Image

الإعلام والحداثة السياسية في اليمن بعد الوحدة

صدر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة كتاب " الإعلام والتحداثة السياسية في اليمن بعد الوحدة" للباحث والأكاديمي اليمني الدكتور/ عبد الحفيظ النهاري.

ظهر الكتاب بطبعة ممتازة في 343 صفحة من القطع المتوسط، يتكون الكتاب منهجيا من ثلاثة فصول.

يقول البرفسور/ جمال الزرن استاذ الإعلام والاتصال بالجامعة التونسية في تقديمه للكتاب "من بين مزايا هذا المؤلف هو ذلك العمق التاريخي التأليفي، وذلك الترابط المنهجي بين السياسي والإعلامي ضمن سياقات يمنية بدءا بالتحديث وصدمة الغرب في فترة الحضور العثماني ثم البريطاني... وكأني بالباحث يريد أن يقول إن مأزق اليمن يكمن في عدم قراءة تاريخه السياسي ضمن سياقات متعددة وأن لليمن من الإرث الإعلامي والسياسي ما يجعله يطمح إلى حداثة سياسية وليس فقط إلى تحديث مادي زائف" ويضيف في مقدمته الضافية قوله  "إن هذا الكتاب لقمين بأن يقرا خاصة ضمن الإشكالات ذات البعد الأفقي، فالإعلام والحداثة السياسية هي عناصر تشق أفقيا كل مناحي المجتمع الحديث من مجال عمومي ونخب سياسية واقتصاد ورأي عام وأحزاب سياسية لا يمكننا حصرها في مدى توفر بنية اتصالية حديثة تقنيا."

وبالعودة إلى متن الكتاب نجد أن الفصل الأول منه قد تناول رحلة اليمن مع التحديث، بدءا بالتحديث الاستعماري التركي في صنعاء والبريطاني في عدن، وهو التحديث الاستعماري الناقص، كونه سالب من الشعب أهم قيم الحداثة الليبرالية وهي الحرية، والسيادة الوطنية، واستقلال القرار، بحسب المقاربة المنهجية لمفهوم الحداثة في هذا الكتاب.

 وينتقل المؤلف من التحديث الاستعماري الشكلي الذي لا تربطه علاقة مباشرة مع مصلحة الشعب، بقدر ما هو عملية وظيفية تخدم المستعمر وتشكل ملامحه الاقتصادية والثقافية وأدوات للهيمنة، إلى ما أطلق عليه التحديث الوطني المرتبط بثورتي 26 سبتمبر 1962م و ثورة 14 أكتوبر 1963م، اللتين حققتا التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، ودور الإعلام في الثورتين، وفي عملية التحديث الوطني، السياسي والإعلامي، في بناء الجمهوريتين شمالا وجنوبأ، بما اشتملت عليه من التحولات في البنية الدستورية والمؤسسية للدولة، والتحولات السياسية والإعلامية.

ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك من طور التحديث إلى طور الحداثة في تفريق منهجي بين المفهومين، وذلك في استشراف آفاق الحداثة السياسية في أدبيات الوحدة اليمنية، بدءا بالتصور الأولي للحداثة الوطنية في مضامين اتفاق القاهرة 1972 والاتفاقيات والبيانات اللاحقة ذات الصلة بتصورات إعادة توحيد شطري اليمن، وصولا إلى مشروع دستور دولة الوحدة الذي إنجز سنة 1981م، والذي تعاطى الباحث مع مضامينه الحداثية باعتبارها العتبة النظرية الأولى لمشروع الحداثة في اليمن. ويختم المؤلف هذا الفصل بمبحث هام عن البيئة اليمنية ومؤشرات الحداثة السياسية ومؤشرات قابلية التحول الديمقراطي.

أما الفصل الثاني فيتناول الإعلام والحداثة السياسية بعد قيام دولة الوحدة " الجمهورية اليمنية" في بعدها البنائي، بدءا باستعراض الفضاء التأسيسي للحداثة الإعلامية والسياسية، ومن ذلك البيئة التشريعية والمؤسسية الجديدة المؤصلة لتجربة الحداثة السياسية، التي أفسحت المجال لتشكل نخب جديدة سياسية وإعلامية، وتكوين الفضاء العام بملامحه الحزبية والنقابية والإعلامية، والمؤسسات المدنية والآليات والبني الديمقراطية، بالتوازي مع دور الإعلام في هذا التشكل الحداثي.

 ليقف بموضوعية بعد ذلك أمام أول تحد واجهه مشروع الحداثة في دولة الوحدة، المتمثل في التراجع عن مشروع بناء دولة الوحدة والاستحقاقات الوطنية الحداثية المترتبة عليه، وارتفاع وتيرة الصراع بين القوى الحداثية والقوى التقليدية الذي انتهى إلى حرب صيف 1994م وما أفضت إليه من تأطير لآفاق الحداثة السياسية والإعلامية، حيث اختتم الفصل بتقييم نقدي موضوعي لعملية التحول الحداثي السياسي التي تأثرت بالحرب.

وتناول الفصل الثالث والأخير دور الإعلام في الاستحقاقات الديمقراطية بعد الحرب، ومن ذلك: الانتخابات النيابية الثانية 27 أبريل 1997م، والانتخابات الرئاسية المباشرة الأولى 1999، والاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات المحلية 2001، والانتخابات النيابية الثالثة 2003م.

ويتتبع الباحث نمو وتشكل المعارضة السياسية بعد الحرب وصحافتها وصيغ التحالفات والاصطفافات بين جناحي السلطة والمعارضة، وصولا إلى تشكيل كتلة أحزاب المعارضة "أحزاب اللقاء المشترك"، وإجراء أول انتخابات رئاسية تنافسية مباشرة، في 20 سبتمبر 2006 بالتزامن مع انتخابات مجالس السلطة المحلية، حيث ألقت المعارضة فيها بكل ثقلها في مرشح واحد للرئاسة وبمنافسة واقعية، وكان للإعلام الحكومي دور متقدم في نقل محايد للمهرجانات والحملات الانتخابية والسباق الانتخابي بين المتنافسين، تحت إدارة اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء.

وتتبع الباحث إعلاميا وسياسيا ما أفرزته الألفية الثالثة من مفاهيم وقيم وآليات دولية جديدة كانت دول الديمقراطيات الناشئة أحد اهتماماتها ومنها اليمن. وكان من ملامح الألفية الجديدة تطور الإعلام الفضائي ونمو الصحافة الإلكترونية السياسية في اليمن، وتطور المشهد الإعلامي بشكل عام.

إلا أن الألفية الجديدة قد أطلت ومعها جملة من الكوابح الدولية والمحلية كرست أولوية الأمن على أولوية الديمقراطية ومن ذلك نمو ظاهرة الإرهاب، وظهور الحركة الحوثية، وظهور الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، إذ شكلت هذه الثلاثية صراعا وصداما متعدد الجبهات مع النظام ساهم في تبديد طاقاته وأثرعلى وتيرة الاستقرار والأمن، والنمو الخطي للمسار الديمقراطي.

ويختتم الباحث هذا الفصل بتقييم وجرد موضوعي للتحولات السياسية والاجتماعية وعلاقتها بالتقليد والحداثة، بالنظر إلى كوابح البنى التقليدية المتمثلة في القبيلة وعصبويات ما قبل الدولة المدنية، ونمو التيارات ذات النزعات الإقليمية والجهوية والدينية والمذهبية المتطرفة، توازيا مع تطور المنظومة الإعلامية وأدوارها المتعددة في كل ذلك.