Image

بين صنعاء والرياض وطهران والدوحة.. ضاعت دولة وتشرد 30 مليون يمني

من خلال هذه السطور، سيتم التوقف عند الأوضاع التي يعيشها اليوم اليمنيون، والتي تسببت بها خلافات "الأجندة الفكرية والسياسية"، والاستراتيجيات والمخاوف والاطماع، ودفع ثمنها 30 مليون نسمة في أكبر جريمة شهدتها البشرية.
 
صنعاء بين الفكر والخوف
 
تعيش العاصمة اليمنية صنعاء، اليوم، وهي ترزح تحت وطأة الإدارة القمعية لمليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، أوضاعا لا تشبه تلك التي كانت تحت وطأة الاحتلال والوصاية تعيشها دول المنطقة في مطلع الألفية الماضية، بل أكثر سوءا، اختلطت فيها الدماء بالدمار والاضطهاد وقمع الحريات، ونهب الحقوق ومصادرة الإرادة والأملاك.
 
في صنعاء، تحكم المليشيات بالقوة والحديد والنار، يتم فيها التنكيل والتشريد والقتل والاختطاف والاخفاء إلى ما لا نهاية لكل معارض للإجراءات الدينية والفكرية القادمة من عاصمة حكم الحوثية "صعدة"، والصادرة من منبع فكرها الطائفي في "قم" الإيرانية.
 
ثمان سنوات كانت كفيلة بتنفيذ إجراءات قمعية بقوة السلاح، وتفجير المنازل ومصادرة الأراضي، والتعذيب والاختطاف لكل من يعارض النهج الطائفي القادم من صعدة من إمام الحوثية عبدالملك الحوثي، والمستقى من فكر الملالي في إيران.
 
وما بين الاحتفالات بالمناسبات الدينية الدخيلة على المجتمع اليمني، وفرض مزيد من الجبايات والإتاوات المالية، تحول من لا يؤمن بفكر الجماعة إلى "فئة عمالية"، ومصدر للدخل وخدمة لعناصرها من السفاحين والمجرمين وقطاع الطرق وتجار المخدرات.
 
وتمادت المليشيات مؤخرا لتصل بإجراءاتها القمعية إلى ملابس النساء وتفاصيل حياتهن وغرف نومهن، في استخفاف وتطاول على طبيعة الحياة التي سنها الله لخلقه. جاء ذلك بعد أن تمكنت من قمع جميع معارضيها من القبائل والسياسيين والعسكريين والمفكرين والمثقفين والناشطين والإعلاميين والفنانين والمبدعين، وحتى أصحاب الفكر التطويري في مجالات الحياة المختلفة.
 
ومارست المليشيات كل فنون الاضطهاد لإخضاع مناطقها فـ"قتلت وأصابت واعتقلت واختطفت وسجنت، وصادرت ودمرت ونهبت وفجرت"، وواصلت تنفيذ أجندة قادة طهران المتشددين، ومن يرفضهم الشعب الإيراني، في سحق اليمنيين.
 
وبذلك نجحت المليشيات المتخلفة فكريا وعقائديا وعلميا، في إقناع العالم بأنها تسيطر على مناطقها، رغم التكلفة التي دفعها اليمنيون، ويعلمها المجتمع الدولي، فتقبلها كبديل للتحاور للتوصل إلى اتفاقات دولية ممولة سلفا.
 
عدن وفساد القيادات
في الطرف الآخر، ومنذ بداية تحرير المناطق في الجنوب ومأرب وتعز، وصولا إلى المناطق التي لم تصلها آلة التنكيل الحوثية، حضرموت والمهرة وسقطرى، فرضت ما بات يعرف بـ"القيادات" قواعد حكم ظاهرها ينتمي لعرف الدولة وباطنها جماعات تقاسمت الفساد، فخسرت الثقة من سكان مناطق الحوثيين المضطهدين، ففضلوا الأخيرة على الفساد.
 
وبكل بساطة، شهدت وتشهد المناطق المحررة الواقعة تحت الحكومة المعترف بها دوليا، حالات فساد لم يسبق لأي دولة في العالم ممارسته، وجرى فيها تفريخ جماعات مسلحة تتحكم بمساحات جغرافية صغيرة، فضلا عن تفريخ جماعات فساد، معروفة سابقا بأنها فاسدة، وتم تنصيبها لإدارة المؤسسات والهيئات والمجتمع المحلية ذات النشاط التجاري والاقتصادي والزراعي وغيرها من المناشط التي تدر أموالا للخزانة العام، لكنها حولت تلك الأموال إلى حسابات شخصية.
 
وما بين غياب توافق رؤية تلك الكيانات المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، ومن خلفهم المجتمع الدولي، وفساد عناصرها المسيطرة على المناطق والمؤسسات والموارد، ظلت المناطق المحررة تعيش حالة من التردي المستمر في الخدمات المختلفة من "كهرباء ومياه وصحة وتعليم وأمن"، وغيرها من الخدمات، نتيجة الفساد وليس قلة التمويل كما يدعون.
 
ومع فشل تلك الكيانات في تحقيق أي مكاسب تخدم سكان تلك المناطق، إلى جانب تحقيق رؤية الداعم الاقليمي، زاد من ذلك الفشل ممارسة جماعات إرهابية انخرطت في صفوف الشرعية "حزب الإصلاح"، وسيطرت على مصدر القرار، ومصارف الأموال، ومن تلك الممارسات:
 
ـ الخيانات في جبهات القتال المدعومة بالسلاح والمال من التحالف، لصالح قطر وتنظيم الإخوان.
 
ـ نهب الأموال والأسلحة من جبهات القتال.
 
ـ التنسيق والدعم المتبادل مع مليشيات الحوثي.
 
ـ المؤامرة وتنفيذ أجندة بعيدة عن الواقع اليمني والإقليمي لصالح دول وتنظيمات إرهابية دولية.
 
بداية التحول
ومع ظهور وانكشاف كل تلك الخيانات، وممارسة الفساد بشكله الذي بات اليوم يطفو على السطح، دفعت الجهات الداعمة في الخليج والمجتمع الدولي إلى مراجعة سياساتها في اليمن، بما يخدم مصالحها الذاتية، وبحثت عن طرق للخروج من النفق اليمني.
 
وبدأت تلك الدول بسحب وتوقيف عدد من مجالات الدعم، وعلى رأسها العسكري، خاصة في جبهات مأرب وتعز. كما بدأت مراجعة طرق تقديم المنح المالية والاقتصادية، ووضعتها في أطر دولية، هروبا من الفساد الذي بات كالغول يلتهم كل مورد مالي يصل إلى بنك عدن.
 
كما عمدت إلى تغيير مفاتيح اللعبة السياسية، من خلال الدعوة لعقد "مشاورات الرياض" وتشكيل كيانات حكم لا ترتبط معها باتفاقات دعم عسكرية وسياسية كما كان الحال مع نظام عبدربه منصور هادي، الذي كان السبب في قدرم التحالف إلى اليمن، ومنها بدى الترتيب لما يدور اليوم من حوارات في الخرق المخلقة، والجانبية للوصول إلى تفاهمات واتفاقات على حساب اليمنيين.
 
الهرولة نحو المجهولة
مع دخول العام الميلادي 2023، بدأت الأطراف الداعمة لليمن من أجل التخلص ووقف المد الفارسي فيها، بالهرولة نحو الفخ الإيراني في صنعاء، لبحث حلول للأزمة اليمنية التي تسببت وظلت تفشل أي تحرك لحلها مليشيات الحوثي.
 
اليوم، تلك المليشيات ومع قرب عودة العلاقة الإيرانية – السعودية، باتت تشكل طرفا مهما لرسم مستقبل اليمن والمنطقة، وفقا لاتفاقات ترسمها وتصوغ بنودها المخابرات الإيرانية، وتقدمها لطاولة التفاوض وسطاء اقليميون ودوليون.
 
لا يمكن أن تنتهي المخاوف الخليجية والسعودية على وجه التحديد، التي سيشكلها وجود جماعة إرهابية كأحد أذرع إيران المحيطة بمنابع النفط والأماكن المقدسة في الخليج، خاصة وأنها ستكمل الحلقة الضيقة على السعودية من بوابتها الجنوبية.
 
تلك المخاوف تؤكدها تقارير دولية، وأخرى يمنية وعربية، أن بناء سلام على أسس فكرية ومناهج طائفية، ومصالح مشبوهة بارتباطها بالتنظيمات الإرهابية والصهيونية العالمية، سيشكل خطرا داهما ليس على اليمن المنهك والمدمر أصلا، بل على المنطقة المحيطة به في اتجاهات مختلفة، وصولا إلى تهديد كل العمليات الواقعة بين المسطحات المائية "من البحر إلى الخليج"، ستتداعى على إثرها مخاطر دولية، يستحسن تجنبها الآن.