العربية تعاني آثار نكبة الربيع العربي ، ولا تزال جماعات الاسلام السياسي تعمل جاهدة في سبيل السيطرة عليها واحكام قبضتها العسكرية والأمنية عليها بدعم ورعاية من النخب السياسية غير العربية الحاكمة لدول إسلامية مجاورة ..!! 
 
لذلك لم يعد أمام العرب اليوم بمختلف توجهاتهم القومية والتحررية من خيار سوى مواجهة الهجمة الشرسة التي تستهدفهم وتستهدف هويتهم وقوميتهم وكيانهم واستقلالهم ، وذلك عن طريق الإلتفاف حول هويتهم وقوميتهم العربية وحول المنهجية الإسلامية الوسطية ، والتحرر من الإنتماءات المذهبية والطائفية التي تستغلها تلك النخب لتمزيق العرب وتفريقهم ، ولن نبالغ اذا قلنا بأن القوميين والأحرار العرب يقفون اليوم في مواجهة مصيرية مع جماعات الاسلام السياسي ومع النخب السلطانية غير العربية الداعمة لها ' والتي تستهدف القضاء على الهوية والقومية والسيادة العربية . والتي تستهدف استقلال البلدان العربية ونهب ثرواتها وخيراتها واستعمارها ، والتي تستهدف حرية وكرامة وفكر وعقيدة الإنسان العربي ، لمصلحة قوميات ومشاريع توسعية واستعمارية خارجية ، وخلاصة القول أن الأحداث السياسية قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأن جماعات الإسلام السياسي ليست أكثر من أدوات تابعة لمشاريع توسعية خارجية ، وإن كانت مغلفة بغلاف ديني إسلامي ( خلافة وإمامة ) ..!!