الخرافات والأساطير في حياة البشر (المهدي المنتظر أنموذجاً)

03:59 2023/03/29

الأساطير والخرافات من الأمور الفكرية التي رافقت الإنسان منذ القدم وحتى اليوم، وكان للكهنة ورجال الدين في الحضارات القديمة الحظ الأوفر في إنتاج ورعاية الكثير من الخرافات والأساطير.
 
وقد تم تسخير العديد منها في خدمة السلطة ومن أهمهما تلك الخرافات الفرعونية التي عظمت الفراعنة لتجعل منهم آلهه تعبد، وتلك الخرافات الفارسية التي مجدت الأكاسرة ليصبحوا من نسل الآلهة، والهندية والإفريقية وغيرها كثير. ولن نبالغ إذا قلنا بأن الفكر البشري قد أبدع في نسج الكثير من الخرافات والأساطير والأوهام خصوصاً في المجال الديني لتسيطر الخرافات والأساطير على مساحات شاسعة من عقائد وأفكار البشر، ولتحظى بالاهتمام الكبير لدرجة أنها تحولت إلى دين ومعتقدات في حياة الكثير منهم. كل ذلك رغم تناقضها مع الشرع ومع العقل ومع المنطق. 
 
وأعتقد بأن من أهم أسباب انتشار وتناقل ورواج الخرافات والأساطير هو احتواؤها على الكثير من الغموض والإثارة وتجاوزها لحدود المعقول، لأن البشر عادةً ما يثير الغموض والإثارة شغفهم، وعادةً ما يحلمون بالقفز فوق المعقول إلى عالم اللامعقول والخيال، في محاولة منهم للتغلب على ظروف حياتهم القاسية، ولتجاوز محطات الفشل في أعمالهم، وللعيش في إنتظار المخلص المنتظر الذي يحمل العصا السحرية القادرة على حل كل مشاكلهم، وتغيير مجرى حياتهم من السلبية إلى الإيجابية، والذي يمتلك القدرات الخارقة التي تمكنه من تحقيق طموحاتهم وأحلامهم بكل سهولة (السوبر مان)، والمجتمعات الفقيرة والعاجزة والمتخلفة والضعيفة والفاشلة هي من تلجأ أكثر من غيرها لمثل هكذا خرافات وأساطير، وذلك في محاولة منها للهروب من واقعها المأساوي والسلبي. 
 
وهذا هو حال العديد من المسلمين وهم في حالة انتظار المهدي المخلص المنتظر الذي سوف يحققون من خلاله النصر المفقود في حياتهم، ويتمكنون عن طريقه من إعادة أمجادهم الضائعة ويحطمون من خلاله كل القيود والمآسي التي تكبل حياتهم ويصنعون من خلاله المعجزات والمنجزات ويتخلصون به من العجز والفشل الذي يخيم على واقعهم. وهكذا وضع يفقد الإنسان الثقة بالنفس ويعزز في داخله الاتكالية على الآخر، وهو ما يصيب المجتمع بالجمود والركود والتخلف والعجز والفشل، وقد يكون ذلك هروباً من الواقع المأساوي المعاش، هذا من الناحية النفسية والاجتماعية. 
 
أما من الناحية السياسية فلا يستبعد أن يكون للسلطات المتعاقبة دور في ترسيخ ونشر هكذا خرافات وأساطير، كونها تقوم بتخدير الشعوب وجعل أفرادها لا يفكرون كثيراً في فشلها وفسادها وظلمها، وشغل تفكيرهم في انتظار مجيء المخلص المفقود. بل إن خرافة المهدي المنتظر تجعل من تفشي الظلم والفساد والفوضى والعنف علامة من علامات ظهور المهدي، وهكذا أفكار خرافية تنزع من الشعوب النزعة الثورية والتحررية لأنهم ليسوا بحاجة لها طالما والمخلص المنتظر سوف يقوم بكل ذلك بالنيابة عنهم وطالما وهي من تمهد لظهور منقذهم ومخلصهم. وأما من الناحية الحضارية فلا يستبعد أن يكون الأعداء الحضاريون هم مصدر هكذا خرافات وأساطير ، لما لها من تأثيرات سلبية على الفعل والحراك الحضاري نتيجة الاتكال والانتظار للمخلص، وعدم الاهتمام بمقومات التطور الحضاري ليترتب على ذلك الوقوع في براثن التخلف والجهل والاستلاب الحضاري، وهو ما يسهل مهمة السيطرة على تلك الشعوب والأمم المستهدفة والاستيلاء على ثرواتها وخيراتها وصولاً ألى استعبادها وإذلالها واستعمارها. 
 
كل ذلك يحدث في المجتمع الإسلامي رغم تعارضه الكبير مع الشرع، ورغم تناقضه مع دعوات القرآن الكثيرة لتفعيل العقل، ورفضه لكل الخرافات والأساطير التي تتعارض مع العقل والعلم والعالم المادي المحسوس، كما ان هكذا خرافات تسعى للنيل من الإسلام كآخر الأديان، ومن النبي عليه الصلاة والسلام كخاتم للأنبياء والمرسلين، قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، كما أنه لم يرد أي نص قرآني صريح أو ضمني حول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، وبالنسبة للأحاديث الواردة حول هذا الموضوع فهي أحاديث ركيكة المتن وضعيفة المحتوى ومتناقضة فيما بينها، ورواتها غير ثقاة، كما أنها تفتح الباب واسعاً أمام أصحاب القلوب المريضة والدعوات الضالة، لنشر دعواتهم وبث سمومهم في اوساط المجتمعات الإسلامية التي تعتبر بيئة خصبة لمثل ذلك، نتيجة تفشي الجهل والتخلف في أوساطها، وهو ما يساعد هؤلاء على سهولة الحصول على أتباع ومناصرين، ليترتب على ذلك حدوث المزيد من الانقسامات والخلافات داخل بنية المجتمع، ليصبح عرضه للمزيد من الضعف والهوان والتخلف والجهل، ولا يمكن مواجهة الخرافات والأساطير وهزيمتها إلا بسلاح العلم والبحث والدراسة، والعودة إلى منابع الشرع الصحيحة وإلى تفعيل العقل، فالعقل بما يمتلك من إمكانيات كبيرة يستطيع التمييز بين الحق والباطل، بين الخرافات والأساطير وبين الحقائق الشرعية والعلمية.